«الأسواق الشعبية» في الباحة تحتفظ بالتراث .. وتزدحم بالزوار

ما زالت الأسواق الشعبية في منطقة الباحة تواصل انعقادها الأسبوعي في ظل ازدياد مرتاديها وزوارها الذين يفضلون المنتجات المحلية، المعروفة عند أهالي المنطقة باسم "منتجات الديرة"، رغم تنوع المعروضات من السلع الأجنبية المنافسة.
ويعود السبب الرئيسي بحسب ما أوردته "واس" لكثرة مرتادي هذه الأسواق إلى الوفرة الكبيرة من البضائع التي تباع فيها، كونها أصبحت أسواقاً للجملة, علاوة على أن البيع فيها يخضع للعرض والطلب، الأمر الذي يجعل الأسعار في متناول الجميع، كما أن ندرة معظم منتجات هذه الأسواق وخاصة الطيور والحمام وبعض الحيوانات الأخرى التي يتم اصطيادها في أودية وجبال المنطقة، عامل آخر يجذب المتسوقين.
ويبرز في الأسواق الشعبية في الباحة العديد من المنتجات المحلية مثل: الخوص والملابس وأدوات الزراعة والأدوات المنزلية إلى جانب الحبوب والتمور والعسل والبن واللوز والفواكه المنتجة من مزارع المنطقة كالرمان والموز والعنب والمشمش والتفاح والخوخ, فضلاً عن بيع الأبقار والأغنام والطيور وغيرها.
وبالعودة إلى نشأة الأسواق الشعبية في المنطقة، فقد بدأت في ظل نظام اجتماعي تحرص فيه كل قبيلة على إنشاء سوق خاصة بها، الأمر الذي جعلها في ازدياد حتى وصلت إلى أكثر من عشرين سوقاً، توزعت في مختلف أيام الأسبوع وعلى قطاعات المنطقة في السراة وتهامة والبادية كافة.

#2#

وكانت السوق تنعقد يوم السبت في كل من محافظتي بلجرشي والمندق وقرى الغشامرة والنقعاء والرومي والجرداء، ويوم الأحد لقرى رغدان وبني كبير ووادي نيرا ووادي دوقة والحجرة, ويوم الإثنين كان لقرى بني سالم وغامد الزناد ووادي يبس , بينما كان يوم الثلاثاء لمحافظة قلوة وقرى الحميد والظفير وآل نعمة , والأربعاء لمحافظتي القرى والمخواة وربوع قريش وربوع الصفح, والخميس لمدينة الباحة وقريتي برحرح والشعراء والجمعة لمحافظة العقيق.
ويعد قيام الأسواق الأسبوعية مناسباً لطبيعة المجتمع في منطقة الباحة حيث يتيح للمزارع والراعي اختيار السوق التي يشاء في أي يوم حسب ما يسمح له وقته الذي يقضي معظمه في الزراعة والرعي، وعادة ما تبدأ حركة البيع والشراء في هذه الأسواق من بعد صلاة الفجر مباشرة وتستمر بحسب قوة البيع والشراء في السوق نفسها فمنها ما يغلق مبكراً ومنها ما يستمر حتى صلاة العصر, وتشكل منتجات الحبوب السلعة الرئيسية في الأسواق كالقمح والذرة والدخن .
ومن أبرز الوظائف التي أدتها هذه الأسواق في الماضي "الوظيفة الإعلامية"، حيث إنه في ظل غياب وسائل الإعلام المختلفة وصعوبة التنقل عبر وسائل النقل التقليدية كان يوم انعقاد السوق يتيح فرصة لتجمع أعداد كبيرة من الناس من قرى مختلفة ومتباعدة ويتيح مجالاً للسؤال عن الأحوال والأقرباء والأمطار وغيرها ، كما كانت السوق تستغل في تبليغ واستقبال رسائل شفهية عن زواج أو عودة أو مناسبة أو تحديد موعد لإجراء صلح بين أطراف مختلفة.
وما زالت هذه الأسواق أو بعضها تحتفظ بجزء من تراثها القديم كالمحال القديمة التي أقيمت على أطراف السوق وبعض حصون المراقبة التي عادة ما تتوسط هذه الأسواق لحماية مرتاديها وكذا مكاييل الحبوب المصنوعة من الخشب المعروفة بالمد والنصف والربع والشطره , إلا أن تنظيم الأسواق أخذ في التغير خاصة مع تزايد السكان والمعروضات والتطور الذي حصل للمواصلات حيث إن بعض الأسواق لم يعد يضم كل الباعة في مكان واحد وإنما أصبحن هناك أماكن متباعدة نسبياً ومتخصصة , فيوجد هناك مكان لبيع الأغنام والماشية ومكان لبيع الأعلاف ومكان آخر لبيع بضائع متنوعة. والزائر للوهلة الأولى في الأسواق الشعبية في المنطقة يجد العديد من الأمور التي تجذبه للشراء خاصة حين يرى بعض الحرفيين وهم يؤدون عملهم في الصناعات التقليدية المختلفة, وحينما يشتم رائحة الكادي والريحان والروائح الأخرى العبقة للفواكه ومختلف منتجات السوق التي تعيده للماضي العريق لأهل منطقة الباحة.