الوساطة في حل نزاعات التأمين
يُعد اللجوء إلى الوسيط ممارسة مألوفة في صناعة التأمين سواء بالنسبة لشركة التأمين أو العميل، ولكن الفرق بين الاثنين هو أن العميل غالباً ما يلجأ إلى الوسيط لإبرام وثيقة التأمين، أما شركة التأمين فتلجأ إلى الوسيط في حال حصول خلاف مع العميل بعد إبرام التأمين. والوسيط في الحالتين ليس واحداً، بل يختلف الوسيط المهني الذي يكون دوره مساعدة الشركة والعميل للوصول إلى إبرام وثيقة التأمين عن الوسيط الذي يكون دوره الوصول إلى حل ودي بين شركة التأمين وعميلها في حال حصول بوادر خلاف بينهما حول تغطية الضرر المؤمن عنه.
والوساطة في حل نزاعات التأمين هي حل مثالي لأنها تقود الطرفين إلى الوصول إلى حلول ودية وتعويض المتضرر بأسرع وقت ممكن بعيداً عن التناحر في أروقة القضاء، والحفاظ كذلك على العلاقة الودية بين الشركة وعميلها وضمان استمراريتها معه. وأنا هنا أتكلم تحديداً عن دور الوسيط في النزاعات المالية الكبيرة بين شركات التأمين وعملائها أو ما أُصطُلح على تسميتها لدينا في المملكة بالمطالبات الكبيرة.
وفي الحقيقة فإن الوسيط يمكن أن يلعب دوراً مهماً لنزع فتيل أي خلاف بين شركة التأمين وعميلها، وبالتالي التخفيف من الأعباء التي تعانيها الجهات القضائية التي تختص بالنظر في نزاعات التأمين. ولهذا فإن غالبية تشريعات التأمين في الغرب تعزز دور الوساطة في التأمين وتفرد لها أحكاماً خاصة، ومن هذه التشريعات ما يجعل اللجوء إلى الوساطة إجراء إلزامياً وأولياً قبل أن ينظر القضاء في النزاع الحاصل بين شركة التأمين وعميلها.
وعند حصول بوادر خلاف بين شركة التأمين وعميلها، فإن شركة التأمين في الغالب هي من يقوم بتعيين وسيط للتقريب بين وجهة نظرها ووجهة نظر عميلها. وعادة ما يكون هذا الوسيط أحد مديري شركات التأمين الأخرى، أو من المتخصصين في التأمين الموثوق بهم كأساتذة الجامعات أو القضاة المتقاعدين وغيرهم ممن هم موضوع ثقة بالنسبة لشركة التأمين وعميلها. والوساطة تكون عملية مثمرة خصوصاً إذا كان الخلاف متمحوراً حول بعض العبارات ذات المدلولات غير المحددة أو الفضفاضة التي تتضمنها وثيقة التأمين، كأن تحتمل أكثر من تفسير، أو أن الخلاف يتمحور حول مدى تقدير قيمة بعض الوقائع التي تؤثر في حقوق العميل، أو حول بعض بنود وثيقة التأمين وما إلى ذلك.
ومن شأن الوساطة إذا تمت بطريقة مُثلى أن تجنب الأطراف كذلك المصروفات المترتبة على رفع الدعوى أمام الجهات القضائية المختصة. وشركات التأمين تعد الوساطة شأناً داخلياً، ولذلك فهي لا تُفصح في الغالب عن النزاعات التي تطلبت تدخل الوسطاء إلا بعد وصول القضية إلى أروقة القضاء، وعند ذلك يمكن القول بأن الوساطة لم تُؤت ثمارها، ومع ذلك فلا يمكن أن يكون هذا دليلاً على عدم فاعلية الوساطة. فكم من قضية حسمت عن طريق الوسيط دون أن نعلم بها ودون أن تصل إلى القاضي لترهق فكره وتزاحم عناصر أجندته.
ومع أهمية دور الوسيط فإن العميل مع ذلك غير ملزم بقبول الحلول التي يقدمها له هذا الوسيط، بل وبإمكانه رفع الأمر إلى القضاء متى ما رأى أن ذلك مناسباً له. وبالنسبة للأثر القانوني المترتب على عملية الوساطة فإنه إذا تم الوصول إلى حل عن طريق الوسيط وحظِيَ هذا الحل بقبول شركة التأمين وعميلها، فإنه يتم توثيق ذلك قانوناً، ويصبح ملزماً للطرفين. ولكي تؤدي الوساطة الدور المأمول منها في حل نزاعات التأمين في المملكة فإنه من المناسب أن يتم الاعتراف بدور الوساطة نظاماً، وأن يتم وضع الأحكام اللازمة لها، وأن يتم تشجيع الإطراف على اللجوء إليها، والاعتراف بالنتائج التي تفضي إليها هذه الوساطة.