هل مايكل بورتر مُحِق في اعتبارنا مثالا سلبيا للاقتصادية التنافسية؟

حضرت أخيراً دورة تعتبر من أقوي وأصعب الدورات التي حضرتها وهي بعنوان (الاستراتيجية والقدرة التنافسية الاقتصادية للأمم) للمخضرم البروفيسور مايكل بورتر. ومايكل بورتر Michael Porter لمن لا يعرفه هو العميد الأعلى لجامعة وليام لورانس الملحقة بجامعة هارفارد للأعمال Harvard Business School، وهو يعتبر الأب الروحي ورائدا في مناهج الاستراتجيات الحديثة والاقتصاد التنافسي، له عدّة مؤلفات و مئات المقالات في الاستراتيجيات والاقتصادات التنافسية وصاحب منهج القوى الخمس للاقتصادات التنافسية. الدورة تمحورت حول دراسة القوى الخمس، الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي لـ 15 ملفا دوليا، صناعي اقتصادي يشرح كيف استطاعت بعض الدول والصناعات الرقي إلى مستوى التنافسية الدولية دون وجود موارد طبيعية حقيقية تساعد هذه الدول على الرقي لهذا المستوى التنافسي الدولي مثل سنغافورة، فنلندة، أستونيا، كوستاريكا وتشيلي. بعض الدعائم التي بُنيت عليها التنافسية في المقرر كانت ارتفاع مستوى التعليم، ارتفاع الدخل الفردي للطبقة العاملة المتعلّمة، عدل واستقلالية القضاء، انفتاح سوق المال واستجلاب الاستثمارات الأجنبية، وجود المنظومة الطبية المتكاملة، الانفتاح الجمركي وبالطبع وجود رخاء سياسي في ظل حكومة تؤمن بالتنمية الاقتصادية التنافسية والرقي بدولتهم إلى مصاف الدول الصناعية المنتجة والمنافسة.
في كثير من الأحيان ومن خلال شرح البروفيسور مايكل بورتر، كان لا أعلم عن قصد أو بغير قصد يتخّذ السعودية كمثال سلبي لمعظم ركائز الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي و القواعد الاقتصادية التنافسية. لم يكن هناك مجال للنقاش الحي وطبعاً من وازع الوطنية والحماس، جلست أستمع إلى الشرح كاتماً غيظي مستغرباً إصراره على استخدام السعودية كمثال سلبي، ومعتبراً أن الرجُل ربما كان يهذي بما ليس له به عِلم. كنت أعود إلى غرفتي في الفندق الملاصق للجامعة وأقوم بمراجعة المسودات والملاحظات التي كتبتها خلال الشرح, مع التركيز الشديد على منهج استخدام السعودية كمثال سلبي، وأقوم بمقارنة بعض الملاحظات مع ما يدور على أرض الواقع بالنسبة لاقتصاد بلادي. تدريجياً بدأت أعي أن هناك الكثير من الثغرات والمداخل التي بعد تحليلها نجد أن الرجُل ربما كان مُحقا في بعض الركائز الاقتصادية التنافسية التي أخفقنا في الرقي بها إلى مراحلها التقدمية التالية والمستقبلية. لنفكّر بعيداً عن استخراج النفط وبيعة كمورد خام من المعادلة، فهذا لا يُعتبر من ركائز الاقتصاديات التنافسية، كذلك الصناعات البتروكيماوية فجميعنا يعرف أننا نُصدّر هذه الصناعات كمورد خام إلى الدول الصناعية، يقومون هم بتصنيعها كمنتجات ومن ثم يبيعون هذه المنتجات لنا بأضعاف السعر الذي اشتروها به. بالنسبة لأرقام اقتصادية مثل نصيب دخل الفرد من الدخل القومي Gross National Income Per Capita، فنحن نقع في مركز عالمي لا نُحسد عليه ونقبع في المرتبة 57 عالمياً بينما تستحوذ قطر على المرتبة السادسة, والكويت في المرتبة العاشرة, والإمارات في المرتبة الـ 13, والبحرين في المرتبة 45, وتأتي عُمان قبلنا في المرتبة 56 (حسب إحصاءات 2009)، وبحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي لعام 2009 نتمركز في المرتبة 26 بين الدول من ناحية الناتج المحلي الإجمالي GDP ,هذا ونحن أكبر مصدّر للنفط في العالم. هذا إضافة إلى نِسب البطالة العالية، عدم الشفافية وسوء الاستراتيجيات في استجلاب الاستثمارات الأجنبية, وما إلى ذلك من إخفاقات اقتصادية. لوهلة أصابتني التناحة والتبّلد وكسل التفكير، فلماذا كُل هذا العناء؟ لماذا يجب علينا التركيز على هذه القوائم الاقتصادية، هل نحن بحاجة إلى أن يكون اقتصادنا تنافسيا؟ ما الفائدة المرجوة من أن نكون في مقدمة الدول بالنسبة إلى ركائز الاقتصاد الجزئي أو الاقتصاد الكلي أو القوى الخمس للاقتصاد التنافسي؟ فنحن بلد حباه الله ــــ عز وجل ــــ بالموارد الطبيعية الكثيرة. صحوت من التناحة وقمت بالتفكير من جديد عن الفائدة الحقيقية من تلك المنظومة التي وضعها البروفيسور مايكل بورتر للاستراتيجيات والاقتصاد التنافسي، بتفكيري البسيط وجدت أنها جميعها وبلا استثناء تصُب في مصلحة الفرد أولاً وأخيراً، فالفرد هو اللبنة الحقيقية التي تُبنى بها الاقتصادات التنافسية وليست الموارد الطبيعية، الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للفرد يزيد من إنتاجيته داخل المنظومة الاقتصادية، فهناك دول لا توجد فيها أي موارد طبيعية وربما قد تكون استغلت موقعها الجغرافي واستثمرت في تنمية الأفراد مثل (سنغافورة) التي سبقتنا بمراحل في تنافسية اقتصادها. حمدت الله أنه لم يكن هناك نقاش حي خلال العرض التقديمي والشرح، فلو كان النقاش مفتوحا، فربما من فرط حماسي وغيرتي أكون قد وضعني نفسي في موقع لا أُحسد عليه. عاد تفكيري المتكاسل ليقنعني بأنه بمجرّد ذكر البروفيسور بورتر لاقتصاد السعودية، فهذا في حد ذاته اعتراف منه بحجم الاقتصاد الكبير، لكن ينقصه الكثير من التركيز والعمل الجاد ليصبح اقتصادا استراتيجيا وتنافسيا لا يعتمد على البترول ومنتجاته لتكون المحرك الأساس للنمو والرقي بين الأقوام.
دعائي لكم بدوام الصحة والعافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي