صناعة النقل الجوي في المملكة - المزايا والنواقص
يهدف هذا التقرير إلى إلقاء الضوء على واقع صناعة النقل الجوي في المملكة وتقييمها من حيث الفاعلية والأداء عطفا على البيئة التي تحتضنها متمثلة في مكانة السعودية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالمملكة، قلب العالم الإسلامي، تتشرف بخدمة ملايين الحجاج في أشهر معلومات، وملايين المعتمرين والزوار على مدار العام الغالبية العظمى منهم تأتي عبر شركات الطيران التي تنقلهم إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة والقليل منهم إلى مطار الأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة. كما تحتل المملكة مكانة متميزة في صناعة النفط والغاز والصناعات الأساسية والثانوية لهما، مما يعطي قيمة مضافة لمطارات قائمة وذات بنية تحتية جيدة كمطار الملك فهد الدولي ومطار يبنع. صناعة السياحة في المملكة لم تكن موجودة قبل سنوات معدودة، ولم تكن لها مؤسسة حكومية أو موازنات، أما الآن فالمؤشرات السنوية على ما يتم تدويره داخليا من إنفاق مالي خلال العطلات، تدل على أن صناعة السياحة أصبحت في دائرة الصناعات الكبرى في المملكة، وتستفيد صناعة النقل الجوي في المملكة استفادة مباشرة من صناعة السياحة، حيث يحدث دوما تشغيل بالحد الأقصى للخطوط العاملة في المملكة وتنعدم المقاعد الشاغرة لوجهات سياحية كمنطقة عسير ومنطقة مكة المكرمة والمنطقة الشرقية.
صناعة النقل الجوي من حيث الحجم والجودة لها مقاييس متفق عليها لدى المختصين في هذه الصناعة، فمقاييس الحجم تتطرق إلى عدد المسافرين في السنة بالنسبة للمطارات، حيث يحتل مطار أطلانطا الدولي في ولاية جورجيا المركز الأول بـ 70 مليون مسافر في السنة. علاقة النمو الاقتصادي في الدولة الحاضنة هو المؤثر الأول في هذه الصناعة ويتمثل ذلك في حصول مطار بكين الدولي على المركز الثاني عالميا بـ 60 مليون مسافر في السنة، مقصيا بذلك مطارات تربعت على المراكز الأولى لسنوات طويلة كمطار (أوهير) في مدينة شيكاغو. يأتي مطار دبي الدولي في المرتبة 14 عالميا، ومن المتوقع أن يدخل دائرة العشرة الكبار قريبا، حيث استطاع المطار استقطاب والتعامل مع 40 مليون مسافر حتى قبل نهاية هذا العام (2010). قياس فاعلية وجودة المطارات والخطوط الجوية وغيرها من قطاعات صناعة النقل الجوي، تقوم بإدارته جهات متفق عليها كجائزة (سكاي ـــ تراك) التي لديها مقاييس متعددة ومختلفة وتتخصص في مؤشرات متفرقة وذكية، منها جائرة المطار الأكثر نموا، أفضل مطار اقتصادي، أفضل سوق حرة، وحتى أفضل دورات المياه وتعدد الخدمات فيها. ولقد أسهمت هذه الجائزة في تطور صناعة النقل الجوي في العالم، حيث تتنافس المطارات والخطوط للظفر بأكثر عدد من تلك الجوائز.
الشرق الأوسط الأسرع نمواً
سجل الشرق الأوسط المرتبة الأولى عالميا في نسبة نمو حجم الحركة الجوية وفقا للتقرير السنوي الذي يعده (الاتحاد الدولي للنقل الجوي – الأياتا). فحجم الطلب على السفر الجوي ازداد بنسبة 18 في المائة متفوقا على مناطق أصبحت ساخنة كالصين، ويأتي ذلك نتيجة تنامي اقتصاد المنطقة والتوسع في بناء المطارات وزيادة أعداد طائرات الخطوط الجوية.
وتحتضن المنطقة عديدا من مشاريع تطوير المطارات وإنشاء مطارات جديدة تصل قيمتها مجتمعة إلى 100 مليار دولار، ففي هذه السنة تم تسلم وتشغيل الصالة (3) في مطار القاهرة الدولي التي تستطيع التعامل مع 22 مليون مسافر. التكلفة المتدنية لإنشاء الصالة الجديدة في مطار القاهرة مقارنة بطاقتها الاستيعابية العالية، يدل على التفاوت الكبير في موازنات إنشاء المطارات، حيث تلعب الهندسة القيمية دورا مهما في تقليل التكاليف مع الوفاء بمتطلبات الإنشاء الرئيسة. وعلى الرغم من الطاقة الاستيعابية الشاغرة في مطار القاهرة إذ إن حجم الحركة الجوية لا يتجاوز 15 مليون مسافر في السنة، إلا أنه يصنف الثاني على مستوى قارة إفريقيا بعد مطار جوهانسبرج الدولي في جنوب إفريقيا. وتعاني صناعة النقل الجوي في مصر من عامل الإدارة أكثر مما تعاني من نقص الموارد، إذا أن لديها مقومات كثيرة تتفوق على دول سبقتها كدبي على سبيل المثال. فمصر تمتلك مناطق جذب متعددة كالآثار والشواطئ، إلا أنها تعاني غياب الإدارة الحديثة وتفشي البيروقراطية والمحسوبية.
لا تحتاج صناعة النقل الجوي المصرية إلى الموارد بقدر ما تحتاج إلى بيئة إدارية خالية من البيروقراطية.
وفي قطر يجري العمل بوتيرة سريعة لإنجاز المرحلة الأولى من مطار الدوحة الدولي الجديد (نيو ـــ دوحة) الذي يبعد أربعة كيلومترات عن المطار الحالي والتي تقدر طاقة المرحلة الأولى بـ 25 مليون مسافر في السنة. ويتميز المطار الجديد بأنه ينتمي إلى المطارات ذات السبع نجوم، حيث يحتوي عديدا من الصالات التنفيذية الفاخرة ومراكز الأعمال وعديدا من الأسواق الحرة، إضافة إلى مراكز ترفيه وأعمال وفنادق ملحقة. وتنعم قطر بموارد ضخمة من الغاز الطبيعي تفوق كثيرا مصروفاتها نظرا لصغر الدولة جغرافيا وقلة عدد السكان، إلا أنها تتبنى خطة استثمار استراتيجية تتمثل في الاستحواذ على حصص في شركات دولية ذات مخاطر متدنية. ومع التوسع العالمي في إحلال الغاز بدلا من النفط في تطبيقات حياتية كثيرة، يتوقع أن تكون قطر عاصمة هذه الصناعة نظرا لكونها الثاني في الترتيب العالمي في مخزون الغاز. ولدى الخطوط القطرية خطة طموحة تتمثل في حجم أسطولها المتوقع خلال السنوات العشر المقبلة ودخولها في تنافس محموم مع كل من طيران الإمارات وطيران الاتحاد للهيمنة على طريق الحرير الجوي. طريق الحرير الجوي يتمثل كل من أبوظبي ودبي والدوحة محاور عالمية والاستفادة من موقعها التوسطي بين قارات العالم.
الدوحة وأبو ظبي ودبي على وجه الخصوص تمكنت من الاستفادة بجدارة من الخبرات العالمية، والذي نتطلع إلى أن يتحقق في السعودية، وما المكانة الدولية لمجموعة الإمارات – طيران الإمارات ومطار دبي الدولي ومطار آل مكتوم وورلد سنترال – إلا نتاج التخطيط والإدارة الاستراتيجية لتيم كلارك الذي كان من الفريق الأول الذي أنشأ طيران الإمارات بطائرة مستأجرة قبل 25 عاما فقط.
صناعة النقل الجوي في كل من أبوظبي ودبي والدوحة لا تزال تعتمد على العنصر الأجنبي اعتمادا شبه كلي، وهذا خلل خطير من الناحية الاستراتيجية، فسياسات التوطين تحتاج إلى إعادة هيكلة لتقليص الفجوة بين العنصر الأجنبي والعنصر المحلي في هذا القطاع الحيوي.
صناعة النقل الجوي في أبوظبي ودبي والدوحة تنمو بقوة وذات جودة عالمية، إلا أنها تحتاج إلى إعادة النظر في سياسات التوطين لتقليص الفجوة بين العنصر الوطني والعنصر الأجنبي.
المملكة بين الواقع والمأمول
أدى الارتفاع الكبير لأسعار النفط في السنوات الماضية إلى زيادة كبيرة للدخل في المملكة، وانعكس ذلك على الإنفاق الحكومي لعديد من مشاريع البنية التحتية. وكان لقطاع التعليم والصحة النصيب الأكبر من موازنات الدولة، حيث تم اعتماد العديد من الجامعات الجديدة. صناعة النقل الجوي في المملكة لم تكن بوتيرة القطاعات الأخرى في المملكة لأسباب كثيرة منها بطء الإجراءات الحكومية وعدم وجود نظرة استشرافية وخطط استراتيجية معتمدة للنهوض بهذا القطاع.
الخطة الاستشرافية المفترضة يجب أن تضع هذا القطاع في موقعه المناسب ضمن قطاعات الدولة كما هو عليه الحال في جميع دول العالم. فالطيران المدني اليوم ممثلا بقطبيه الرئيسين المطارات والخطوط يتجه نحو الخصخصة والانضمام تحت مظلة القطاع الخاص. وذلك يتطلب مرونة في الهيكل الأعلى لهيئة الطيران المدني التي هي في النهاية الجهة التنفيذية والتشريعية التي تحتضن هذا القطاع الحيوي.
وبرغم حجم الاقتصاد السعودي والرغبة الجامحة من قبل القطاع الخاص السعودي للاستثمار في إنشاء شركات نقل جوي جديدة أو الاستثمار في المطارات الجديدة أو الاستثمار في الصناعات الثانوية الكثيرة كمراكز صيانة الطائرات ومعاهد التعليم والتدريب. إلا أن البيروقراطية وغياب الشفافية أجبرت المستثمرين على اتخاذ من الدول المجاورة مواقع لها والعمل من هناك. ومن تلك الأمثلة شركة سعودية قدمت طلبا لإنشاء مركز صيانة للطائرات الخاصة في مطار الملك خالد الدولي، فلم يعط التجاوب المطلوب، واضطر إلى إقامة الشركة في مطار الثمامة، وهو مطار ناء لا يرقى أبدا لحجم الحركة التي لدى مطار الملك خالد التي بنى عليها المستثمر حسابات الجدوى الاقتصادية.
بيئة صناعة النقل الجوي في المملكة طاردة والدليل هجرة الشركات السعودية للدول المجاورة.
مركز صيانة كان مؤملا في مطار الملك خالد فانتهى به الحال في الثمامة!
ومن القطاعات الاستراتيجية في صناعة النقل الجوي قطاع التعليم والتدريب، حيث تتلقى أغلبية الخريجين تعليمهم وتدريبهم لمختلف تخصصات قطاع الطيران في الخارج. ويقدر حجم قطاع التدريب والتعليم في صناعة النقل الجوي بثلاثة مليارات ريال خلال السنوات الخمس المقبلة. ويأتي إعداد الطيارين والأطقم الجوية في مقدمة الفرص الاستثمارية، حيث من المتوقع أن تحتاج المملكة إلى أعداد كبيرة من الطيارين خاصة مع التوسع في إعداد الطائرات ومتطلبات الإحلال المستقبلية. وعلى الرغم من مساحة المملكة الكبيرة وصفاء أجوائها، إلا أن دولا مجاورة ذات عشر المساحة والموارد تمتلك عددا من مدارس الطيران وتتلقى اعتماد هيئة الطيران المدني السعودي. ولو تمت مقارنة عدد خريجي الطيران من معاهد تلك الدولة بما تم تخريجه من المعاهد السعودية لكانت مفارقة تدل على واقع توطين هذه الصناعة الاستراتيجية.
هناك شركات في الدول المجاورة قائمة على السوق السعودية ومنها مدارس الطيران.
تأتي ''الخطوط السعودية'' في مقدمة المشغلين الجويين في المملكة هذا عدا كونها الناقل الوطني وصاحبة التاريخ العريق في المنطقة. ''الخطوط السعودية'' لها تأريخ راسخ حيث تربعت لسنوات طويلة على عرش الخطوط العربية من حيث طاقتها التشغيلية وحجم أسطولها وجودة خدماتها. وتعاني ''الخطوط السعودية'' من عوائق رئيسة تحد من قدرتها التنافسية وأن تكون خطوطا تجارية بحتة قادرة على التحول إلى الملكية الخاصة. ومن أهم تلك العوائق الكادر البشري الذي يعاني من التضخم وقلة الجودة والإنتاجية والعمل بسلوكيات المؤسسات مقدمة الخدمة للزبون. كما تعاني ''الخطوط السعودية'' من ترهل أسطولها، حيث أدت ملكيتها الحكومية إلى عدم القدرة على اعتماد وتنفيذ إدارة فاعلة للأسطول تقوم بالتخلي عن الطائرات المتقادمة في وقت مبكر وإحلال طائرات جديدة تتلاءم مع المتطلبات التشغيلية.
المطارات في المملكة يتوافر لكثير منها بنية تحتية متكاملة خاصة المطارات الإقليمية، إلا أن كثيرا منها يعمل بعدد رحلات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في اليوم الواحد. قد يكون الطلب على السفر الجوي من تلك المطارات الصغيرة متدنيا وموسميا، ولكن الخطوط التي تعمل بمنهجية تجارية قادرة على اعتماد سياسات ترويج وتسويق.
المطارات الدولية الثلاث تعمل تحت إدارة مختصة في هيئة الطيران المدني، وهي تدرك أن جودة تلك المطارات ليست كما ينبغي أن تكون مقارنة بالموارد المتاحة لها. حجم الحركة الجوية في تلك المطارات متفاوت، فبينما ينعم مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة بحركة جوية تتنامى سنويا، إلا أن إمكانات المطار تظل غير قادرة على الوفاء بالحركة المتاحة لهذا المطار، حيث تأخر تطويره وبقي جامدا لثلاثة عقود من الزمن.
مطار الملك خالد الدولي في الرياض الذي سيحقق 14 مليون مسافر في السنة، لديه بنية تحتية لم تستغل خاصة الصالة (4) التي تنتظر مستثمرا يستطيع أن يؤهلها لتكون عالمية المواصفات. حجم الحركة الجوية في مطار الرياض لا يزال دون الرقم الطبيعي عطفا على مكانة الرياض كعاصمة ومركز أعمال عالمي.
المطار الأكثر إيلاما هو مطار الملك فهد الدولي الذي يعاني من هجرة المسافرين وشركات الخطوط إلى مطار البحرين الدولي المجاور. بيانات حجم الحركة الجوية في مطار الدمام خلال السنوات الماضية يدل على حجم المشكلة، حيث يتعامل المطار مع أربعة ملايين مسافر في السنة فقط.
متخصص في شؤون الطيران وأستاذ الطيران المساعد في كلية الملك فيصل الجوية