مثل ثورات شرقي أوروبا في 1989، فإن انهيار الأوتوقراطية ''الحكم التسلطي'' يخدم كمذكّر بأنه ما من وطن سيظل يحتمل الكبت السياسي إلى الأبد، ومنعه من الحريات المدنيّة في ظل استشراء الفساد ضمن حُكّامه. التوانسة يستحقّون الثناء الحار على شجاعتهم في تطبيق ما يعدُ بأن يكون أكثر تغيير إيجابي في نظام حكم البلاد منذ أن نالت الاستقلال من فرنسا في 1956. هناك عنف مستهجن تزامن مع سقوط زين العابدين بن علي، الرئيس الذي استولى على السلطة في 1987 وفر الأسبوع الماضي إلى المنفى في السعودية. لكن التجاوزات المفرطة تمت على يد قوات أمنه، وليس من قبل الشعب أو الجيش التونسي، الذي أظهر ضبط النفس منذ بداية الانتفاضة في منتصف ديسمبر. لتفادي سفك مزيد من الدماء، من الجوهري أن تفي السلطات المؤقتة في تونس بوعدها بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشمل المعارضة المُساء إليها كثيراً، وإجراء انتخابات حرة بأسرع ما يُمكن.
وبعد ذلك، فإن للشعب التونسي الحق في معرفة الحقيقة الكاملة بشأن نظام السيد بن علي. الغضب العارم إزاء الفساد الرسمي عجّل بالاضطرابات التي خلعته مع أسرته الممتدة من السلطة. الفساد شوّه حياة الأعمال وتفشى حتى في الاتصالات العادية ما بين المواطنين والدولة. بالنسبة لمجتمع متطور اقتصاديّاً وراقٍ ثقافياً مثل تونس، فإن الفساد في أعلى مستويات السلطة، كان إهانةً لا يمكن التسامح معها. ومثلما كان الأمر في جنوب إفريقيا ما بعد الآبارتايد، فإن الأمانة حول ممارسات النظام القديم ستشفي الجروح التي ما زالت مفتوحة، عند الانتقال إلى نظام جديد.
ليس هناك ما يخيف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من نتائج ''ثورة الياسمين'' في تونس. طوال عقود، لطالما شكل غياب موقفهما مسانداً للأوتوقراطيات العربية حتى لا ينشأ وضع أكثر شؤماً. لكن تونس تختلف عن غيرها من الدول المغاربية أو الشرق أوسطية. ومع أن المسلمين السُنّة الناطقين بالعربية يشكلون جُل السكان، فإن المؤثرات الأوروبية تُشكّل اقتصاد تونس وثقافتها المدنيّة. التهييج الإسلامي لعب دوراً يكاد ألا يُذكر في الانتفاضة ضد السيد بن علي. وليس هناك ما يوحي بأن التوانسة سيصوتون لمصلحة الإتيان بمتعصبين سياسيين أو دينيين إلى السلطة.
معنى ذلك، أن هبة تونس سيتردد صداها في غيرها من البلدان العربية، حيث يمكن للانفتاح السياسي المباغت أن يولّد راديكالية غير سارّة. لقد تأخر الوقت كثيراً، لكن على الأوتوقراطيين العرب ومسانديهم الغربيين التفكير الآن في كيفية رسم طريق منضبط نحو الحريات لمجتمعات لطالما أُنكرت حقوقها.