التسول بالأطفال .. احتراف الجريمة المزدوجة

التسول بالأطفال .. احتراف الجريمة المزدوجة
التسول بالأطفال .. احتراف الجريمة المزدوجة

تتنوع الأشكال والطرق والوسائل، لكن النتيجة واحدة.. ظاهرة التسول في طرقاتنا باتت أمرا مقلقا، ومما يزيدها تفاقما استخدام بعض الأطفال في التسول في محاولة استدرار عواطف المجتمع الذي يحب الصدقة ويتوق لمساعدة المحتاج.

المخاوف لا تقتصر فقط على استخدام الأطفال، بل إنها تمتد إلى إمكانية بروز ظواهر وجرائم أخلاقية واقتصادية تحت غطاء التسول. الظاهرة التي لا تخفى على عين في حاجة إلى تحرك سريع للجهات المختصة وتفاعل من المجتمع، سواء كان ذلك بالدراسة أو البحث، بل الأهم هو تطوير وسائل المكافحة حتى تتكامل الجهود، بدلا من رمي المسؤولية من جهة إلى أخرى.

"الاقتصادية" تناقش هذه الظاهرة مع مختصين من المنطقة الشرقية كمثال حي على ما يحدث في بقية المناطق، وتستعرض تقريرا من أمن الرياض العاصمة، التي تعد مؤشرا على ما يحدث في المملكة؛ قياسا بضخامتها وتنوع سكانها، حيث تضم في جنباتها أكثر من ستة ملايين نسمة.

من وراء التسول؟

تؤكد دراسة اجتماعية للباحثة فاطمة مطاعن من كلية العلوم الاجتماعية في جامعة أم القرى, أن هذه الظاهرة لا تقف وراءها مصالح فردية، بل قد تكون هناك جهات تنظيم تقف وراء هذه الفئة المتسولة، وعلى الرغم من صعوبة التعرف على هذه الجهات، إلا أنه يجب المتابعة بجدية لمعرفتها، حيث إن للتسول أبعادا كثيرة منها ما هو جغرافي، واجتماعي، وأمني، إلا أن الخطورة تكمن في تضافر هذه الأبعاد بعضها مع بعض، حيث يلاحظ أن هناك قرائن كثيرة ارتبطت بالتسول، غير استجداء المال، كالجرائم، والاتجار في المخدرات وغيرهما من السلوكيات التي أضحت تقض مضجع الأمن.

وتشير فاطمة في دراستها إلى أن الأعداد تتضاعف حسب الإحصائيات الرسمية بشكل سنوي شكلت نسبة غير السعوديات 68 في المائة, ما ينذر بمشكلة حقيقية تتطلب سرعة إيجاد الحلول، وأن ارتفاع نسبة النساء المتسولات من غير السعوديات يشير إلى أن كثيرا منهن يقصدن المملكة لممارسة التسول بقصد التعيش والتكسب، ما يمثل خطرا على المجتمع يتطلب مضاعفة الجهد للحد من انتشار تلك الممارسات.

وحدد الاختصاصيون عدداً من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية للتسول، أبرزها انتشار النصب والاحتيال والسرقات، وتزوير المستندات، وانحراف صغار السن، وتشجيع بعض الأسر أفرادها على التسول، وانتشار ترويج المخدرات، مع دورها في رفع معدلات الجرائم الأخلاقية، وبروز ظاهرة خطف الأطفال والفتيات المتسولات, وبروز ظاهرة استئجار المنازل المهجورة في الأحياء القديمة، إضافة إلى الآثار الاقتصادية كتهريب الأموال للخارج، وتعطيل حركة الإنتاج.

تبليغ عن المتسولات

وقال الدكتور أحمد فاضل أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك فيصل في الأحساء إن تزايد المتسولات في المنطقة نتاج طبيعي للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في المواسم التي تشهد كثافة من الوافدين في موسمي الحج والعمرة ومناسبات أخرى, وقد تكون البطالة أيضا عاملا آخر لبروز المشكلة.

وبين أن أبرز المسببات لنشوء هذه الظاهرة المستويات التعليمية والمعيشية المتدنية لدى بعض الأسر المتسولة, منوها بخطورة هذا الأمر على نفسية النساء والأطفال أمام دفع رب الأسرة لهم بالتسول.

وقال إن عامل البطالة له دور كبير في تزايد هذه الظاهرة نظير المردود المالي الذي يجنيه المتسول, ما أسهم في نشوء عاطلين من فئة أخرى, إذا ما أضفنا أيضا العمالة الوافدة التي قد لا تتوافر لديها فرصة العمل لتنضم لقائمة البطالة, ورغم اجتهاد الجمعيات الخيرية، إلا أن هناك غيابا أو نقصا في وضع وتنفيذ آلية الخطط التي يمكن أن تسهم في معالجة القضية أو الحد منها, ويتساءل هل لدى الجمعيات الخيرية في الشرقية خطة فعلية خلافا لسياسة منح المساعدات المالية وضرورة أن تخصص للمتسولات بعد دراسة حالتهن فرص للعمل وتثقيفهن من خلال التدريب لرفع مستوياتهن التعليمية، ما يعزز وعيهن بخطورة التسول ونبذه والانخراط في أي مهنة توفر لهن لقمة العيش وتحفظ كرامتهن.

#2#

المقيمات يزاحمن

فيما يخص المقيمات اللاتي نزحن بشكل أو بآخر للمنطقة وبعض العمالة الوافدة التي امتهنت التسول، فلا يحق لهم التسول, وغالبا ما يكونون من العمالة الهاربة أو النازحة عبر الحدود يقصدون المملكة ليتكسبوا ويستغلوا فترات العمرة والتنقل من مكة إلى جميع المناطق الأخرى, مؤكدا أن المشكلة تعود إلى طبيعة وآلية التنظيم الخاص بالقطاعات المعنية, كما أن انتشار هذه الظاهرة يعود إلى أن هناك مردودا ماليا وعوائد مالية يظفر بها المتسولون يجعلهم يستمرون في ممارستها.

وأوضح أن هناك إشكالية تتركز في إمكانية نشوء شبكات منظمة تعتمد أسلوب حياة قائم على التسول وتوزيع عدد من الأطفال والنساء في مواقع متفرقة ومدروسة وكأنهم يتجهون لمواقع العمل, مبينا أن التسول دخل زمن الاحتراف ولم يعد تصرفا عرضيا, موضحا أن المتسولين وأغلبهم إناث قد يكن غير سعوديات استغللن الزي النسائي المتمثل في الحجاب لإخفاء هويتهن، وأحيانا يكونون رجالا تحت هذه العباءة لتستر أعمالهم.

وافدون يروجون الأمراض بالورد

كما تساءل عن دور مكافحة التسول إذا كانت تشاهد ما نشاهده يوميا, ولماذا لا توضع قوانين صارمة وتطلق برامج من خلال الجمعيات لمعالجة البطالة والفقر, وإشراك جميع أفراد المجتمع في المسؤولية الاجتماعية, الذين أسهم تعاطفهم مع المتسولات في تعزيز استمرارهن في التسول واستخدامهن كأداة اتجار, ويعيب الفاضل على المجتمع قائلا: ''المجتمع طرف رئيس، فهم لا يعون وهم يدفعون الصدقات أن التسول يصنف تحت بند الجريمة, وارتفاع المدخول المالي الذي يجنيه المتسول يفتح شهيته إلى الاستمرار وتحويله إلى عمل منظم''.

ويخشى الفاضل أن يحمل هذا الورد مواد خطرة على صحة الإنسان خاصة أنه لا توجد مهنة رسمية للباعة الجائلين, مقترحا تخصيص خط ساخن إلى جانب توعية المجتمع بضرورة التبليغ عن حالات التسول، وأن تكون هناك سرعة استجابة من قبل الجهات عند تلقي البلاغ, مشيرا إلى أن ضعف تفاعل المسؤولين تجاه البلاغات يجعل أفراد المجتمع يتعاملون ببرود مع هذه الظاهرة.

ولفت إلى أن تجاهل الجهات الأمنية للمتسولات اللاتي يظهرن أمام أعينهم عند تقاطع الإشارات عزز استمرارهن, وعلى أئمة المساجد أيضا أن يمنعوا تجمعهن حولها وتوعية المصلين بعدم التجاوب معهن.

نسأل الجهات عن وضعهن

كما قالت منى الشافعي الناشطة الحقوقية ومديرة العلاقات العامة في هيئة حقوق الإنسان في المنطقة الشرقية: ''التسول معضلة قد يعجز عن علاجها, فالجمعيات الخيرية لا تستطيع تقديم المساعدة لغير المستحقات أو غير السعوديات, مما يحول طالبات المساعدات إلى متسولات, كظاهرة منتشرة في المجتمع، ولا يمكن القضاء عليها تماما، لكن يمكن الحد منها بتوجيه أفراد المجتمع السعودي الذي يكون دافعهم الديني القوي جدا يغدق بالمساعدة ولا ينظر إلى مدى أحقية المتسول, في وقت تكشف فيه الحملات الأمنية عن تورط المتسولات اللاتي قد تستقطبها شبكات أخرى تدير أعمالا مخالفة للأنظمة، وقد تكون هذه المرأة المتسولة أحد الأفراد المساندة لتمويل جهات تستغل الصدقة لموارد غير شرعية كشراء المخدرات، لذا على أفراد المجتمع مواجهة هذه الظاهرة بتجاهل المتسولات, أو توجيههن إلى الجمعيات المعنية بالمساعدات, فالوعي الاجتماعي ضرورة بجانب تكاتف الجهات الحكومية والتوقف عن إلقاء اللوم أو إسقاط المسؤولية بين الجهات لمعالجة الظاهرة لإيجاد الحلول''.

وقالت الشافعي إن طبيعة المرأة جعلتها تستغل من بين أفراد أسرتها أحيانا لإقحامها بهذه الظاهرة لأنها تستطيع التنقل بسهولة وهي تختفي بحجابها بين إشارة وأخرى, كما أنها تجد تعاطفا أكبر من المجتمع, وكونها تستطيع أن تحجب هويتها فلا يمكن التعرف إليها بسهولة، ولذلك العائلة أو العصابات التي تدير مثل هذه الأعمال يستغلون ذلك.

وتشير الشافعي إلى أن هيئة حقوق الإنسان ليست معنية بالتصدي لظاهرة التسول أو الفقر وأن ذلك يقع ضمن اختصاص ''الشؤون الاجتماعية'' وجهات أخرى، ولكن للهيئة وجهة نظر أو تحرك مختلف من منطلق عملها الحقوقي وليس الاجتماعي, إنما لا يمكن أن تقف الهيئة أمام هذه الحالات الإنسانية, لذلك تأتي ضمن جملة من القضايا التي تندرج أو تصنف ضمن قضايا السكن أو البطالة والقضايا التنموية, والتي تركز على أساسيات الحياة الكريمة للإنسان.

معونات طارئة للمستحقات

من جهة أخرى، تدافع منيرة الحربي مديرة جمعية جود الخيرية النسائية في الدمام عن موقف الجمعيات الخيرية وتفند ما يقال عن كون الجمعيات الخيرية لا تقدم مساعدتها أو تحتوي النساء من المحتاجات، قائلة ''إذ كانت المتسولات يستحققن المساعدة فالجمعية توفرها وهناك مساعدات طارئة نمنحها لمن يطلب العون'', إلا أن دور الجمعية ينحصر على الأسر التي ترعاها الجمعية, وهذا النظام يعود إلى وزارة الشؤون الاجتماعية, ولا بد من دراسة الحالات التي تأتي لطلب المساعدات من الجمعية وانضمامها ضمن الأسر التي تعتني بها الجمعية كي تستمر عملية مساندة ومساعدة هذه الفئة من المتسولات وتوفير فرص عمل لهن, إلا أن أغلبية هؤلاء المتسولات أو طالبي المساعدات بمجرد أن نذكر أنه لا بد من دراسة حالاتهم والبحث الاجتماعي تخرج من الجمعية ولا تعود ولا نعرف لهم طريقا مما يبعث على كونهن نساء أو أسرا اتكاليين يعيشون على المساعدات ضمن إطار التسول وربما تدار من قبل شبكات أخرى تستغل المساعدات.

وتشدد الحربي على ضرورة إطلاق حملات توعية تثقف أفراد المجتمع للحد من تفاقم هذه الظاهرة ومنع التسول منعا باتا, وتجريم هذه الظاهرة التي قد تكون بوابة لجرائم أخلاقية, لأن عدد من اتخذه مهنة في تزايد.

وقالت إن ظاهرة استغلال المرأة في التسول ظاهرة سيئة وغير حضارية وتسيء للمجتمع كله, ولا بد من تحويل هذه المتسولات إلى الجهات الأمنية قبل تحويلهن إلى الجمعيات الخيرية للتأكد من أنهن لا ينتمين إلى عصابات تديرهن وتستغلهن.

عصابات تدير النساء

من جانبه، يحدد العميد بندر المخلف الناطق الأمني المكلف في شرطة المنطقة الشرقية مواقع انتشار المتسولات مع أعضاء اللجنة حيث يقومون من فترة إلى أخرى بحملاتهم، مبينا أن هذه الفئات تتركز في تقاطعات الشوارع أو المساجد وأمام البنوك والمستشفيات وفي أوقات صرف الرواتب تحديدا, وغالبا مكافحة التسول هي التي تقوم بتحديد مواعيد انطلاق هذه الحملات وتوقيت ساعاتها وأحياء محددة مشهورة.

وبرر وجود أو تزايد حالات التسول بكون ظاهرة التسول موجودة في كل المجتمعات ومعضلة أزلية, تعانيها المجتمعات كافة.

وفي الغالب المتسولون الضعفاء إن كان ضعفهم لفقر ولحاجة فهؤلاء تجوز عليهم الصدقة بأي شكل كان, أما إن كان تسولهم كمهنة فهؤلاء ضعفاء نفوس, ودور الشرطة في مواجهة هذه الظاهرة مع لجنة مكافحة التسول, وما زال عملها مستمرا ومرتبطا بالشؤون الاجتماعية.

وبين أن دور الشرطة يتمثل في قيامها بعمليات الضبط والقبض على المتسولين ومرافقة لجنة التسول التي تحقق في أمرهم وتسليمهم للجمعيات الخيرية وفي حال كشفت أنهم يمارسون التسول, فبالتالي يتم ضبطهم والتحقيق معهم وتحويلهم للقضاء لإيقاع العقوبات عليهم, سواء كانوا سعوديين أو سعوديات أو وافدات أو من المقيمات من مخالفات الأنظمة, بتهمة التضليل وعدم الحاجة وبتهمة التسول الذي يصنف ضمن جرائم النشل, وبعد تطبيق العقوبة يحال غير السعوديين لإدارة الوافدين في الجوازات ليتم ترحيلهم إلى بلدانهم.

واعترف بوجود الشبكات أو المجموعات التي تشكل فرقا تستخدم النساء فيها كمتسولات كونهن الفئة الأضعف ويستغلن عطف المجتمع, الذي قد يغيب عن أفراده أن التسول جريمة يعاقب عليها القانون وبوابة لجرائم أخرى.

وقال إن اتهام الشرطة بالإهمال لحظة مرور الدوريات الأمنية عند الإشارات المرورية وقت ظهور المتسولات ليس صحيحا فلا يمكن أن تتجاهل الدوريات الأمنية هذه المخالفات إلا أنه في بعض الأحيان تكون هذه الدورية التي شهدت موقع تسول النساء, مكلفة بمهام ومنتقلة إلى جريمة أكبر ما يجعلها تبعد عن عملية ملاحقة المتسولات, تتجاهلهن لطارئ, وقد تقوم بتبليغ مكافحة التسول وتبليغ الجهات المعنية أو عملية القبض عليهن بشكل منظم دون إحداث أي عشوائية.

مضاعفة العقوبة

أوضح المخلف أن العقوبة بعد التحقيق مع هذه الفئات في دائرة التسول, لمعرفة مدى حاجتهم ونقلهم للجهات المعالجة لقضية فقرهم أو مساعدتهم إذا كشف أن وراءهم عصابات أو منظمات يحولون إلى هيئة التحقيق والادعاء العام للوصول إلى هذه المنظمة أو من يديرها وتقديمهم للعدالة, وإن كانوا وافدين يحالون إلى دائرة الوافدين التي تقوم بعملها وترحيلهم عقب انتهاء العقوبة المقررة, ولو تكررت جريمة التسول حتى بعد وقوع العقوبة هذه مهمة القضاء الذي يقدر مضاعفة الجزاء, والمفترض أن تضاعف العقوبة، لكن هذا شأن القضاء ودور الشرطة محدد بالقبض والتحقيق، ويقترح أن يحالوا إلى دائرة صحية فأغلبهم مرضى نفسيون في الغالب وضعفاء نفوس, قد يحتاجون إلى علاج نفسي واجتماعي وليس علاجا اقتصاديا.

وحول حقيقة العمالة التي تبيع الورد والمياه عند الإشارات, قال ''هذه الممارسات موجودة في دول العالم وتختلف عن التسول إلا أنها في تلك الدول تحت تنظيم معين ودائرة موزعين بشكل رسمي ومرخص'', إلا أن المملكة لا تنتهج هذه السياسة من عمليات البيع, وفند إمكانية أن يحمل هذا الورد أو العطور التي يروجها العمالة مواد مخدرة, لكن عملية تنظيم وضبط هذه المخالفة أو تنظيمها تعود إلى وزارة التجارة, والقطاع الأمني يجد هذه الظاهرة غير مقبولة بأي شكل من الأشكال, لكن هناك دوائر أخرى معنية, فالشرطة ليس دورها تعقب هؤلاء، فهي تحت مسؤولية أمانة المنطقة وفروع وزارة التجارة وهي التي تتحمل رصد هذه المخالفات والمخالفين ومطاردتهم أو تعقبهم.

الأكثر قراءة