الخروج من الأزمة المالية العالمية في الدول الصناعية
صدرت البيانات الأمريكية للتوظيف بأقل مما كان متوقعا في الأسواق ليبلغ معدل البطالة 9.4 في المائة مقارنة بـ 9.9 في المائة قبل سنة، وكانت الأسواق تتوقع تحسنا وبداية تعاف للاقتصاد الأمريكي وانخفاضا للبطالة أكبر مما تحقق في نهاية السنة. كما كان يتوقع البنك المركزي الأمريكي أن يتعافى الاقتصاد الأمريكي ويبدأ مرحلة الانتعاش من خلال الاعتماد على نمو الطلب الاستهلاكي والاستثماري, ما يقلل الاعتماد على الدعم الحكومي والتسهيل المالي الذي تبناه البنك المركزي. وفي الجانب الآخر تعاني منطقة اليورو الديون وتأثير ذلك في نمو المنطقة. إن تفاقم مشكلة الديون السيادية وتأثيرها في معدل النمو في منطقة اليورو وتأثير ذلك في ثقة المستهلكين وتزايد عدم الإحساس بالأمان في منطقة اليورو يضغط على الحكومات للاستمرار في دفع عجلة النمو الاقتصادي من خلال الإنفاق الحكومي المعتمد على الديون، الذي يشكل مسكنا للأزمة وليس علاجا حقيقيا.
ومع تفاقم مشكلة الديون في أوروبا وتأثير ذلك في نسبة الديون المسموح بها حسب اتفاقية ماستريخت, التي بلغت في المتوسط 90 في المائة من الناتج المحلي مقارنة بالدين المسموح به حسب الاتفاقية, الذي يجب ألا يتجاوز 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، دعت دول أوروبا إلى توقف تنشيط الاقتصاد من خلال الإنفاق الحكومي المعتمد على الديون على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحفيز الإنفاق الخاص, خاصة العائلي، وبالأمل نفسه يعيش ''المركزي الأمريكي'' كما جاء على لسان برنانكي، رئيس البنك المركزي الأمريكي، في توقعه تحقيق نمو معتمد على الإنفاق الخاص. لكن مع استمرار هزال الاقتصادات الغربية في خلق وظائف وتوجهات الاستثمارات الخاصة للدول النامية, خاصة في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، فإن المتوقع كما تم بسطه في مقالة سابقة تحقيق نمو أعلى في الدول النامية خلال المرحلة المقبلة وتباطؤ النمو في الدول الصناعية في الدول الصناعية.
منذ بداية الأزمة والمسؤولون في الدول الصناعية في أوروبا وأمريكا والمنظمات الدولية تتوقع أن تخرج هذه الدول من الأزمة بنهاية 2009 لخلق ثقة بتلك الاقتصادات وتشجيع المستثمرين والمستهلكين على الإنفاق في الداخل، بينما جميع المعطيات الاقتصادية في ذلك الوقت تشير إلى استمرار الأزمة المالية في هذه الدول لأكثر من ثلاث سنوات. بل اتجهت بعض الدراسات إلى اعتبار أن الكساد الذي ضرب الدول الصناعية قد يستمر فترة أطول على غرار ما حدث في اليابان, الذي تعارف عليه بالعقد الضائع في الاقتصاد الياباني. ولأن الأزمة المالية الحالية هي نتاج خلل هيكلي في الاقتصاد العالمي أكثر من مجرد دورات اقتصادية، فإن التصحيح الوقتي من خلال الإنفاق لن يعالج الأزمة وقد يخلق أزمة أخرى يصعب الخروج منها. والأسواق دائما تتفاعل مع الأحداث, والمستثمرون في العرف الاقتصادي في مجموعهم عقلاء وإجمالي تنبؤاتهم, خاصة في الدول التي يتوافر لهم قدر من المعلومات أقرب إلى الصواب. لذا في استفتاء تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر أفادت أغلبية المستثمرين بأن خطتهم الاستثمارية في المرحلة المقبلة تستهدف الدول النامية, خاصة التي لديها مقومات نمو اقتصادي وتتمتع بأنظمة وقوانين تحمي المستثمرين.
من البيانات الاقتصادية المتاحة فإن المتوقع أن تستمر معاناة الدول الصناعية في تحقيق نمو اقتصادي خلال المرحلة المقبلة وستعتمد أكثر على الإنفاق الحكومي والتسهيلات الكمية, ما يضعف عملاتها ويزيد تفاقم المشكلة. ولأن هناك سيولة ضخمة في الاقتصاد العالمي تبحث عن عوائد مجزية مقارنة بالعوائد المنخفضة جدا في الاقتصادات الغربية، فإن هذه السيولة ستتجه إلى الدول النامية, التي لديها مقومات نمو اقتصادي مدفوع بالطلب في هذه الدول, مما يضغط على أسعار الأصول في هذه الدول والمستوى العام للأسعار للارتفاع أكثر من اللازم.