حصّة وتنمية الاقتصاد النسائي

هذه قِصّة فتاة اسمها حِصّة، وحِصّة ليس لها وجود في الحقيقة فقد نسجها الكاتب من خياله ليرسم بها المسارات والخطوات التي ربما تكون قد غابت عن مخيّلة صاحبات رؤوس الأموال والمؤثِرات المحسوبات على الاقتصاد النسائي والمكتفيات بوجود استثماراتهم النقدية في الحسابات الجارية والودائع الآجلة وصناديق الاستثمار لدى البنوك.
حصّة كانت من المتفوقات في الصفوف الثانوية، وتخرّجت بامتياز مع مرتبة الشّرف والتحقت بالجامعة، حيث درست علوم التسويق والإدارة وتفوقت في دراستها الجامعية، وتخرّجت بدرجة البكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف. لم تتوقف حصّة عن التحصيل العلمي العالي، ودرست الماجستير في العلاقات العامة، وأبدعت في دراستها، وحصلت على درجة الماجستير بتفوق. عرضت عليها إدارة الجامعة أن تعمل معهم مُعيدة، لكنها آثرت التوقف، فليست لديها رغبة في المكوث في المجال الأكاديمي بعد الماجستير، وحبّذت الالتحاق بالقطاع الخاص، فلديها الكثير من الإبداعات التي ظنّت أنها ستكون مطلبا من القطاع الخاص. قامت حصّة برسم الخطة التنفيذية لمستقبلها العملي، ورسمت صورة خيالية وضعت من خلالها نفسها في مكانة الرئيس التنفيذي لواحدة من أكبر الشركات المساهمة العاملة في القطاع الخاص. أرادت حصّة أن تُشرك العائلة، والأخذ برأيهم في مخططاتها المستقبلية، فذهبت إلى الوالد وطرحت عليه فكرة الالتحاق بالقطاع الخاص، وكما هي العادة كان سلبياً وظهرت عليه علامات عدم الرغبة في التدخل في هذا الموضوع:
ـــ يا بنيتي، إنتي الآن كبيرة وتعرفين مصلحتك وينها فيه، المهم إنك مقتنعة بمستقبلك، ودوري على الشركات الإسلامية فهي أحسن لك من بقية الشركات.
الوالدة كانت أكثر اهتماما، وناقشت حصّة في خططها المستقبلية، وكانت ميالة أكثر للمجال الأكاديمي:
ـــ يا بنيتي عصفور(ن) في اليد أحسن من ألف على الشجرة، اسمعي كلامي يا بنيتي شغل الجامعة أضمن من الشركات والبنوك، وإنتي شاطرة، وممكن تأخذي الدكتوراه، وتصيرين أستاذة كبر الدنيا.
ـــ يا يُمة، أنا طفشت من الدراسة والكتب والبحوث، ودي أشتغل في القطاع الخاص، وأعمل التغيير، وأوري العالم أن المرأة السعودية قادرة على قيادة الشركات.
أرسلت حصّة خطابا اعتذرت فيه بأدب عن الالتحاق بالجامعة والعمل كمُعيدة، وبدأت رحلتها في البحث عن عمل في القطاع الخاص عن طريق الإنترنت، وتعبئة البيانات، ونماذج التوظيف على مواقع الشركات والبنوك حالمة بأنهم سيقومون بالاتصال بها بمجرّد، رؤيتهم لمؤهلاتها العلمية. مر الأسبوع الأول، ولم يتصل أحد، مر شهر، ولم يتصل أحد، مرت الأشهر الستة الأولى، ولم يتصل بها أحد من الشركات والبنوك التي تقدمت إليهم بطلب الوظيفة، كانت تُقنع نفسها بأن التوظيف في القطاع الخاص ربما يأخذ وقتاً طويلاً في الإجراءات، انتهت السنة والحال كما هو عليه. بدأت حصّة في القلق، وفقدان الأمل، ومعاقبة نفسها على ترك فرصة العمل في الجامعة. فجأة رن الهاتف، وكان المتصل يخبرها بأنهم إحدى شركات الوساطة، وأنهم يريدون إجراء المقابلة الشخصية الخاصة بالوظيفة. طارت حصّة من الفرح، وحضّرت نفسها للمقابلة الشخصية، وها هي اللحظة التي انتظرتها مدة طويلة، وهي تجلس وجهاً لوجه مع مديرة القسم النسوي في شركة الوساطة. بعد التعارف والأسئلة الروتينية للمقابلات الشخصية، أخبرتها المديرة بأن الوظيفة هي عبارة عن مندوبة مبيعات براتب مقطوع، وحوافز عبارة عن نسبة مئوية لا تذكر على المبيعات:
ـــ بس أنا معايا ماجستير في الإدارة، مانتي شايفة أن الوظيفة ما تتناسب مع مؤهلاتي العلمية؟
ـــ يا بنت الحلال، لازم تبدئي في مكان، وتطلعي السلّم الوظيفي من أوله، كلها سنتان وبتصيرين مديرة.
بعد مرور شهرين، أفلست الشركة مما أُضطر حصّة للرجوع والبقاء في المنزل والانتظار فربما كان هناك حظ أوفر مع شركة أخرى. بينما كانت في الانتظار ومن وازع قتل الوقت، طرأت عليها فكرة العمل على دراسة جدوى وعرض تقديمي Presentation تشرح من خلالها كيفية إنشاء شركة قابضة متعددة الأعمال والمجالات برأسمال نسائي وإدارة وخبرات نسائية. أهم ما انبثق عنه العرض التقديمي هو وجود قسم للدارسات يقوم بالبحث عن المجالات التي يمكن أن تكون مجدية لعمل الشركة، والرفع بذلك لمجلس الإدارة، وأن من أهم نشاطات هذه الشركة هو الاستحواذ على بعض الأسواق الاستهلاكية القائمة وإنشاء أسواق وميجا مولات جديدة خاصة بالعائلات، الاستحواذ وإنشاء مستشفيات مخصصة للعائلات، وإنشاء مكتب خاص لدراسة وتوظيف النساء في القطاع الخاص بعد الاكتفاء من توظيف الموارد البشرية المطلوبة للشركة. استخدمت حصّة جميع الاتصالات لتصل إلى صاحبات رؤوس الأموال، لتعرض عليهم عرضها التقديمي، لقي العرض اهتمام الكثيرات منهن، بدأ العمل الجاد في تأسيس المكتب الاستشاري ليتم عرض المشاريع على مجلس الإدارة المرتقب. وجدت حصّة نفسها في أول الطريق الصحيح الذي رسمته لمستقبلها، رن جرس الهاتف وكان المتصل يخبر حصّة أنهم أحد البنوك الكبيرة، وأنهم يريدون إجراء مقابلة شخصية معها على وظيفة كبيرة في إدارة الموارد البشرية. تُرى ماذا كان رد حصّة هذه المرة.
لكم دعائي بدوام الصحة والعافية،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي