Author

اليمن والتحديات .. دعوة لإنشاء صندوق صناعي دولي في اليمن

|
اليمن دولة جارة وشقيقة لنا ولكل دول الخليج، اليمن أمام مفترق طرق إما الانهيار والوصول لحالة الصومال ـــ لا سمح الله ـــ وإما العنف المستمر على المستوى المحلي بين اليمنيين والمستوى الإقليمي والدولي ـــ لا سمح الله ـــ لا ثالث لهما مع الأسف إلا إذا تم استيعاب دروس الدول الأخرى مثل أفغانستان وغيرها.. الكل مقتنع بأن التنمية الاجتماعية والاقتصادية هي الطريق الوحيد بعد توفيق الله للوصول للسلام الاجتماعي ولكن مع الأسف الكل يبتعد عن هذه المسؤولية والآن ونحن نواجه أصعب مرحلة بسبب انتشار القاعدة في اليمن وانتقال قيادتها من أفغانستان لليمن، ويقال إن هناك تأييدا شعبيا وعاطفيا مع الأسف لها لأسباب كثيرة، وعندما انفجرت الأمور صحا الجيران وصحا الحلفاء الكبار للخطر المحدق وتوقعنا حلولاً جذرية تعالج المشكلة وأسبابها وتقدم الإعانة الحقيقية لمساعدة شعب اليمن وحكومته لمواجهة هذا الخطر السرطاني إلا أنني فوجئت بتصريحات الحلفاء في بريطانيا وأمريكا وأوروبا بأن اليمن بحاجة إلى تجهيزات عسكرية إضافية لتدريب جيشها واستعداد الجميع لإرسال فرق متخصصة لذلك وخاصة الطائرات بدون طيار وكأن مشكلة اليمن مشكلة عسكرية فقط، وتناسوا أن التجهيزات العسكرية نفسها فشلت في تحقيق أي أهداف في أفغانستان للسنوات العشر الماضية.. وتناسوا المشاكل المسببة للمشكلة وهي الفقر المدقع والبطالة والمرض لشعب يعيش وحوله دول شقيقة قادرة على العطاء. يجب أن نتعلم من دروس أفغانستان والصومال والعراق أن التجهيزات العسكرية وحدها لم تنفع في استتباب الأمن بل ستزيد الطين بلة وتنتشر الفوضى.. وها نحن نلاحظ خطورة مثل هذا الوضع باختراع القاعدة أسلوب نسف الطائرات وغيرها فهل لنا أن نعي أن الحل هو في أن يجتمع جميع جيران اليمن وحلفائه الدوليين مثل أمريكا وأوروبا واليابان والصين وروسيا وغيرها من الدول للعمل على تطوير برامج تنموية سريعة وتدريب الشباب لفتح فرص عمل لهم في دول الخليج وبسرعة، حيث إن كل وظيفة تفتح ليمني بعد تدريبه في أي دولة خليجية ستعطي فرصة لعشرة يمنيين لكي يعيشوا حياة مقبولة في اليمن من تحويل الدخل المتوقع. فالخليج يحول ما لا يقل عن 150 مليار ريال سعودي لدول العالم الثالث مثل الهند، الفلبين، بنجلادش، باكستان، إفريقيا، ومصر وهكذا، فهل لنا أن نحجز 25 مليار ريال فقط للقوى العاملة اليمنية كحالة خاصة ولمدة خمس سنوات قادمة لعل وعسى أن نخفف الضغط على الشعب اليمني وحكومته؟ وفي الوقت نفسه يجب علينا جميعاً أن يكون لنا دور إيجابي في عملية التنمية في البنية التحتية من خلال تطبيق كل التجارب الناجحة التي طبقت في المملكة العربية السعودية أو أي دولة أخرى لعلنا نسابق الزمن وأن نقضي على الشر في مهده. إن تجربة المملكة الصناعية خلال السنوات العشرين الماضية تجربة تستحق الدراسة ليست فقط لمصلحة اليمن ولكن لمصلحة كل الدول العربية الفقيرة منها أو حتى الغنية. لن أتحدث عن تفاصيل هذه التجربة ولكنني سأركز على تجربتين كانتا لهما دور قيادي في جعل المملكة الأولى صناعياً على مستوى الوطن العربي، والأولى في قدرتها على تصدير منتجاتها الصناعية غير النفطية للعالم والدول القائدة والقادرة على تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتصبح مؤسسات قيادية خلال السنوات العشرين الماضية.. أما التجربة الأخرى، فهي تدريب القوى الوطنية من خلال برامج المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني وكذلك من خلال الجامعات. فلنبدأ بالتجربة الصناعية: لن أتحدث عن البترول ومشتقاته ولكن عندما قررت حكومة المملكة أن الصناعة هي الخيار الاستراتيجي الأول للتنمية اتخذت قرارات وخطوات عدة وأهمها إنشاء الصندوق السعودي للتنمية الصناعية في عام 1974م وبرأسمال 500 مليون ريال (150 مليون دولار) وذلك لمساعدة أي مستثمر صغير (لأن الجميع في عام 1974 كانوا صغارا)، مساعدته بتقديم 50 في المائة من تكلفة المشروع كقرض حسن وميسر ولمدة عشر سنوات ودون فوائد. استطاع هذا الصندوق وخلال هذه المدة (30 سنة) أن يقدم قروضاً بمبلغ 81 مليار ريال سعودي وباستثمارات تعدت 250 مليار ريال سعودي، ولأربعة آلاف مصنع جديد أو توسعات وخلق فرص عمل تعدت 300 ألف عامل، وبصادرات تعدت 130 مليار ريال ومبيعات محلية ودولية تعدت 350 مليار ريال. إنجاز بلا شك كبير والطريق طويل وسالك ولله الحمد.. هذا مع العلم بأن كل فرصة عمل في الصناعة تخلق معها خمس فرص عمل مساعدة. لو بدأنا هذه التجربة في اليمن لأدت إلى نتائج طيبة وخاصة إذا تحمس المستثمرون الخليجيون خاصة السعوديين للاستثمار لتوافر التمويل الميسر هناك وذلك لحاجة المستهلك اليمني إلى كل شيء.. قد يتساءل القارئ: ولكن من أين يأتي اليمن برأسمال الصندوق المقترح خاصة أن كل بنوكه التجارية صغيرة؟ جوابي على ذلك: أن ينشأ الصندوق الصناعي اليمني برأسمال 1000 مليون دولار على أن يمول من قبل المؤسسات الإقليمية التنموية والدولية مثل الصندوق السعودي للتنمية 100 مليون دولار، الصندوق الكويتي 100 مليون دولار، والإمارات 100 مليون دولار، والبنك الإسلامي للتنمية 100 مليون دولار، والصندوق العربي للتنمية 100 مليون دولار، والمؤسسة الدولية للتنمية IFC التابعة للبنك الدولي 500 مليون دولار تجمعها من جميع الدول الصديقة الأخرى غير العربية والإسلامية وبفوائد قليلة على أن يدار ويقاد هذا الصندوق بالأسلوب المهني الرائع نفسه الذي أدار به شبابنا السعودي الصندوق الصناعي برامج التمويل السعودي.. ويا حبذا لو كُلِّف الصندوق السعودي بإدارة الصندوق اليمني للسنوات الخمس المقبلة وعلى أن يكون مجلس إدارته من كل الممولين فقط وإبعاد أي عنصر يمني رسمي أو غيره في المرحلة الأولى لتفادي الإحراجات والواسطات الإقليمية والقبلية والتدخلات الحكومية ولقطع الطريق أمام كل من يريد أن يستخدم عذر تهمة فساد الأجهزة الحكومية كعذر للتهرب من المشاركة. وعلى ألا يتعدى أي قرض في السنوات الخمس الأولى خمسة ملايين دولار لأي مشروع، لتوسيع قاعدة التمويل وبفائدة محدودة. إن من أهم أسباب نجاح الصندوق السعودي ـــ ولله الحمد ـــ بعده عن الفساد الإداري ورفضه التام أي وساطة أو تدخل في شؤونه. هذه التجربة تستحق تطبيقها مباشرة في اليمن. أما التجربة الرائدة الأخرى السعودية فهي تجربة المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني التي أقامت ودربت الآلاف من شبابنا وهيأتهم نفسياً للعمل معنا في مصانعنا وشركاتنا، وإنني على يقين بأن التجربة في اليمن ستكون أفضل لاستعداد الشعب اليمني النفسي للعمل ولحاجة الشاب اليمني إلى العمل خاصة أن الحافز الأساسي هو إمكانية حصوله على عمل بعد التدريب في إحدى الدول الخليجية خاصة السعودية، الأرض المفضلة لهم والمملكة بحاجة إليهم.. هذا إذا لم يحصل هذا الشاب على عمل في اليمن. إن مراكز التدريب المنتشرة في المملكة أعطت شبابنا فرص عمل جيِّدة خاصة بعد حصولهم على تدريب إضافي في المصانع على رأس العمل. إن تجربة شركة الزامل للاستثمار الصناعي مع هذه المؤسسة وغيرها وتوظيف شركتنا ما يقارب سبعة آلاف شاب في السنوات العشر الماضية لهو خير دليل على أهمية هذا البرنامج.. أكثرهم غادرنا بعد تدريب وعمل أربع سنوات على رأس العمل على الأقل لعمل آخر أفضل وبدخل أفضل وفي موقع جغرافي أفضل وهذا هو هدف التنمية. ونحن سعداء بذلك فكل يوم يدخل آخرون ويخرج البعض متدرباً وهذا هو منطق الحياة.. إن المملكة شيدت مراكز تدريب عدة في اليمن وعلى الدول الصديقة وخاصة أمريكا وأوروبا العمل على تشغيلها والمساهمة في تدريب الشباب. هذا ما تحتاج إليه اليمن الآن وليس إضافة تجهيزات عسكرية. إن هذه الخطوات العملية ستسحب البساط من تحت القاعدة وستخفف الضغط والعبء عن حكومة اليمن. واقتراحي أن تقوم كل دولة صديقة بتقديم ما قد نجح لديهم من تجارب في محاربة الفقر وزيادة فرص العمل للمواطنين. لعل وعسى أن نبعد الشر عنا جميعاً وألا نسقط في مستنقع أفغانستان آخر ستكون تكاليفه على الجميع مئات المرات مما هو متوقع منا في المشاركة في خطوات التنمية الاقتصادية المطلوبة، والله الموفق.
إنشرها