الحكومة تحقق المعادلة الصعبة وتعبر الأزمة العالمية بسلام
بعد العجز الذي حدث في العام الماضي 2009، تسجل ميزانية العام الحالي فائضا ضخما بمبلغ 108.5 مليار ريال. ويأتي هذا بعد إعلان الحكومة في العام الماضي تسجيل عجز قد يصل إلى 70 مليار ريال وتتوقع موازنة 2011 عجزا بمقدار 40 مليار ريال. وفي هذا انعكاس واضح لاستمرار السياسات التحفظية في تقدير سعر النفط. وهي سياسات مقبولة في ظل التقلبات الاقتصادية الدولية. لكن التطبيق الفعلي لإدارة سياسة الإنفاق للحكومة السعودية تنسجم مع التزامها بالإنفاق لتفادي أي ركود اقتصادي محلي محتمل في ظل الركود الواضح في الاقتصاد الأمريكي، والأزمات المالية الأوروبية، وارتفاع معدلات التضخم، خصوصا في الدول الناشئة مثل المملكة والصين والهند. ولأن السياسة المالية السعودية هي الفاعلة في الوقت الحالي؛ ذلك أن السياسة النقدية التزمت التحفظ بتثبيت سعر الصرف، وخفض سعر الفائدة لأدنى مستوياتها، مع خفض الاحتياطي الإلزامي للبنوك، لاستمرار التدفق من المعروض النقدي، فقد كانت (السياستان المالية والنقدية) موفقتين للغاية في تحقيق نمو اقتصادي حقيقي قوي – في الظروف الدولية الحالية - بلغ نحو 3.8 في المائة، مع نمو جيد للقطاع الخاص بلغ 3.7 في المائة.
ورغم الإنفاق القوي الذي وصل إلى 735 مليار ريال في 2010 – بزيادة قدرها 86.5 مليار ريال - عما قدر لها في الميزانية التقديرية، فإن السياسة المالية استطاعت تحقيق المعادلة الصعبة في خفض الدين العام إلى نسبة تقارب 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مع زيادة النفقات على القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة، وكذلك قطاعات البلديات والنقل والاتصالات. بل إن تحقيق هذه المعادلة الصعبة سيستمر تحديا للسياسة المالية العامة في 2011، وذلك واضح في الزيادة الملحوظة في الإنفاق على تلك القطاعات في السنة المقبلة 2011.
إن مجرد النظرة السريعة بعاليه، تجعلنا نستشعر أن الاقتصاد السعودي عاد ليعيش مرحلة انطلاقة قوية في السنوات المقبلة. ففي الوقت، الذي تعيش الدول المتقدمة عجوزات كبيرة في موازناتها الحكومية وميزان المدفوعات، تأتي المملكة في مقدمة الدول التي تعلن انتصارها على الأزمة العالمية والخروج منها بسلام، كأولى الدول التي قد تتحدث عنها وسائل الإعلام الأخرى لسنوات مقبلة.
إن التحديات التي ستواجهنا في السنوات المقبلة هي قدرة القطاع الخاص على المشاركة بصورة أقوى في مقابلة النفقات الحكومية الكبيرة، وما إذا بإمكانه قيادة النمو القادم، خصوصا في مجال التعليم والصحة والطاقة وسكة الحديد. وهي القطاعات التي ستنقل المملكة إلى مرحلة اقتصادية أخرى هي مرحلة انطلاقة العقد الثاني من الألفية الحالية، بعد أن أنهت الحكومة السعودية العقد الأول بنجاح باهر، رغم تعرض الاقتصاد السعودي للأزمات الأربع (انهيار السوق المالية، أزمة الرهن العقاري العالمية، أزمة دبي، الأزمة الأوروبية).