مسيرة البحث تتواصل بلا نهاية .. مركبة فضائية تطمح إلى استنشاق هواء كوكب المريخ

مسيرة البحث تتواصل بلا نهاية .. مركبة فضائية تطمح إلى استنشاق هواء كوكب المريخ

من المقرر أن تقلع مركبة روبوتية كبيرة وباهظة التكلفة تدعى كيوريوسيتي Curiosity من قاعدة كيب كانافيرال في رحلة إلى كوكب المريخ قرب نهاية عام 2011. ولو نجحت هذه المركبة في الهبوط بسلام على سطح الكوكب في آب (أغسطس) 2012 (لقد ثبت أن الهبوط من المدار على قطعة واحدة ليس دائما بالأمر السهل بالنسبة للمجسات الفضائية) فإن واحدا من أول الأشياء التي ستفعلها هو استنشاق الهواء، إذْ سيكون مبتكرو هذه المركبة هناك على الأرض متلهفين لمعرفة ما إذا كان ذلك الهواء على المريخ يحتوي أثرا ضئيلا من الميثان.
في عام 2004 قالت ثلاث جماعات مختلفة إنها رأت علامات على وجود غاز الميثان في الغلاف الجوي للمريخ، وبما أن جميع الميثان الموجود في الغلاف الجوي للأرض يأتي من كائنات حية، فقد كان ذلك بمثابة أهم نبأ يأتي من ذلك الكوكب منذ أن تصدر الحجر النيزكي (ALH 84001)، الذي يزعم أنه يحمل حفريات من المريخ، عناوين الأخبار في عام 1996.
وهذا الخيال البراق، ألا وهو وجود حياة على كوكب المريخ، هو الذي يساعد تعليل استهلاك المريخ جهودا ومصروفات أكثر من أي فرع آخر من فروع علوم الكواكب. إن مشهد سطح المريخ المجدب القاحل المغمور بالإشعاعات الذي كشفت عنه المجسات الأولى يقضي تماما على فكرة احتمال وجود أي شيء حي على سطح ذلك الكوكب. ولكن بعض الناس يأملون في أن تكون هناك أشياء حية تحت هذا المظهر الخارجي الذي لا يساعد على الحياة، وسيكون غاز الميثان -إن وجد- دليلا مؤيدا لذلك. ومن ثم فإن الخواطر حول وجود هذا الغاز هي التي شكلت برنامج كيوريوسيتي العلمي، كما أن أول رحلة إلى المريخ تجمع بين وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ونظيرتها وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) في عام 2016 سيتم تكريسها لتحليل الغازات النَّزْرة في الغلاف الجوي وأهمها غاز الميثان، غاز طبيعي.
ونشرت مجلة ''إيكاروس'' بحثا لكيفين زاهنل، عالم الكواكب في مركز إيمز للبحوث في كاليفورنيا التابع لوكالة ناسا، واثنين من زملائه، أورد وجهات النظر تلك باستفاضة تامة. وهذا البحث لا يمثل القول الفصل في هذا الموضوع، ولكن الحجج التي يسوقها قوية وتراوح بين التفاصيل الطيفية وإعطاء نظرة من كثب على مدى صعوبة التوفيق بين البيانات المتعلقة بغاز الميثان وما هو معروف عن كوكب المريخ ككل.
أحد الأشياء التي يتفق عليها الجميع بشأن غاز الميثان على كوكب المريخ هو ضرورة أن يكون قصير العمر. فعلى الرغم من احتواء المريخ أكسجينا قليلا نسبيا في غلافه الجوي (لا يتجاوز 0.13 في المائة من إجمالي هذا الغلاف)، فإن ذلك الغلاف الجوي يوفر -مع ذلك- ما يسميه الكيميائيون القوة المؤكسِدة التي تمنحه القدرة على تكسير جزيئات الميثان. وبناء على الملاحظات الرصدية للغلاف الجوي للأرض والتجارب التي أجريت في المختبرات، نجد أن العمر المتوقع لغاز الميثان المريخي هو 300 عام فقط، وهذا أحد الأسباب التي جعلت الناس ينظرون إلى الميثان كاكتشاف مثير. وإذا كان غاز الميثان يزداد ويتناقص موسميا، فلا بد أن يتساوى عمره مع طول الموسم، بمعنى أن يكون عمره عدة أشهر لا عدة قرون.
لقد قُدمت اقتراحات عديدة بشأن مدى إمكانية ذلك، حيث يمكن، على سبيل المثال، أن تكون هناك عوامل محفزة من نوع خاص في التربة ربما نشأت من خلال الكهرباء الساكنة التي حرضتها الحوّامات الغبارية. ويجادل الدكتور زاهنل وزميلاه بأن هذه الأفكار تحوّل المسؤولية السببية من شيء إلى آخر فحسب. فمهما كان الشيء الذي يؤكسد غاز الميثان فإنه نفسه سيُستهلك في هذه العملية، وبالتالي يتعيّن سد النقص الذي يعتريه، وسوف يحتاج الكوكب -من أجل أكسدة غاز الميثان بمعدل مرتفع- إلى صنع كيماويات مؤكسِدة جديدة بهذا المعدل المرتفع نفسه، ولا توجد أدلة على أن الكوكب يقوم بهذا فعلا، أما الطريقة المعروفة التي تُضاف بها القوة المؤكسِدة إلى الغلاف الجوي لكوكب المريخ فهي من خلال تدمير جزيئات الماء بواسطة الأشعة فوق البنفسجية، حيث ينتج عن هذه العملية الهيدروجين والأكسجين، وإذا ترك هذان العنصران لحالهما فإنهما سيعاودان الاتحاد من دون أن ينتج عن هذا الاتحاد تغيّر صافٍ. غير أن بعضا من الهيدروجين يتسرب من الغلاف الجوي إلى الفضاء تاركا الأكسجين -وهو المؤكسِد النموذجيّ- وراءه، على الرغم من كون هذه العملية تحدث ببطء شديد جدا على نحو لا يمكّنها من تعليل الانخفاضات المفاجئة التي نراها في مستوى الميثان، ويتطلب تفسير هذه الانخفاضات طرقا جديدة لإنتاج قوة مؤكسِدة لا تفعل شيئا لتغيير ميزان المواد الكيميائية الأخرى في الغلاف الجوي، وهو ما يبدو تحديا صعبا.
ثمة أشياء أخرى ربما يكون الميثان عرضة لها. فمن الممكن أن يتم تخزينه على أسطح المعادن، أو احتجازه في ثلوج دخيلة، أو حتى التهامه من قِبل عدد أكبر من الكائنات المجهرية، ولكن كل هذه الأطروحات لا تتفق كذلك مع الصورة الكبيرة. فالمريخ يحتوي غاز الزينون في غلافه الجوي، وهذا الزينون تشبه ذراته جزيئات الميثان بدرجة تكفي لأنْ تقوم أي عملية فيزيائية تحتجز الميثان باحتجاز الزينون أيضا، ولكن الزينون موجود، وهو متحرر من كل القيود. أما بالنسبة للكائنات المجهرية المستهلكة للميثان، فإن إلقاء نظرة على الكوكب ككل من جديد يستبعد فيما يبدو هذه الإمكانية. فأول أكسيد الكربون يوفر لهذه الميكروبات الجائعة، طاقة أكبر بكثير لكل جزيء مما يوفره الميثان. دأب كارل ساجان العالم الذي كرّس نفسه لدراسة كوكب المريخ وكان ذات يوم – للمصادفة- محررا لمجلة إيكاروس، على القول إن الادعاءات غير العادية تحتاج إلى براهين غير عادية. والدكتور زاهنل وزميلاه يؤكدون أن مستوى الميثان سريع التقلب ادعاء غير عادي، بل إنه ادعاء غير عادي بدرجة أكبر مما يتصوره الناس على نطاق واسع، وهذا يمارس ضغطا على البرهان ربما لا يكون قادرا على تحمله.

الأكثر قراءة