هل توجد لدينا استراتيجية للتأمين؟
يدور في ذهني سؤال عمّا إذا كانت توجد لدينا استراتيجية للتأمين، كما هو الحال للاستراتيجيات التي نضعها لمجالات الاقتصاد المختلفة. فالتأمين يُعد أحد أهم مفردات الاقتصاد الحديث، وهو يُعد كذلك أحد أهم الوسائل التي يتم الاعتماد عليها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وما ينبغي معرفته هو أنه لا يكفي أن يتم إدراج التأمين ضمن منظومة الاقتصاد والاحتياجات الاجتماعية لدينا، بل يجب أن يكون هذا الإدراج ضمن استراتيجية واضحة ومحددة تشمل تطويع هذا المارد الاقتصادي الكبير لمفاهيمنا الاقتصادية والاجتماعية وتحديد أسسه وآلياته. ثم بعد ذلك الشروع في وضع سياسة محددة للدور الذي يجب أن يلعبه التأمين في مفاصل الاقتصاد الوطني. وهذا يتطلب في حقيقة الأمر، معرفة المجالات التي يمكن أن يؤدي التأمين دوراً اجتماعياً واقتصادياً فيها، مثل مجالات التأمين الصحي، وتأمين المسؤولية، وتأمين الممتلكات، والتأمين الهندسي، وتأمين النقل، وما إلى ذلك من أنواع ومجالات التأمين المختلفة، بحيث تكون الاستراتيجية شاملة لجميع هذه الأنواع والمجالات مع وضع أهداف محددة تخص كل نوع ومجال من مجالات التأمين.
إن نظرة سريعة على ما تقوم به الجهة الرقابية لدينا وهي (ساما) بخصوص سوق التأمين تجعلني أتساءل عما إذا كانت هذه المؤسسة تعمل وفق استراتيجية واضحة للتأمين أم لا؟، فاللوائح التي أصدرتها ساما بخصوص التأمين تنقصها شمولية النظرة وتنقصها شمولية الإدراك لواقع السوق ولما ينبغي أن يكون عليه. وأنا بالطبع لا ألوم المؤسسة ولا أحملها كامل المسؤولية في ذلك، فـ (ساما) تبقى جهة تنفيذية تختص بالرقابة على أعمال التأمين بالمملكة. وهي تمارس عملها وفق سياسة ضبط السوق وتصدر من اللوائح ما يلزم لهذا الضبط، أو وفقاً لما تراه المؤسسة لازماً لتسيير أعمال التأمين بالمملكة. ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان قياس أداء (ساما) تجاه التأمين في ظل غياب استراتيجية شاملة للتأمين.
وأذكر أنه في السنوات الأولى التي عاصرت تنظيم سوق التأمين بالمملكة جاء بعض الخبراء والمهتمين من خارج المملكة لينقلوا تجاربهم فيما سمِّي آنذاك بالتأمين الإسلامي، وجاء البعض من بلدان مثل بريطانيا وماليزيا طامحين في أن يطبقوا على أرض الواقع بعض المشاريع التأمينية وفقاً لما يرون أنها ذات طابع إسلامي، فهم ينظرون إلى المملكة على أنها ستكون السوق الأولى على مستوى العالم في التأمين التكافلي. وهذا ليس بغريب من أن تكون المملكة محط أنظار هؤلاء وأن تصبح أحد أهم مناطق الجذب الاقتصادي. هذا علاوة على أن أي تنظيم اقتصادي تقوم به المملكة يصبح بشكل تلقائي محط أنظار الكثير من المهتمين، ولا غرابة كذلك من أن يكون التأمين أحد أهم هذه القرارات التي اعتمدتها المملكة في السنوات الأخيرة.
ومع بروز مصطلح التأمين التكافلي على الساحة والحديث عن تجارب التأمين الإسلامي في بعض الدول، إلا أن تنظيم التأمين في المملكة جاء من دون أن يرسم صورة واضحة عن التأمين من حيث القواعد الموضوعية التي تحكمه وتضبط أشكاله، ولم تبين هذه التنظيمات كذلك مدى المرونة التي تتيحها لكل من أراد أن ينثر إبداعاته في ساحة التأمين السعودية. وأقصد بذلك إمكانية أن تعطي هذه التنظيمات المجال لكل من أراد أن يحقق مشروعات طموحة في التأمين وفق رؤيته الاقتصادية بل وحتى نظرته الشرعية للتأمين طالما أنها لا تتعارض مع أصول وفن التأمين المُتعارف عليها. وإذا عُدت إلى الحديث عن الخبراء والمهتمين الذين توافدوا على السوق السعودية للتأمين فأنا أعتقد أنهم جاؤوا في وقت لم يستطع أحد أن يلقي لهم بالا، بسبب أن المعنيين بالتأمين لدينا كانوا مشغولين بنوعين لا غير من التأمين: وهما التأمين التعاوني والتأمين التجاري.