الخدم.. بين فوضى الاستقدام وثغرات النظام
خادمة تهرب .. وأخرى تسحر .. وثالثة تقتل، حتى اعتدنا سماع المثل الشعبي ''يا مِن شَرى له مِن حلاله عِله'' من كثير من أرباب البيوت بسبب مشكلات الخدم التي لا تنتهي، وأزعم أن بعض هؤلاء الخدم يُخالجه الشعور نفسه بل ربما أعظم، عمل الخادم أو الخادمة ـــ وإن نظر إليه البعض بازدراء واحتقار ـــ مهنة مشروعة لها معايير وضوابط يجب أن تُضبط بها وهي عقد بين طرفين لا بُد فيه من التراضي.. كما لا بُد أن يَحظى فيه كُل طرف بحقوقه ويقوم بواجباته.. كما يجب أن يتوافر فيه على الأقل الحد الأدنى من الاحترام المتبادل والرحمة وحفظ الكرامة، ولنا في رسول الهدى عليه الصلاة والسلام قُدوة حسنة، إذ لم ينهر أو يضرب خادما قط، ومن مِنا لا يعرف أنس بن مالك ـــ رضي الله عنه ـــ خادم رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وواحد من أشهر وأعظم رُواة الحديث الشريف، وما كان يَحظى به من مكانة عند سيده الكريم، رغم أننا في عصر الاتصالات والتقنية، وقد أصبح العالم كالقرية أو المدينة الواحدة، فلا يزال أسلوب الاستقدام متخلفا لدينا، لم يتغير منذ سنوات، فلا الأسرة تُتاح لها مقابلة الخادمة واختيارها أو معرفة الحد المطلوب عنها، ولا هي تعرف أي شيء عن تلك الأسرة وعدد أفرادها وطبيعتهم وطبيعة المنزل ومكان العمل هل هو في المدينة أم في قرية أم في خيمة في الربع الخالي!
إن مهنة الخادمة تتطلب عديدا من المهارات والمواصفات التي تختلف بحسب حجم الأسرة وعدد الأطفال وحجم المنزل ومكانه. فقد تجد خادمة لديها المهارة في التعامل بشكل تربوي رائع مع الأطفال، بينما لا تُطيق العمل في بيت فيه عدد من المراهقين. وفي المقابل، هناك من لديها الخبرة المميزة في القيام بواجبات المنزل المعتادة، لكنها لا تُحسِن التعامل مع الأطفال، وبين هذا وذاك قد تجد من تُتقن كل المهارات باقتدار، وهذه الحقائق التي لا بد من مراعاتها والتعامل معها بشكل جاد في موضوع الاستقدام تقتضي أن تتوافر المعلومات الضرورية عن كل طرف للآخر قبل إبرام العقد.. كما يجب بعد دراسة تلك المعلومات والموافقة عليها أن تكون هناك مقابلة عمل بين الخادمة ورب أو ربة الأسرة التي ستعمل لديهم، فقد لا يتوافر الارتياح الذي يخلق مناخ عمل صحي وآمن بينهم، فالأرواح كما جاء في الحديث عن النبي ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ ''جنودٌ مجندةٌ ما اجتمع منها ائتلف وما تناكر اختلف''.
ختاماً، إن تنظيم الاستقدام للخدم أمر سهل ويسير، وضرورة ملحة يتطلبها أمن الأسرة وأمن الوطن، وتتطلبها حقوق الإنسان التي تكفل له حق الرضا في العمل وتحفظ له كرامته الإنسانية، فالخادمة إما أن تكون فردا من الأسرة تحبها وتحرص عليها.. أو تكون خطرا يتهددها ويتربص بها، وهنا يمكن لوزارة العمل إما أن تُوقف تأشيرات الخدم للأفراد وتُصرح لشركات استقدام كبرى بذلك وتتيح للأسر بعد ذلك استئجار الخدم من تلك الشركات بعد مقابلتهم واختيارهم بالرواتب الحالية نفسها مع دفع رسوم معقولة للخِدمة، وإما أن يظل الوضع كما هو مع تنظيم المكاتب وإجبارهم على توفير البيانات المطلوبة لطرفي العمل مسبقاً وعمل المقابلة بينهم عبر الإنترنت ''أونلاين'' بأجهزة شخصية أو من خلال غُرف مُعدة في تلك المكاتب ومكاتب وكلائهم لهذا الأمر Video Conference.
ودمتم بخير وسعادة.