الموظف.. الغني
(1)
يحلم كبار الموظفين بالغنى والثروة وهو حلم مشروع، ذلكم أن هؤلاء بناة التميز بالحياة الذي أخشى إن لم يشبعوا مادياً ومعنوياً سيصابون بالإحباط ما يؤثر سلباً في موظفيهم ومخرجاتنا الوطنية بالقطاعين العام والخاص أو أن يتعدوا ظلماً بالإفساد. لكن في المقابل يتحمل هؤلاء مسؤولية أكبر فالذي حقق نجاحاً والنجاح ملة واحدة قادر على صناعة الغنى لنفسه بالطرق المشروعة فالموظف في المراتب العليا يمكن أن يصبح غنياً باتباع خريطة الطريق.
يعرّف الموظف: ''كل عمل أو منفعة يؤديها الإنسان مقابل أجر يستحقه سواء أكان عملاً يدوياً أو ذهنياً أو إدارياً أو فنياً'' ويعرّف الغني: ''تراكم فائض مال الإنسان بعد إنفاقه على حاجاته الضرورية والتحسينية والكمالية'' ويمكن تقسيم الموظفين بحسب معارفهم ومهاراتهم وتجربتهم إلى ثلاث شرائح:
1) الموظف الضعيف.
2) الموظف المتوسط.
3) الموظف القوي.
والمنظمات الإدارية من عامة وخاصة وكذلك الدول يقاس مدى تقدمها وتأخرها بنسبه تشكيل كل شريحة ''الوزن النسبي'' في إجمالي قوة العمل وعادة يكون متوسط نسبة الموظفين الضعاف بين (10 % ـــ 20 %) ومتوسط نسبة الموظفين المتوسطين (50 % ـــ 60 %) ومتوسط نسبة الموظفين الأقوياء بين (10 % ـــ 20 %).
إن تلك النسب تقديرية ولا يمكن إطلاقها على بعض الأنشطة التي لا تحتمل الضعف البتة كأمن المطارات أو المنشأة النفطية بينما تحتملها بعض أنشطة الاقتصاد الاجتماعي التي وظيفتها التشغيل الوطني للعمالة المحلية كالقطاعات الحكومية أو المؤسسات غير الربحية مع الحفاظ على شرط الحد الأدنى للجودة وسقف لنسبة تلك الشريحة في إجمالي قوة العمل. وأقترح بهذا الصدد استخدام النظام الشامل للتقييم ''Aprisle Assmente'' لمعرفة شرائح الموظفين باستخدام المقابلات الشخصية المبدئية والمتقدمة واختبارات التحليل المهنية ''Suqmatric Assmente'' وتقارير المديرين وقياس رضا العملاء أو المراجعين ودراسة الشكاوى ومقارنة الأداء بمهام الوظيفة لغرض تقسيم الموظفين إلى الشرائح المذكورة وستكتشف عندها أن بعض شريحة الضعفاء جاء ضعفه من وضعه بالمكان الخطأ كما أن بعض المتوسطين لم تتح لهم الفرصة لإبراز معارفهم ومهاراتهم المتقدمة بسبب مديرهم السيئ الذي تحدثت عنه بمقالتي: ''عشر نصائح كي تصبح مديراً خائباً'' وعليه عند التقييم تأكد من أثر العوامل الخارجية التي تؤثر في أداء الموظف الخاضع للتقييم.
(2)
الموظف الغني المحتمل هو موظف قوي يملك معارف ومهارات وممارسة مهنية جعلته يحتل وظيفة قيادية مرموقة ذات تأثير معين ويمكن تقسيم تلك الشريحة إلى ثلاثة أصناف:
1) الموظف القوي ''الرئيس'' الذي يتميز بالكفاءة فيؤدي الأعمال بطريقة صحيحة، قليل الأخطاء، ذو مرجعية في النظم والتعاميم والإجراءات السابقة، ملتزم بالمهام الموكلة إليه، وقادر على إدارة مجموعة من العاملين ولديه طموح قيادي محدود عبر التّرقي التدريجي.
2) الموظف القوي ''المدير'' الذي يتميز بالفعالية فيؤدي ''الأهداف'' الأعمال الصحيحة، يخطئ أحياناً وليس بذي مرجعية في النظم والتعاميم ولا يعبأ بالإجراءات لكنه ملتزم بالأهداف الكبيرة وقادر على اختيار وتعيين وتحفيز وقيادة الرؤساء ذوي الكفاءة من حوله.
3) الموظف القوي ''القائد'' الذي يتميز بالقرارات الاستراتيجية وقادر إلى حد كبير في تحليل نقاط الضعف والقوة والتهديدات ''المنافسة'' وخلق الفرص ووضعها في ''رؤية'' طموحة وممكنة ويستقطب ويحفز ويقود المديرين الفعالين نحو تلك الرؤية التي تحمل الأفكار الابتكارية والطرق والمنتجات والخدمات الجديدة.
(3)
عزيزي القارئ.. أنت واحد من ثلاثة فإما تكون موظفاً ضعيفاً وكان ضعفك بسبب خارجي فعليك مغادرة مكانك الوظيفي فوراً إلى مكان أفضل وإن كان ضعفك ذاتيا فعليك أن تقرأ مقالتي ''عشرون سلاحاً للقتل'' وقد تناولت فيها وسائل مكافحة الفقر وغيرها ضع لك هدفاً معقولاً بالانتقال لشريحة المتوسطين.
إن كنت موظفاً متوسطاً فنجاحك يقاس بأمرين هما: ثابر لشراء منزل أو شقة قبل أن تموت كي تطمئن على ذريتك وسوف أتناول الموضوع بالتفصيل في مقالة ''أريد بيتاً'' ثم حافظ على رأسك بالسلامة من الديون ويمكنك قراءة مقالتي ''ست وسائل لمعالجة الدين الشخصي''.
وإن استطعت أن تصبح موظفاً قوياً ''رئيساً'' فافعل.
إن كنت موظفاً متقدماً ''رئيساً'' فحاول أن تصبح موظفاً قوياً ''مديراً'' أما انتماء الموظف المدير أو القائد فمن المحتمل أن تصبحا أغنياء والمقالة صنعت من أجلكما ''الموظف الغني''.
(4)
إليكم أيها الأغنياء المحتملون خريطة طريق ''نصائح'' لا ينقصها سوى التوفيق وهي:
1) أمسك بالعمق: عليك أن تنقب لاكتشاف عقلك اللاواعي المختزن لقيمك الشخصية وعواطفك ومشاعرك التاريخية وكذلك طريقته الممنهجة في تقدير الخير والشر والصواب والخطأ أي أن تفهم ذاتك الحقيقية من الداخل وهذا التأمل يحتاج إلى عزلة وحوار هادئ عبر فترة زمنية تراوح بين ستة أشهر واثني عشر شهراً تطرح الأسئلة الصادقة المرة تلو المرة للحصول على إجابة هي من أنا . ؟ .. إن الإجابة ستتأثر بمدى شفافيتك وصدقك وإصرارك متحرراً من وهم القوة أو وهم الضعف.
2) الاكتشاف: إن إمساكك بحبال عقلك اللاواعي سيمكنك من نجاحك في قيادة نفسك وإذا قدت نفسك فستنجح في قيادة والتأثير في غيرك وعليه فإنك كلما شعرت بعجزك عن قيادة الآخرين والتأثير فيهم فعليك العودة لنفسك من جديد باحثاً عن الإجابة الجديدة.
بمعنى آخر، فإن الإجابة عن السؤال الكبير متغيرة بين حين وآخر حيث تختلف دورة التغيير من شخص لآخر ولكنها في الجملة تراوح بين أربع وست سنوات.
إن اكتشاف الإجابة سيعطيك أمرين؟ أولهما قيمتك المضافة التي تعبّر بصدق عنك الذي أسميه بنطاق التفوق أو الامتياز والآخر شعورك بأنك مختلف، أي أن تكون مختلفاً عن نفسك قبل اكتشاف الإجابة وكذلك مختلفاً عن الآخرين من أقرانك. إن الاكتشاف سيحقق لك السلام والصفاء الداخلي وسيبعث في نفسك القلق حول المستقبل الجديد.
3) الرؤية: اصنع من قيمتك المضافة أي من نطاق التفوق والامتياز؛ رؤية ترى فيها ملامح شكلك في المستقبل. إن هذه الرؤية تعبر عن تمركزك أي خياراتك الحقيقية النابعة من الذات العميقة التي ستبعث في نفسك الثقة ومهما تعرضت لإغراءات مادية أو معنوية لإزاحتك عن تلك الخيارات فلن تقبل بها أي أنها ستصبح ''المرجعية'' وعندها سترفض كل ما لا يؤدي إلى تحقيق حلمك ''الرؤية'' وستقبل كل ما يؤدي إلى تحقيق قيمتك المضافة وكل ذلك أسميه: ''الهوية''.
4) الاحتراف: أعني به المهنية العالية المتأتية من التعليم النوعي والبرامج التدريبية التطبيقية والقراءة الواعية المنظمة والمراقبة اللصيقة للشخصيات القريبة لهويتك أو قيمتك المضافة وكل هذا وذاك سيمكنك من تحويل قيمتك المضافة وأفكارها إلى برامج عمل تنفيذية وخريطة طريق أي لديك المهارة في تحويل الأفكار إلى منتجات وخدمات غير مسبوقة ذات عائد ممكن وشبكة من العلاقات المهنية وهذه العلامة الفارقة هي نطاق التفوق وأطلق عليك في هذه المرحلة ''عقل المقاول'' لا ''عقل الموظف الكبير'' الذي سيستفيد من سيستعين به كمستشار أو وسيط وأسميه: ''الراعي''.
5) الراعي: استهدف خمس شخصيات غنية وخمسا أخرى ثانوية وذلك نحو بناء علاقة عمل وصداقة شرطها الأساس ''الثقة'' و''الصدق'' و''الصبر'' فعادة الأغنياء: الحذر، والغلبة، أي أن يأخذ أكثر مما يقدم وعليك أن تراعي ذلك. بعض السائرين في درب الغنى يفقد البوصلة فيحتويه ''الراعي'' وتختفي هويته في مقابل مكاسب آنية صغيرة أو مكاسب موعودة وموهومة في المستقبل.
6) العزلة: أثناء طريقك لبناء الثروة عليك بالتركيز على الرؤية التي صنعتها لنفسك وذلك بأن تترك ما لا يعنيك وكن امرأ ذا تحد داخلي مع ذاتك ولا تشغل نفسك بالآخرين ومنافسيك فالنجاح الحقيقي هو قدرتك على تحقيق أهدافك التي وضعت فهو الإشباع الصادق.
7) الأمل: عليك أن تتوقع الأفضل دائماً فتحسن الظن بالله ثم بنفسك الأصيلة وتعلم أن القلة من الناس من وفق في الإمساك بتلابيب عقله اللاواعي وأن من يمسك ويصنع رؤية فإن تحققها مسألة زمن وحسب بإذن الله.. إذا أحبطت فلا بأس، ولكن عاود صناعة الفأل الحسن وتعزيزه واسترح استراحة المحارب بين فينة وأخرى كي تسن منشارك وتستعيد همتك.
8) الخيلاء: إنها مشية يكرهها الله ولكن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ امتدحها في الحرب وعليه فلا بأس أن تعلن عن ذاتك بأسلوب لبق وتصنع الانطباع الإيجابي المقصود كي يعرفك الناس والعمل ويفخر بك الراعي وإياك أن تصطدم مع أحد البتة حينها وإذا فرضت عليك المواجهة فواجه بعنف ولا تتراجع في منتصف الطريق.
9) الرجل الثالث: إن حاولت أن تكون الأول فستكون رأساً والرأس كثير الأذى وإن حاولت أن تكون الثاني فغالباً الأول يهمش الثاني خوفاً منه لأن الثاني يطمح دائماً لأن يكون الأول ولذا المكان الذي يلبي الطموحات العاقلة وقليل من الناس يتنافس عليه هو الثالث. صحيح أن عائده أقل لكن الوصول له ممكن جداً. كما أن الأول والثاني سيتسابقان على كسبك.
10) الغنيمة: إن الخطوات التسع السابقة سوف تبرز لك الفرص في الوقت المناسب إما من عملك الحالي حين تطالب بنسبه من الأرباح أو عمولة على الإيرادات أو أن تقوم بالوساطة العقارية أو المالية أو غيرها للراعي أو أن يقترح عليك الراعي شراكة تجارية عندها تكون حققت الثروة باستخدام قيمتك المضافة أو أن تكرر نجاحك الوظيفي بنجاح آخر بمشروع مستقل تقنع به بعض المستثمرين.
(5)
بعد تحقيقك الغنيمة عليك أن تقوم بخطوات تالية لها ومنها:
1) أخلاقيات النجاح: أثناء مسيرتك باتجاه الثروة عليك أن تحب ما تفعل وغالباً سيكون كذلك لأنه نابع من عقلك العاطفي كما عليك أن تكون سخياً ولا سيما مع والديك وأقاربك فبعضهم بعد تحقيق النجاح ينكفئ على نفسه مسيطراً عليه ''عقل القلة'' لا ''عقل الوفرة''. إن الحياة التي خلقها الله الغني خيرها وافر، تستوعبك وتستوعب مليارا من شكلك فكن جواداً ومن الأخلاقيات أن تحافظ على سمعتك وانضباطك واحذر ''Short Cut'' أي الطريق المختصرة فستمتحن بالرشوة التي قد تظن أنها تقفز بك وهذا حق ولكن ستدفع ثمنها معيشة ضنكا وقد تحشر يوم القيامة أعمى.
2) لا تنس: أن الغنى مجلبة للقوة، فهي تعطي المرء شجاعة في الحق والباطل ومن الباطل أن يستغني المرء عن عفو الله وستره قال تعالى: (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى(8)) سورة العلق.
إن الموظف القوي كمدير أو قائد، هما أغنياء محتملون عليهما أن يسلكا تسع خطوات للحصول على الثروة ثم يلحقهما بخطوتين كي تدوم، أما غيرهما من الموظفين فعليهم وضع أهداف معقولة تناسب إمكاناتهم ويسعى للانتقال من شريحة إلى أخرى خطوة بخطوة.
أيها السعوديون.. سنة خير علينا وعليكم وفالكم الغنى والثروة.