عندما كنت صغيراً، كنت معجباً بالمسلسل التلفزيوني الكوميدي الشهير ''صح النوم''، وكان أكثر ما يُضحكني في المسلسل هو شخصية حسني البرزان (والتي تقلدها الممثل نهاد قلعي ـــ رحمه الله) عندما كان يطلق عبارته الشهيرة ''إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فيجب أن نعرف ماذا في البرازيل'' وسبب ضحكي يعود إلى عدم وجود علاقة أو حتى ارتباط بين ما يحدث في إيطاليا مع ما يحدث في البرازيل (على الأقل في ذلك الوقت).
أما في عصرنا الحالي الذي يتميز بوجود القنوات الفضائية والإنترنت والاتصالات اللاسلكية والاستثمارات عبر الحدود، فالعلاقات الاقتصادية بين دول العالم أصبحت أكثر ترابطاً وقوة، والأدلة على ذلك كثيرة (ولست هنا لحصرها)، لكن ما لفت انتباهي واستغرابي هو ما حدث مساء يوم الجمعة الماضي، عندما تأثرت الأسواق المالية الأمريكية بحدة مع الاضطرابات التي شهدتها مصر الشقيقة، حيث وصلت الخسائر مثلاً في سوق ناسداك للأوراق المالية إلى ما يقرب من 2.5 في المائة، وهو ما يشير إلى أن خسائر الأسواق الأمريكية، في تلك الليلة، فاقت حجم الاقتصاد المصري كاملاً!
للوهلة الأولى كنت أعتقد بعدم وجود علاقة قوية ومباشرة بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد المصري بالتحديد (على الأقل من وجهة نظر شخصية)، لكن عندما دققت قليلاً في هذه العلاقة وجدت أن سيطرة الحكومة المصرية على قناة السويس هي التي لعبت دوراً مهماً في التأثير في الأسواق المالية الأمريكية، وليس الاقتصاد المصري في حد ذاته، بحكم أن قناة السويس تمثل منفذاً مهماً لحركة السلع والبضائع فيما بين الشرق والغرب، وهذا في حقيقة الأمر مثالٌ حيٌّ للعلاقات المعقدة بين اقتصادات دول العالم (والتي قد لا نفهمها جيداً في بعض الأحيان) ليصبح ما كنت أضحك عليه في الماضي واقعاً ملموساً نعيشه في هذا الوقت.
في هذا السياق، أتذكر قبل عدة أشهر عندما حدثت توترات عسكرية بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، اتصل بي أحد الإخوة معاتباً بسبب ربطي بين تصحيح السوق السعودية في تلك الفترة مع هذه التوترات العسكرية، وفي رأيه أنه لا يوجد أي رابط بين الحدثين على الإطلاق. حينها سألته: هل تعلم أن الأسواق المالية الصينية تأثرت سلباً بهذه التوترات؟ أجابني بنعم، ثم سألته: وهل تعلم أن الصين أهم سوق لصادرات المملكة من النفط والبتروكيماويات؟ فأجابني بنعم، وقبل أن أكمل حديثي معه قاطعني بالاعتراف بوجود رابط بين التوترات العسكرية بين الكوريتين والسوق السعودية!
