بارقة أمل لإيجاد أدوات مالية إسلامية حقيقية

بارقة أمل لإيجاد أدوات مالية إسلامية حقيقية

في خطوة ثمّنها الخبراء غالياً أعلن مجلس الخدمات المالية الإسلامي انطلاق الهيئة العالمية لإدارة السيولة الإسلامية في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، على أن يبدأ نشاط الهيئة في الأول من يناير المقبل بعد عقد اجتماع يشهده شهر ديسمبر الجاري على مستوى محافظي البنوك المركزية الأعضاء في الهيئة.

وتهدف الهيئة التي تتخذ من كوالالمبور مقراً لها إلى إصدار أدوات مالية تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية لتسهيل إيجاد الحلول الأكثر كفاءة لإدارة السيولة للمؤسسات التي تقدم الخدمات المالية الإسلامية. إضافة إلى هذا فإنها تعمل على تسهيل زيادة التدفقات الاستثمارية للأدوات المتوافقة مع الشريعة، كما تهدف إلى توسيع دائرة انتشار تلك الأدوات على المستوى العالمي.
وتنبع أهمية الهيئة العالمية لإدارة السيولة من كونها ستوفر أدوات سائلة قصيرة الأجل متوافقة مع الشريعة الإسلامية من شأنها أن تزيد من قدرة الخدمات المالية الإسلامية على المنافسة، كما تزيد من مرونتها على الصعيد العالمي.

وفي معرض تعليقه على الحدث، أكد الخبير المصرفي لاحم الناصر أن إدارة السيولة قصيرة الأجل تعد من أهم التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية، ذلك أنه لا توجد حالياً أية أدوات مالية إسلامية يمكن من خلالها إدارة سيولتها قصيرة الأجل بالكفاءة التي تتمتع بها المصرفية التقليدية. ويوضح قائلاً إن المصرفية الإسلامية تعتمد على أداوات المرابحة والوكالة بأجر والمضاربة لإدارة السيولة، إلا أن هذه الأدوات يعيبها طول الإجراءات وارتفاع التكلفة، ومن ثم فهي لا تصلح لإدارة جميع أنواع السيولة قصيرة الأجل.

وثمة نقطة أخرى يثيرها الناصر تتعلق بمحدودية قدرة صناعة المصرفية الإسلامية على توريق ديونها؛ وهو الأمر الذي يقف حجر عثرة أمام كفاءة إدارة السيولة مما يزيد من نسبة مخاطر السيولة بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية. ولا تجد تلك المؤسسات لتفادي تلك المخاطر سوى الحرص على الاحتفاظ بمعدلات عالية من السيولة، وهو ما يحرمها من الاستفادة من تلك السيولة في مجال التمويل والاستثمار، وبالتالي يؤثر سلباً في أرباحها، كما يحد من قدرتها التنافسية.

من جانبه، أكد الدكتور محمد القري ـــ أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز ـــ أن تأسيس الهيئة العالمية للسيولة الإسلامية يعد نقلة نوعية لصناعة المصرفة الإسلامية؛ نظراً لأن لإدارة السيولة واحدة من جوانب الضعف التي تفتقر إلى أداوت فاعلة.

وأعرب القري عن أمله في أن تعمل الهيئة على زيادة كفاءة عمل قطاع الخزانة في البنوك التي تقدم الخدمات المصرفية الإسلامية، حيث إن هذا القطاع من القطاعات التي تحتاج إلى ابتكار أدوات مالية إسلامية فاعلة.

أما الدكتور صلاح الشلهوب ـــ مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي في جامعة الملك فهد ـــ فيرى أن تأسيس الهيئة سيؤثر إلى حد كبير في مستوى تنظيم صناعة التمويل الإسلامي. ويتوقع أن يمهد لدخول تلك الصناعة إلى كافة دول العالم، ولا سيما أنها تواجه صعوبات عديدة نظراً لعدم اعتماد تشريعاتها على المستوى العالمي، مما يؤدي بالتالي إلى بطء دخولها إلى الأسواق العالمية. وحتى على نطاق الدول التي سمحت بوجود مؤسسات مالية إسلامية لا يسمح لها بالعمل إلا في نطاق ضيق ببرامج محدودة.

ويضيف أن إيجاد التشريعات يعد من أهم التحديات التي يؤمل أن تجد حلاً في ظل الهيئة الوليدة، حيث تعاني تلك الصناعة عدم وجود التشريعات من ناحيتين: الأولى هي آلية العمل الحالية التي تعتمد على تحوير أدوات التمويل التقليدي وليس إيجاد تشريعات خاصة بالمؤسسات المالية الإسلامية. والناحية الثانية تتعلق بالمؤسسات المالية الدولية الكبرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد؛ فهذه الجهات تتفهم أهمية وجود مؤسسات المالية إسلامية ولا تفتقر إلى الرغبة في إيجادها، إلا أن آلية العمل الفردي لا تحفزها على اعتماد تلك الآليات أو التفاعل معها.

وشدد على أن العالم الإسلامي تتوافر فيه الفرص سواء للحصول على السيولة والتمويل أو في جانب الاستثمارات، حيث إن هناك سيولة ولكنها تحتاج إلى وجود تنظيم وتشريعات حتى تحفظ حقوق المستثمرين وتضمن استدامة التمويل الإسلامي.

وأشار إلى أهمية الهيئة العالمية لإدارة السيولة الإسلامية، حيث إن توسع المؤسسات المالية الإسلامية له دور في توفير السيولة، لأن توفير السيولة حاليا مشكلة حقيقية لكثير من المؤسسات المالية الإسلامية أو التقليدية. وأوضح أنه من الممكن أن تتوافر السيولة نوعا ما في السوق الخليجية إلا أن الوضع يبقى غير مبشر على المستوى العالمي، حيث إن هناك شحا حقيقيا في توافر السيولة وهذا يؤثر في تحقيق نجاحات أكثر، معتبراً أن إيجاد مثل هذه المنظمات والهيئات العالمية يساعد على توفير السيولة المالية الإسلامية.

ويشير بيان مجلس الخدمات المالية الإسلامي إلى أن عدداً من البنوك الإسلامية استشعر أهمية وجود مركز لإدارة السيولة فأنشأت مركز إدارة السيولة بالبحرين، وهو شركة خاصة يسهم فيها كل من بنك البحرين الإسلامي وبنك دبي الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية وبيت إدارة السيولة التابع لبيت التمويل الكويتي. إلا أن المركز ورغم مرور تسع سنوات على تأسيسه لم يستطع حل هذه الإشكالية، ومن ثم فقد كانت هذه المبادرة من قبل مجلس الخدمات المالية الإسلامية، لإنشاء المؤسسة الإسلامية الدولية لإدارة السيولة. ويعتبر البمجلس أن موافقة أحد عشر بنكاً مركزياً على إنشاء هذه المؤسسة هو بمثابة اعتراف صريح من تلك البنوك بالمصرفية الإسلامية كصناعة مالية مستقلة لها خصوصيتها. واعتبر أن هذه الخطوة سيكون لها تأثير إيجابي في طريقة تعاطي بعض البنوك المركزية مع تلك الصناعة داخل أسواقها بحيث يتم التعاطي مع هذه الصناعة إيجابا بدلاً من تجاهلها؛ وذلك عبر سن الأنظمة واللوائح الخاصة بها.

الأكثر قراءة