أرقام في ميزانية ضخمة تهم المواطن
كثيرة هي الأرقام في الميزانية، بين أرقام حقيقية وتقديرية، أرقام كبيرة وأرقام صغيرة، أرقام بأحد عشر صفرا وأرقام بلا أصفار، أرقام تهم أصحاب المشاريع الضخمة التي تقوم بها الدولة الآن، وأرقام تهم البنوك والتجار وأهل الاقتصاد. لكن ما الأرقام التي تهم المواطن البسيط في هذا الكم من المعلومات؟ كثيرا ما يسأل المواطن البسيط: ماذا حصلت؟ كثير منا يرغب في زيادة مباشرة ملموسة في راتبه لكن مثل هذا الإجراء سينتج عنه أمران، الأول هو ارتفاع الأسعار، وقد لمس الجميع مثل هذا خلال الزيادات الماضية، الأمر الثاني هو عدم تناسب الزيادة بين المواطنين فبينما يزيد الراتب زيادة طفيفة لدى بعضهم يزيد بقدر أكبر لدى آخرين، والبعض ـــ خاصة في القطاع الخاص ـــ لا يجدون شيئا من هذا. لكن الاتجاه الأفضل هو إنشاء مشاريع تسهم في تخفيض تكلفة المعيشة على المواطن، تمكين المواطن من توفير مصروفات مثل التنقل والمصروفات الصحية ومصروفات العلاج والسكن. هذه عوائد حقيقية سيجنيها المجتمع الحالي في شكل فوائض دخل والجيل القادم كذلك.
في هذا الإطار يهتم المواطن بالأرقام الصغيرة في الميزانية أكثر من الأرقام الكبيرة. فمثلا تضمنت الميزانية معلومات أنه سيتم إنشاء 12 مستشفىً جديداً، ومشاريع لإحلال وتطوير البنية التحتية لأربعة مستشفيات، إضافة إلى استكمال تأثيث وتجهيز عدد من المرافق الصحية، كما أنه يتم حاليا تنفيذ 120 مستشفىً جديدا في مناطق المملكة. هذه هي المعلومات التي تهم المواطن البسيط، وأين ستكون هذه المستشفيات والمرافق وكيف ستكون تجهيزاتها. في مجال التعليم، وبعيدا عن أرقام المليارات يهم المواطن معرفة أنه سيتم بناء 610 مدارس جديدة للبنين والبنات في جميع المناطق، إضافة إلى المدارس الجاري تنفيذها حالياً البالغ عددها أكثر من 3200 مدرسة. أي أنه سيتم بناء 3810 مبنى مدرسي جديد، وقد أكدت الميزانية أنه سيتم تسلم 600 مدرسة, وتأهيل وتوفير وسائل السلامة لألفي مبنى مدرسي للبنين والبنات, وإضافة فصول دراسية للمدارس القائمة, وتأثيث المدارس وتجهيزها بالوسائل التعليمية والمعامل وأجهزة الحاسب الآلي, وكذلك إنشاء مبانٍ إدارية لقطاع التعليم العام.
وفي مجال النقل ستنفذ طرق سريعة ومزدوجة ومفردة مجموع أطوالها 6.600 ألف كيلو متر، وفي مجال المياه سيتم إنشاء محطة تحلية الشقيق (المرحلة الثالثة)، وتطوير وتحديث وتوسعة محطات التحلية القائمة، وإنشاء صوامع ومطاحن جديدة وتوسعة القائم منها، وتغطية قنوات الري الرئيسة بالأحساء، والمصروفات التأسيسية والتشغيلية والدراسات وإنشاء مبانٍ لمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. وفي مجال السكن يُتَوَقَّع أن يتم صرف أكثر من 47 مليار ريال من القروض العقارية.
هذا إضافة إلى مشاريع تطوير القضاء وتنفيذ ''الخطة الوطنية للعلوم والتقنية'' ومشروع ''التعاملات الإلكترونية الحكومية''. هذه الميزانية مشاريع تنموية للأجيال المقبلة، مشاريع هدفها تخفيض تكلفة المعيشة للمواطن.
فالهدف من الميزانية بشكل عام هو الرقابة، وهي رقابة سابقة على الصرف فلا يتم الصرف إلا فيما تمت الموافقة عليه من مشروعات الميزانية. لكن الميزانية تحتاج إلى أدوات أكثر عمقا للرقابة، فالمشاريع ـــ وفقا للمفهوم الذي طرح أعلاه وأنها سبيل لتخفيض تكلفة المعيشة على المواطن، يجب أن تجد متابعة صارمة من لدن مجلس الوزراء نفسه وبأي آليه يريدها. ذلك أن تعثر المشاريع أصبح عقبة أمام أحلام الوطن والمواطن. وبرغم ضخامة أرقام الميزانية ومشروعاتها إلا أن تهمة تعثر المشاريع تتقاذفها الجهات المسؤولة عنها. المشروعات التي ترد تباعا في كل ميزانية سنوية، يرد فور التصريح بتنفيذها تصريحات بتعثرها وذلك بعد صدور الميزانية بفترة قصيرة وكأن التعثر جزء من مشروع الجهات لتنفيذ الميزانية أو حجة للتهرب من استحقاقات الميزانية ومسؤولياتها التنفيذية، بل إن ''الموضة'' السائدة اليوم هي التصريح بتعثر المشروع، وكأن اكتشاف تعثره أصبح إنجازا بذاته. لا أعرف كيف يتعثر مشروع رصدت له مليارات ولدينا فوائض في ميزانية الأعوام السابقة والنظام واضح جدا.