الميزانية.. تاريخية مرة أخرى وعودة إلى الفائض
بحمد الله أعلن أمس تفاصيل أكبر ميزانية في تاريخ المملكة العربية السعودية، وأصبحنا في كل عام نرى أرقاما تاريخية تفوق السنة التي قبلها، وجاء إعلان ميزانية الدولة للعام المالي المقبل 2011, وكذلك بيانات ميزانية 2010 لتؤكد أن عهد الرخاء والإصلاح الاقتصادي في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين ـــ قائد مسيرة الإصلاح الاقتصادي ـــ هو عهد القيادة الاقتصادية السعودية على جميع المستويات، وجاءت تفاصيل الميزانية حافلة بكثير من المؤشرات الاقتصادية المعنوية لتعبر عن ثبات الدولة واقتصادها في ظل ترنح الاقتصاد العالمي تحت وطأة الأزمة، وأتت الأرقام لتؤكد أننا بالفعل الدولة الأكثر أماناً اقتصاديا واستثماريا.
وتأتي الميزانية لتؤكد أن مشاركة المملكة في قمة العشرين هي نتيجة حتمية لثقلها الاقتصادي وإدارتها الحكيمة التي كانت وما زالت تعمل لتنعم المملكة في الرخاء، بينما يعاني الآخرون في الشدة.
ولا أبالغ إذا قلت إن الميزانية هي أهم رسالة عالمية لبث بعض الاطمئنان بأن الاقتصاد العالمي يملك لاعبين يستطيعون إرساء التوازن وبث الأخبار الإيجابية في ظل سيل عرمرم من الأخبار السلبية وفي ظل مخاوف وأسئلة عما يحدث حولنا من مؤشرات تبعث على التخوف مما يحمله العالم الاقتصادي من أخبار قد تأثر على روح التفاؤل السائد منذ بداية أسوأ أزمة اقتصادية عرفها التاريخ العالمي، وتأتي ميزانية الخير في وقت تئن دول كثيرة تحت مخاوف وتأثير وآثار الديون السيادية التي جرّت وما زالت تجر تلك الدول إلى طريق مجهول.
#2#
الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 2010 وصل إلى (1.630.000.000.000) ألف وست مئة وثلاثين مليار ريال بالأسعار الجارية بنمو نسبته (16.6) مقارنة بعام 2009، وجاء الارتفاع ـــ من وجهة نظري ـــ في ضوء المتوقع قياسا بالاستقرار في أسعار النفط ـــ ولا عجب ـــ بعد أن كان المتوسط 62 دولارا للبرميل عام 2009 تشير التقديرات إلى 78 دولارا للبرميل في عام 2010.
وعلى الطرف الآخر ميزانية متوازنة للعام القادم 2011 تقدر بـ 540 مليارا أي بزيادة قدرها 70 مليارا عما كان مقدرا لعام 2010.
وبالعودة إلى أرقام ميزانية عام 2010 فإن الإيرادات الفعلية بلغت 735 مليار ريال في حين كانت تقدر بمبلغ 470 مليار ريال في بداية العام, أي أنها حققت زيادة 265 مليار ريال، بنسبة نمو كبيرة جداً بلغت 56 في المائة عن التقديرات في بداية العام، وذلك بسبب الارتفاع غير المقدر لأسعار النفط في 2010 الذي وصل متوسط 78 دولارا للبرميل، وإن كانت المملكة تعلن دائما عن رؤيتها للسعر العادل للبرميل بين 70 و80 دولارا للبرميل، وهو ما حققته الأسعار خلال العام الماضي.
ورغم ذلك فإن الدولة دائما ما تضع توقعات متحفظة في الميزانيات السنوية حتى ونحن نرى توقعات عام 2011 فإن التحفظ سيكون مصاحبا بشكل مستمر لتوقعات الدولة لأسعار النفط، بغض النظر عن أي تفاؤل يحيط بنمو الاقتصاد العالمي خلال العام المقبل.
#3#
من جهة أخرى, ارتفعت المصروفات إلى 626.5 مليار ريال, بزيادة قدرها 86.5 مليار ريال عن المقدر في بداية العام، وهنا يجدر التركيز على أن الإنفاق الحكومي استمر بوتيرة عالية على رغم المخاوف الاقتصادية العالمية من عام 2010 الأكثر سوادا تاريخيا, وكانت الزيادة أكثر بنحو 11.5 مليار ريال عن الزيادة في إنفاق العام الماضي التي بلغت 75 مليار ريال.
ويتضح من تفاصيل الميزانية النمو الاقتصادي المتوازن الذي تنتهجه الحكومة والتركيز على تنمية الموارد البشرية والاهتمام بالقطاعات التي تمس المواطن بشكل مباشر، وشهد العام أكبر ميزانية مصروفات في تاريخ المملكة.
ولعل المفارقة في ميزانية عام 2010 العودة إلى تحقيق فائض فعلي في الميزانية بعد العجز في ميزانية العام السابق، حيث حققت الميزانية فائضا قدره 108.5 مليار على الرغم من استمرار وتيرة الإنفاق على المشاريع الحكومية بخلاف المصـروفـات، مـا يَخُص مشاريع البرنامج الإضافي المُمَوَّلَة من فائض إيرادات الميزانية التي يُقَدَّر أن يبلغ المنصرف عليها في نهاية العام المالي الحالي 18 مليار ريال، حيث إنها تمول من الحسابات المفتوحة لهذا الغرض في مؤسسة النقد العربي السعودي.
ولعل استمرار الإيجابية في ميزانية عام 2010 يأتي من انخفاض الدين العام إلى ما يقارب 167 مليار ريال أي بنسبة قدرها 10.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بــ 225 مليار ريال للعام السابق 2009، التي كان يمثل الدين العام فيها 16 في المائة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
#4#
ميزانية 2011
تجاوزت الدولة تقديراتها لإيرادات عام 2011 بما قيمته 540 مليار ريال أي بزيادة قدرها 80 مليارا عما تم رصده لعام 2010، التي قدرت حينها بـ 470 مليار ريال، وهي ميزانية تحفظ تعطي قدرا أعلى من التفاؤل حول معطيات الاقتصاد العالمي، خصوصا أن المملكة استطاعت الوصول إلى سعرها العادل لبرميل النفط، ولعل تلك السياسة تعطي قدرة أكبر للمسؤولين على وضع تصور أكثر دقة عما تعارفت عليه الميزانيات السابقة من حيث التحفظ الكبير على الإيرادات، خصوصا النفطية.
ولعلي هنا أركز بشكل موجز على المصروفات المتوقعة التي تعطي جميع الدلالات على الاستثمار الكبير الذي توليه الدولة للمواطن في الدرجة الأولى على الرغم من الظروف الاقتصادية التي تمر بها موارد الدولة، ونجد أن كثيرا من المخصصات تمس حياة المواطن بشكل مباشر حتى في ظل الأزمات العالمية وتسريح الموظفين وإفلاس المصارف والشركات، حتى وصلنا إلى إفلاس الدول ومخاوف الديون السيادية في الاتحاد الأوروبي تحديدا، تبقى السعودية في إنفاقها على رفاهية المواطن وترسل رسالة واضحة للعالم أنها ما زالت تتمتع برخاء اقتصادي وبقوة شرائية قوية في ظل العودة إلى تحقيق فائض في الميزانية ليضاف إلى العوائد التاريخية التي حققتها الميزانية خلال الفترة من 2002 إلى 2008، وتظهر الأرقام أن النفقات العامة التي حددتها الدولة للعام المقبل تبلغ 580 مليار ريال بزيادة قدرها 40 مليار دولار عما أقر لميزانية العام الماضي التي حددت بـ 470 مليار ريال أي بزيادة قدرها 7 في المائة وتقل بنحو 46.5 مليار عن المصروفات الفعلية خلال عام 2010.
ولا شك أن هذه المبالغ تعد إشارة كبيرة على استمرار الإنفاق الحكومي بمعدلات تاريخية وإن اختلف التركيز في القطاعات، إلا أنها تصب في نهاية المطاف في المصلحة العامة للوطن والمواطن.
وبنظره موجزة إلى بعض القطاعات التي ركزت عليها الميزانية فإن قطاع التعليم، إضافة إلى مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم ''تطوير'' بمبلغ تسعة مليارات ريال وكامل ما تم تخصيصه لقطاع التعليم بمبلغ إجمالي قدره 150 مليار ريال، أي بزيادة قدرها 9 في المائة عن مخصص عام 2010, ولعل هذه الأرقام تثبت اهتمام الدولة كما سبق أن ذكرنا بالكادر البشري السعودي وتطوير وإعادة تطوير البنية التحتية للتعليم بهدف الوصول بالعنصر البشري السعودي إلى المستويات التي تتناسب مع البعد الاقتصادي للمملكة ومع الحاجة التي تتطلبها سوق العمل في المملكة، ولا شك أن التعليم هو حجر الأساس لخطط التنمية المستقبلية الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين كثيرا من الأهمية وتوفير البيئة المناسبة له وزيادة الطاقة الاستيعابية للمدارس والجامعات والكليات المتخصصة وتوفير أفضل الوسائل العلمية الحديثة لتوفير المناخ المناسب لمستقبل المملكة التنموي.
ولعل الشواهد التي نراها من افتتاح عديد من الجامعات الجديدة ولذلك فلا عجب أن يستحوذ التعليم على نصيب الأسد من الميزانية بمقدار 26 في المائة، وهو استثمار في مستقبل هذا الوطن.
أما الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بلغ نصيب هذا القطاع من ميزانية العام المقبل ما قيمته 68.7 مليار ريال أي بزيادة قدرها 12 في المائة عما تم تخصيصه في العام الماضي 2010.
إن الشكل المرفق يوضح أن جميع القطاعات في الدولة حظيت وتحظي بدعم كبير في ميزانية العام المقبل وامتدادا لتطوير القطاعات التي تهم المواطن في الدرجة الأولى التي تمس حياته اليومية، ولذلك فإن الزيادة عندما تأتي في ظل التخوف من ركود الاقتصاد العالمي تعطي مؤشرات مضاعفة على اهتمام الدول بالنمو والرفاهية للمواطنين.
في الختام فإن ميزانية هذا العام تختلف من ناحية التوقيت والحجم عن أي ميزانية سابقة في تاريخ المملكة، فالإعلان يأتي متزامنا مع هلع عالمي كبير حول مستقبل الاقتصاد العالمي، وتداعيات بعض الأحداث الاقتصادية المحيطة.
وتأتي بعد أن أثبت الاقتصاد السعودي متانة عالية في القطاع المالي بشكل عام والقطاع البنكي بشكل خاص، وهذه المتانة تأتي من خلال التشريعات المتحفظة التي حافظت على المكاسب.
ولعل المفرح أن تكون المملكة قادرة ـــ بعد توفيق الله ـــ على القدرة على ضبط الميزانية من خلال حسن التوقع وحسن التخطيط والمحافظة على سوقها الأساسية وهي سعر برميل النفط.
وتأتي هذه الميزانية بعد أن تضمن تقرير البنك الدولي عن مناخ الاستثمار لعام (2010) تصنيف المملكة في المرتبة (11) الحادية عشرة من بين (183) مئة وثلاث وثمانين دولة تم تقييم الأنظمة والقوانين التي تحكم مناخ الاستثمار فيها متقدمة، استطاعت المملكة أن تحقق قفزات متتالية في تقرير سهولة ممارسة الأعمال، الذي يعد من أهم التقارير التي تقيم بيئة الاستثمار في الدول المختلفة بناء على مدى تطور الإجراءات وتوافر بنية تشريعية وتنظيمية متكاملة، والتي كانت من التحديات التي كان مطلوبا التعامل معها لتحسين البيئة الاستثمارية في المملكة، حيث احتلت المملكة المركز 67 في عام 2005، وفي عام 2006 المركز 38، وفي عام 2007 المركز 23، والمركز 16 في عام 2008، والمركز 13 في عام 2009.
وتأتي هذه الميزانية بعد أن وضع تقرير الاستثمار العالمي لعام 2010 ـــ صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ''الأونكتاد'' ـــ المملكة المركز الثامن عالمياً والأولى عربياً لجهة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال عام 2009، حيث بلغ مجموع التدفقات الاستثمارية الأجنبية الداخلة إلى المملكة في العام الماضي 133 مليار ريال، في حين أدى صافي التدفقات الداخلة إلى ارتفاع إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية إلى 552 مليار ريال في نهاية عام 2009.
وتأتي هذه الميزانية والمملكة تمت بتصنيف (AA) حسب وكالة فيتش كدلالة على متانة الاقتصاد ومؤسساته المالية.