التقدم التقني.. العباقرة تحت الكراسي ــ 1
كلمات ملؤها الضجر أو التعجب أو الاحتقار تُصفع بها وجوه أكثر عباقرتنا بين أُسرهم أحياناً وفي المدارس أو في الجامعات أحياناً أخرى .. و قد يستمر ذلك حتى بعد التحاقهم بأعمالهم!! ذلك أننا في العالم العربي لم نُحسن حتى الآن التعامل مع طبيعة هؤلاء العباقرة ربما كثيري الحركة، أو متشتتي التفكير، أو المنطوين على أنفسهم يغلفهم عمق التفكير مع حدة الذكاء مع شيء من الغباء الاجتماعي أحياناً كثيرة أو أحياناً كثرة الكلام أو التصرفات غير المألوفة، كما أننا لم نُحسن استثمار هؤلاء النوادر رغم أنهم أغلى من المعادن النفيسة فهم صُناع التاريخ الحقيقي ومصابيح المستقبل وثواره، سنوات من تاريخنا التعليمي لم يُؤخذ فيها ذوو الاحتياجات الخاصة في الاعتبار في قوافل التعليم العام أو الجامعي وفي مقدمتهم طبعاً العباقرة، نعم تم الانتباه لذلك في السنوات الأخيرة وباهتمام وبدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ــ حفظه الله ــ تم تأسيس ''مركز الملك عبد الله لرعاية الموهوبين'' وبدأت المؤتمرات السنوية التي تٌعنى بالموهبة والابتكار تتكرر على المستوى الوطني وعلى مستوى دول الخليج، كما زاد الاهتمام في الجامعات السعودية بتخصص التربية الخاصة والذي يضم ضمن تخصصاته تخصص ''موهبة وتفوق''، إضافة إلى أربعة تخصصات أخرى قد ترتبط معه بصورة أو بأخرى لا لمجرد الندرة، كما يعتقد البعض بل لأن كثيرين ممن حُرِموا نعمة السمع أو البصر أو لديهم بعض الاضطرابات السلوكية يعوضهم الخالق العظيم بقدرات خارقة تحتاج إلى اكتشاف وتعزيز، كما أن وزارة التربية والتعليم مشكورةً بدأت أيضاً تهتم بهذا التخصص بل وتمنح بعض المزايا الإضافية لرواتب المتخصصين فيه من منسوبيها وهذا شيء يبعث على التفاؤل وشيء من الارتياح.
جاء في ''ملف'' مجلة المعرفة السعودية في عددها لذي القعدة 1431هـ، الذي كتبه البروفيسور عمر هارون الخليفة (من السودان) مؤسس ''مشروع طائر السمبر'' بأنه بينما 90 في المائة من الأطفال يُولدون موهوبين ومبدعين فإنه بعد دخول المدرسة تستمر مواهب 10 في المائة فقط منهم، طبعاً هذا ليس في العالم العربي!! لأن نسبة 10 في المائة، في نظري كافية بأن تنتشل ضعفنا في الجوانب الإدارية والتقنية إلى جانب الإبداع العام والقوة، ويستمر الكاتب في توضيح أن ''جميع أطفال العالم'' .. ليس الغرب أو أمة بعينها دون الأخرى ''يُولدون ترافقهم الموهبة والذكاء إلا أن هذه الموهبة تتلاشى أو تموت على مشارف السابعة من العمر!''.
ختاماً، لن أُطيل في هذا المقال ليكون مقدمة لموضوع أكبر عن الإبداع والموهبة، ولكنني سأختمه بتساؤل: هل واءمنا بين استخدام كافة وسائل الكشف عن الموهوبين والعباقرة وبين تطوير بيئة تعليم تُراعي تلك الفروق الفردية بين الطلاب في تعليمهم وقياس قدراتهم؟ .. أقصد من لديه القدرة والتميز في الجانب العملي أو في المهارات السلوكية دون المعرفية .. أو العكس .. أو من لديه القدرة على التفكير العميق والاستنباط المتميز أو البحث المبهر دون أن يملك القدرة على الحفظ والاستذكار لعشرات الكتب في ليالي الامتحانات!! .. وفي ظل هذا النظام التعليمي الذي يُركز في قياس الطلاب على أسلوب الدراسة والاختبارات فقط .. ألا يوجد لدينا عباقرة يقبعون تحت الكراسي؟؟ ربما واحد فقط منهم يستطيع أن يغير مسار العالم تقنياً واجتماعياً، كما فعل إديسون '' Thomas Edison'' قديماً أو كما فعل بيل جيتس ''Bill Gates '' في العصر الحديث!!
ودمتم بخير وسعادة،،،