لا يزال هناك مَن ينظر إلى القوائم المالية للشركات على أنها وسيلة دعائية لتسويق أسهم الشركات قبل طرحها للاكتتاب العام، ولعل ما يؤكد ذلك تراجع أسهم عدد من الشركات الجديدة بعد طرحها للاكتتاب عن قيمتها الاسمية، ما يثير سؤالا حول مَن هو المستفيد من هذا الطرح؟ هل هو المستثمر الذي يوجّه بعض مدخراته في سوق الأسهم، ويحرص على الاكتتاب في كل شركة يتم طرحها؟ أم هو مالك أو ملاك تلك الشركات التي تحولت إلى شركات مساهمة مطروحة للمكتتبين لتغطية رأس المال المطلوب؟
لقد حذر عددٌ من الخبراء والمختصين من خطورة تجميل القوائم المالية للشركات قبل عملية الإدراج، وهم بذلك يكشفون عن ممارسة تجريها معظم الشركات والقائمين عليها ممن يرغبون في التخلص من منشآت غير قادرة على تحقيق الربح لهم، ولكن ذلك لا يعني عدم مقدرتهم على بيعها في سوق الشركات المساهمة وجني قيمة غير حقيقية وغير معبرة عن الأوضاع المالية بمصداقية.
ولعل المطالبة بفرض معايير أكثر فاعلية للإدراج مثل وجوب تحقيق الشركات المدرجة أرباحا أو أن يتم إسقاط إدراج شركات يقل تداول أسهمها في السوق عن حد أدنى، وغيرها من الشروط والمعايير المتعارف عليها دوليا بين الهيئات المنظمة للأسواق المالية، هي شروط لاحقة وليست سابقة، فضلا عن أن المتضرر منها هو المستثمر الذي وضع جزءا من رأسماله في تلك الشركات، أما الملاك فقد تخلصوا من الشركة ولم يعد يعنيهم ماذا يحدث بعد ذلك.
إن الاكتتاب فرصة للشركات لزيادة رأسمالها وتوسيع نشاطها وتجاوز أزمة مالية عارضة ونحو ذلك من الأعراض المشروعة التي هي العامل الرئيس خلف اتخاذ قرار تحويل المنشأة إلى شركة مساهمة، ولكن ما يجري بالفعل أن المشروع الفاشل يتم تحويله إلى شركة مساهمة مغلقة، تليها خطوة مساهمة عامة وبيعها على الجمهور، وهذا ليس حكما عاما، فهناك شركات لم تمارس ذلك لاعتبارات عديدة منها التزاحم في برامج الطرح واعتبارات الأولوية النظامية وتوافر الشروط القانونية.
أما الذكاء التجاري فهو حاسة سادسة لدى مَن خبروا الأسواق وعرفوا ملامح النهاية من خلال المؤشرات التي يرونها هم وحدهم، ومعروفة الشركات المحترمة، التي أدرجت في السوق وحققت نموا في أرباحها.
من الضروري أن تفرض هيئة السوق المالية معايير أكثر فاعلية للإدراج، حيث يتم تطبيقها على جميع الشركات لحماية المدخرين من الوقوع في فخ تصديق الوهم وشراء أسهم لن تحقق لهم أي ربح على المديين القريب والبعيد والاستفادة في ذلك من شروط ومعايير الإدراج المتعارف عليها دوليا بين الهيئات المنظمة للأسواق المالية. ولعل تدني أداء بعض الشركات بعد الإدراج مباشرة يضيف إلى العوامل المؤثرة سلبا في التعامل عاملا نفسيا ينزع المصداقية في أي قوائم مالية، ما قد يهدم الثقة بكل الإجراءات التي تتخذها الجهات التنفيذية، ويضر كامل السوق وجميع الشركات بلا استثناء لأنها في سلة واحدة بدليل ما يجري من عدم استقرار في الأوضاع الاقتصادية العالمية التي أثرت في أداء الأسهم المحلية لتأثرها بأسواق الأسهم العالمية، وهي خارج السوق السعودية.
من البديهي القول إن الرغبة في الاستثمار في سوق الأسهم قد انخفضت بشكل كبير وفقد المدخرون الدافع نحو الاستمرار سوى في سوق الاكتتابات الجديدة التي يؤملون منها تعويضهم عن بعض خسائرهم، وهو أمل غير متحقق إذ لا تلبث الحقيقة أن تنجلي بعد الإدراج وبدء التداول، حيث تظهر العيوب التي غطتها مساحيق التجميل، فمن المستحيل خديعة كل الناس في كل الوقت.
