تنتابك على مدار يومك مشاعر مختلفة ومتناقضة، فمرة تحس أنك في قمة السعادة وبعدها تشعر بالحزن والضيق، وتارة قد تكون في أوج نشاطك وأدائك العقلي والبدني وتارة أخرى تكثر أخطاؤك وعثراتك، وكل ذلك دون سبب واضح أو مبرر لكل ما يحدث، وهذا ما لاحظه الطبيب الألماني وليام فيليبس على مرضاه في بداية القرن العشرين من تكرر الأعراض النفسية والعضوية نفسها بانتظام كل 23 يوما، ومنها اكتشف أن الإنسان يمر بعدة دورات حيوية منذ ولادته وبشكل منتظم أطلق عليها الإيقاع الحيوي Bio-rhythm، وهذه الدورات هي التي تتسبب في تغير المزاج والنشاط البدني والذهني خلال فترات منتظمة.

ولكن هذا الأمر لم يجد اهتماما عالميا إلا بعد حدوث انفجار في طائرة تابعة لإحدى الشركات الأمريكية عام 1972م وراح ضحيته كل من على متنها، وبعد أن قامت الشركة بدراسات عديدة لمعرفة أسباب الحادث وجدوا أن قائد الطائرة كان في أدنى حالات الإيقاع الحيوي الذي تسبب في ارتكابه العديد من الأخطاء واتخاذه قرارات خاطئة، مما أدى إلى انفجار الطائرة.

وبعدها توالت الدراسات والتحليلات لهذه النظرية الجديدة ووجدوا أن المبدعين من كتاب وشعراء وفنانين يكونون في قمة إبداعهم حين يكون إيقاعهم العاطفي في قمته، بينما الرياضيون والبناؤون يكونون في قمة نشاطهم حينما يكون إيقاعهم الجسدي في أوجه، وقد تتساءل كم إيقاعا حيويا لديك؟

في بداية القرن العشرين توصل العلماء إلى أن الإنسان يمر بثلاث دورات متكررة، فالدورة الجسدية المتعلقة بالنشاط البدني والمناعة ومقاومة الأمراض تتكرر كل 23 يوما، والدورة العاطفية التي تؤثر في المزاج والاستقرار النفسي تستمر 28 يوما، أما الدورة العقلية المرتبطة بقدرتك على التعلم واتخاذ القرار فتستمر لمدة 23 يوما، وأخيرا اكتشف العلماء الدورة الحسية التي تستمر 38 يوما ولكل دورة منحنى يحدد متى تكون الدورة في أوجها ومتى تكون في أدنى مستوياتها، وفتحت المعاهد والمراكز المتخصصة لتحديد وقياس الدورات الثلاث لكل شخص لكي يستفيد من إيقاعه الحيوي كما أن هناك مواقع على الإنترنت تساعد على حساب دوراتك الثلاث بالاعتماد على تاريخ ميلادك ولكنها غير دقيقة لأن معرفة دورات كل شخص تعتمد على جمع البيانات لمدة معينة لكل فرد، مثلها في ذلك مثل تحديد ضغط الدم لكل شخص أو نسبة السكر، فهي لا تعرف من قياس مرة واحدة كما هو شائع وإنما بالمتابعة والقياس لفترة محددة.

ويرتبط الإيقاع الحيوي للإنسان بدورات وإيقاعات الطبيعة، مثل تعاقب الليل والنهار والفصول الأربعة ودورة القمر ونشاط الشمس، فالإنسان مثل بقية الكائنات واقع تحت تأثير هذه النجوم والكواكب لذلك تمر حياته بالعديد من التقلبات، فمن خلال المتابعة الدقيقة للشمس وجدوا أنها عندما تكون في قمة نشاطها تحدث انفجارات داخلها فتتسع البقعة الشمسية وتزداد العواصف المغناطيسية التي تؤثر تأثيرا خطيرا في حياتنا فتزداد الأوبئة وتكثر حالات الانتحار وحوادث الطرق، أما القمر فقد أثبتت دراسة أمريكية أن الجرائم والسرقات والقتل تكون في ذروتها عندما يكتمل القمر، أما الأوروبيون فيطلقون على القمر لقب (القابلة الكبرى).

نتيجة لتزايد حالات الولادة عندما يكون القمر بدرا كما اكتشف آخرون العلاقة الوثيقة بين قابلية المرأة للحمل وحالة القمر عند ولادتها هي واستخدموا دورة القمر كوسيلة لمنع الحمل ونجحت بشكل مذهل وبنسبة 98 في المائة، أي مثل فعالية حبوب منع الحمل!!

فكثير من الدول استغل هذه النظرية واستفاد منها في أماكن العمل مثل المناجم وفي المنافسات الرياضية والسائقين وأنتجت اليابان آلة حاسبة تقيس الإيقاع الحيوي اليومي.

انظر مدى الفائدة من معرفة واستغلال الإيقاعات الحيوية لسائقي الشاحنات والليموزينات وسائقي حافلات نقل المعلمات للمناطق النائية فكم ستقل الحوادث؟! وكذلك بالنسبة للرياضيين فكم ميدالية ذهبية سنحصل عليها!! آمل أن تقرأوا كلماتي هذه وأنتم في قمة إيقاعكم الذهني.