دعوة لإنشاء جهاز مركزي أعلى لتطوير خطة استراتيجية شاملة للمشاريع في السعودية

دعوة لإنشاء جهاز مركزي أعلى لتطوير خطة استراتيجية شاملة للمشاريع في السعودية
دعوة لإنشاء جهاز مركزي أعلى لتطوير خطة استراتيجية شاملة للمشاريع في السعودية
دعوة لإنشاء جهاز مركزي أعلى لتطوير خطة استراتيجية شاملة للمشاريع في السعودية

وأوضح الدكتور سليمان بن علي العريني، الخبير في التخطيط الاستراتيجي للمشاريع، أنه قبل الشروع في أي مشروع، لا بد من وضع خطة استراتيجية شاملة تغطي وبمنهجية تكاملية جميع النشاطات للمنظمة.
وأشار العريني إلى أنه من دون خطة استراتيجية فإن الشروع في تنفيذ مشاريع رأسمالية أو تشغيلية وتخصيص وصرف مبالغ مالية تكلف الدولة مبالغ طائلة قد تصل إلى مئات المليارات وتخصيص موارد بشرية محلية وأجنبية على هذه المشاريع والفترات الزمنية التي يتم العمل فيها على المشروع، كلها تمثل خسائر وهدرا ماليا غير مبرر.

#3#

ترسخ العمل الفردي
وأفاد العريني بأن العمل على مشاريع في ظل عدم الاعتماد على خطة استراتيجية شاملة حتما سيرسخ العمل الفردي والعمل في جزر منعزلة وتكرار المشاريع وإخفاقها، والأهم عدم الاستفادة من فرص التطوير والنجاح؛ كونها فرصا لا تتكرر في حياة الأمم.
وقال العريني: ''عند النظر في عدد من التجارب الدولية الناجحة مثل تجربة سنغافورة في تأسيس المدن الاقتصادية، نلاحظ أن نجاح هذه الدول كان نتيجة تطوير خطة استراتيجية شاملة وتنفيذها بشكل صحيح مع مراقبتها ومتابعتها بشكل مستمر من خلال مؤشرات أداء واضحة ودقيقة''. وتابع: ''إن هذه النجاحات تغري وتشجع دول أخرى ومنها المملكة باتباع المنهجية والأسلوب كليهما للحصول على نتائج مماثلة''.
وأضاف: ''في الخطة الاستراتيجية، ينبغي تطوير رؤية موحدة تمثل توجه المنظمة في المستقبل وتركيزها مثل: ''رفع مستوى ورفاهية المواطن''، كما ينبغي تطوير خطة استراتيجية شاملة يتم فيها تحديد الأهداف الاستراتيجية التي ينبغي تحققها وتطوير البرامج اللازمة، التي من خلالها يمكن تحقيق الأهداف الاستراتيجية، ومن ثم تحديد وتعريف المشاريع داخل كل برنامج، مع تحديد البرنامج الزمني الكامل لتحقيق الخطة الاستراتيجية، عادة من خمس إلى عشر سنوات، والبرنامج الزمني المطلوب لتنفيذ كل برنامج''.

مؤشرات لتقييم أداء
كما ينبغي تحديد الميزانيات المطلوبة لتحقيق الخطة الاستراتيجية ككل والميزانيات الخاصة بالبرامج والمشاريع بشكل تفصيلي، وينبغي التحذير إلى أنه من السهل تطوير رؤية وخطة استراتيجية وبرامج ومشاريع، لكنه من الصعب جدا تنفيذ الخطة الاستراتيجية والبرامج والمشاريع بالشكل المخطط له، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب تطوير الآليات والأدوات التي تكفل تحقيق الاستراتيجية بالشكل الفاعل والصحيح، التي من أهمها:
1. إنشاء مؤشرات تقييم أداء توضح مدى تمشي تنفيذ المشاريع والبرامج مع ما خطط له، وتقيس معدل العائد على الاستثمار، وتوضح المخاطر التي تعترض المشروع في وقت مبكر؛ لكي يتم اتخاذ القرارات المناسبة، مثل إجراء تغيير في مسار المشروع أو إيقاف المشروع في حالة وجود مخاطر تتعلق بعد إمكانية تحقق الخطة الاستراتيجية، قرار إيقاف حكيم وعاقل ومطلوب لإيقاف استمرار النزيف المالي والمادي والزمني في المشروع.
2. إنشاء لجنة عليا من جميع الجهات المالكة للمشروع مهمتها الأولى الإشراف على سير وأداء المشروع، على تكون مسؤولة ولها الصلاحية بالكامل في اتخاذ جميع القرارات التي من شأنها المحافظة وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للخطة الاستراتيجية.
3. إنشاء مكتب أو جهاز مركزي في الدولة لإدارة ومتابعة المشاريع (Project Management Office - PMO)، تكون مهمته الأساسية متابعة جودة وأداء المشاريع والتأكد من سير وجودة المشاريع أولا بأول وتحقيق التكامل والتنسيق بينها، بدلا من استمرار المشروع أو المشاريع دون أي رقابة لنفاجأ بعدم نجاح المشروع أو تعثره، ولكن بعد فوات الأوان وخسارة أموال طائلة.
4. تحقيق أعلى قدر من الشفافية في المعلومات عن سير أداء البرامج والمشاريع بشكل دوري، بل فوري في ظل استخدام تقنيات متقدمة خاصة بإدارة المشاريع، دون أن يكون هناك انتقائية في نوعية المعلومات المعروضة أو حجب معلومات مهمة أو تأخير نشرها، كما يحصل في مشاريع كثيرة، فالمعلومة الناقصة أو المنتقاة أخطر من عدم وجود أو غياب المعلومة كليا عند اتخاذ قرارات استراتيجية.

#2#

ملاحظات تعوق المشاريع في السعودية
وفيما يتعلق بتقييم الوضع الحالي في منهجية تخطيط وتنفيذ المشاريع في السعودية، فقد حدد المهندس حمد اللحيدان، الخبير في إدارة المشاريع، خمس ملاحظات حول هذا الأمر، هي:
1. عدم وجود خطة استراتيجية شاملة، معتبرا أن عدم تنفيذ الخطة بمضمونها الشامل يعد مثله مثل عدم وجود خطة استراتيجية أصلا. وتقوم وزارة الاقتصاد والتخطيط بإعداد خطة تنمية لكل خمس سنوات، وصلت إلى تسع خطط حتى تاريخه، غطت أكثر من 45 سنة، من عام 1970-2015، يتم تطوير هذه الخطط من خلال البيانات التي تقدمها الجهات الحكومية المختلفة وبشكل مستقل، وتعكس رؤية كل جهة حكومية حول المشاريع المطلوبة التي تراها وتقترحها كل جهة.
2. طريقة إعداد الميزانية وتحديد المخصصات وميزانيات المشاريع تعتمد على التفاوض المباشر بين الجهات الحكومية ووزارة المالية، وبالتالي فإنه لا يوجد أي علاقة بين خطط التنمية وطريقة إعداد الميزانية.
3. تعمل كل جهة حكومية على تخطيط وتنفيذ مشاريعها بشكل مستقل، في ظل غياب التكامل والتنسيق المحكم بين المشاريع والجهات الحكومية، وهي نتيجة طبيعية لغياب خطة استراتيجية شاملة.
4. غياب مرجعية وجهة مسؤولة موحدة لمراقبة ومتابعة أداء وجودة المشاريع من النواحي الاستراتيجية والإدارية والفنية، حيث تعمل وزارة المالية على اعتماد الميزانيات للمشاريع وتمويلها، بينما يقوم ديوان المراقبة العامة بالمراجعة اللاحقة لمستندات الصرف عبر مراجعة ورقية مالية، غير أن سلامة وصحة الأوراق والمستندات لا يعني بالضرورة سلامة وصحة وجودة المشروع وتحقيقه الأهداف الاستراتيجية المخطط لها.
5. عدم وجود مؤشرات أداء وتحكم لمتابعة المشاريع على مدى العقود الأربعة السابقة، فلا يوجد هناك مؤشرات مثلا لما خطط له في مجال التعليم أو الصحة ومقارنتها بما يتم تحقيقها سنويا، فمثل هذه الآلية مغيبة تماما في الوضع الحالي لتخطيط وتنفيذ المشاريع.
وفيما يتعلق ببعض الرؤى والأهداف الاستراتيجية التي ينبغي وضعها للمملكة مثل: ''تنويع مصادر الدخل'' وتكرارها في خطط التنمية أكثر من مرة، تحدث المهندس اللحيدان بأنه عندما يتم تطوير رؤية مثل تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على البترول كمصدر أساسي للدخل في المملكة، فإنه ينبغي ترجمتها عمليا من خلال تطوير خطة استراتيجية شاملة وبرامج ومشاريع لتحقيق مثل هذه الرؤى والأهداف.

رؤى وأهداف لم تنجح
ولفت اللحيدان إلى أنه كان هناك مبادرات عدة لتحديد رؤى وأهداف استراتيجية للمملكة، لكنها لم تنجح ولا يمكن أن تنجح؛ وذلك لأسباب عدة، من أهمها:
1. تحديد هذه الرؤى والأهداف من جهات حكومية مختلفة وليس من جهة ومرجعية لجميع الجهات الحكومية مثل، فرضيا، المجلس الاقتصادي الأعلى. فليس من المقبول أن نعتمد على جهات مثل وزارة التجارة والصناعة، الهيئة العامة للاستثمار، هيئة المدن الصناعية، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وغيرها، على تحديد رؤى وأهداف المملكة.
2. عدم إتباع المنهجية العلمية والعملية والمتمثلة في تطوير خطة استراتيجية شاملة من قبل جهاز تخطيطي أعلى فوق مستوى الوزارات التنفيذية، جهاز يقوم بعمليات المراقبة والمتابعة لتنفيذ المشاريع والبرامج الضرورية لتحقيق الخطة الاستراتيجية من خلال تطوير وتنفيذ نظام شامل ودقيق لمؤشرات الأداء في المشاريع.
3. غياب الشفافية والتكامل والتنسيق بين الجهات الحكومية؛ مما يتسبب في تكرار المشاريع والتركيز على المدى القصير، كما أنه لو نظرنا لجميع المبادرات السابقة والحالية، نلاحظ ليس فقط غياب خطة استراتيجية شاملة.

أين المدن الاقتصادية؟
وذكر اللحيدان بعض الأمثلة على عدم وضوح الرؤية في بعض المشاريع، وهي: مشروع الخطة الاستراتيجية للصناعة الوطنية، والتي بدأت عام 2005، وتم اعتمادها من قبل مجلس الوزراء عام 2009، لكن لم يتم البدء في التنفيذ حتى تاريخه، وما زالت الصناعة في المملكة ضعيفة وتعتمد على العمالة الأجنبية كليا.
أيضا مشاريع المدن الاقتصادية، أربع مدن حتى تاريخه، والتي بدأت عام 2005، وحتى تاريخه لا يوجد أي بوادر أو مؤشرات لجاهزيتها وتشغيلها، بل إن الواقع العملي لهذه المدن يشير إلى أنه لم يتم البدء فعليا في تجهيز هذه المدن.
كما أن مشاريع البنية التحتية، التي تتضمن الطرق السريعة والشوارع وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء وتصريف السيول، والتي يعمل على تنفيذها وبشكل مستقل أكثر من ثماني جهات مختلفة، أسلوب ينتج عنه سوء التخطيط للمدن وإدارتها، مع ارتفاع تكاليف تنفيذ هذه المشاريع على الدولة، وكذلك ارتفاع تكاليف صيانة وتشغيل هذه المشاريع.

مشروع التعاملات الإلكترونية
وزاد قائلا: من أمثل المشاريع التي لم تتضح صورتها بعد مشروع التعاملات الإلكترونية والذي تم البدء فيه عام 2003، وكان مفترضا الانتهاء منه قبل عام 2010، ورغم أهميته الاستراتيجية للدولة في تسهيل تشغيل ومتابعة أعمال الدولة ورفع كفاءة العمل وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن، إلا أن المشروع لم يتم تنفيذه، دلالة واضحة لغياب العمل على مراقبة ومتابعة المشاريع الاستراتيجية من خلال جهاز أعلى ومستقل على مستوى الدولة ومن خلال نظام مؤشرات أداء دقيق يوضح أولا بأول أي مخاطر تواجه المشروع.
مشاريع قطاعات الصحة والتعليم والخدمات، والتي ما زال العمل على تطوير خطط لها وتنفيذها يتم من قبل جهات حكومية مختلفة دون وجود تكامل حقيقي بينها، إذ إن هناك جهات مختلفة عدة تعمل بشكل منعزل داخل القطاع الواحد، مثال قطاع التعليم، ممثلا بوزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم العالي، المؤسسة العامة للتعليم التقني والفني.

3 عوامل لجودة المشاريع
وأشار خبير إدارة المشاريع إلى أن جودة المشاريع تعتمد على ثلاثة عوامل، هي: نطاق العمل، الوقت، والتكلفة، فأي خلل في أحد أو بعض هذه العوامل قد يتسبب في انخفاض جودة المشروع، وعدم تحقيق بعض نطاق العمل أو نطاق العمل كليا يعني فشل المشروع، كما أن زيادة تكاليف المشروع عن التكلفة التقديرية والمقبولة يعني أيضا فشل المشروع وعدم تحقيقه الجودة المطلوبة، وهذا ما يلاحظ على عدد كبير من المشاريع في السعودية.

الأكثر قراءة