هل إسرائيل دولة ضعيفة أم قوية؟

تبدو إسرائيل دولة مهابة الجانب، قوية، يخشاها جيرانها العرب لا بل العالم أجمع لدرجة أن البعض يرى فيها قوة خارقة قهرها صعب المنال، إن لم يكن مستحيلا.
وللوهلة الأولى تبدو أن هذه النظرة صحيحة، فإسرائيل دولة عساكر. وجودها ومستقبلها قائم على القوة والتفوق العسكري وما يتبعهما من غرور. ولهذا فإنها لو استطاعت لبطشت بمن تراه عدوا لها وجعلته عبرة للعالمين.
وهذا الموقف، ومع الأسف الشديد، ينطلي على كثير من العرب والمسلمين، هناك تصور بأن إسرائيل وجدت لتبقى وأن مقاومة هذا الوجود بشكله التعسفي والاستعماري وغير الإنساني الذي تمثله الآن لا طائل منه.
وقد يكون في هذا الموقف بعض المنطق. المحاولات السابقة من حروب ومقاومات باءت بالفشل الذريع، ولا سيما التي قادتها الأنظمة. ومحاولة ثني العالم الغربي الذي يمسك حتى الآن بناصية العلم والتفوق العسكري الهائل عن دعمه غير المحدود وغير المتناهي لإسرائيل لن تنجح لأن هذا العالم يرى في إسرائيل خط الدفاع الأول ضد ما يسميه الزحف الإسلامي صوب الغرب، إن سقط هذا الخط لسقطت كل الخطوط، على حدّ تعبيرهم.
هذه المفاهيم وغيرها القريب منها نقرأها ونسمعها تقريبا كل يوم، ولكن هل فكرنا مليا في مدى صحتها، في اللحظة التي نجمع حواسنا، ونحاول الاستدلال من خلال عقلنا، تنقلب كل هذه المعادلات على عقب وتظهر إسرائيل على حقيقتها التي غالبا ما نخشى البوح بها.
حقيقة إسرائيل أنها أضعف دولة على وجه الأرض، وإنها من الضعف، حيث تخشى على وجودها ليل نهار. ولا يغرنكم ذلك. الخشية ليس مردها قوة ومكانة الدول العربية. قوة إسرائيل نابعة ومتأصلة في المعادلة التي خلقتها هذه الدول في إدارة هذا الصراع.
ضعف الدول العربية وأنظمتها جعل من إسرائيل دولة مهابة الجانب، دولة لا تقهر. القوة نسبية. فمصر، مثلا، قوية جدا بالنسبة إلى الصومال، وإيران دولة لا تقهر مقارنة بعراق اليوم. العراق والصومال دولتان ضعيفتان جدا بالنسبة إلى مصر وإيران. وبهذا المنظار أنا أنظر إلى إسرائيل. قوة إسرائيل وتحولها إلى بعبع في المنطقة يستند أولا وأخيرا على ضعف الدول والأنظمة العربية. والنظم الضعيفة تفتقد المقدرة على التصرف الصحيح تجاه الأقوياء. الضعف يؤدي إلى توجيه كل مقدرات البلد صوب الاحتفاظ بالوضع الحالي والخوف من خروج الوضع الداخلي عن السيطرة.
وهذا الوضع المأساوي يجعل من الاستكانة وقبول الوضع الحالي هدفا ووسيلة في آن واحد، وأكثر ما تخشاه إسرائيل وأربابها الذين يرون في وجودها صونا لهم هو نهضة عربية وإسلامية تنفض عن كاهل العرب والمسلمين غبار الوضع الحالي، كما حدث في تركيا. وأكثر ما تخشاه إسرائيل هو أن تنطلق الطاقة العربية والإسلامية الخلاقة النابعة من صلب الرسالة والكتاب المعجزة، الذكر الحكيم. ألم يمرّغ مقاومون حفاة في العراق وأفغانستان وغزة وجنوب لبنان أنف الغزاة والطغاة في التراب؟
بالطبع ستبقى إسرائيل قوية ما دامت الأنظمة العربية والإسلامية ضعيفة، ضعيفة لدرجة أن بعضها يساند ويهادن الغزاة لا بل يرى فيهم أصدقاء. وهكذا أصبح العرب والمسلمون في وضع لا يستطيعون فيه إجراء الغربلة الصحيحة لمن هو العدو ومن هو الصديق. هل الذي يغزو العراق مستندا على الكذب والرياء والنفاق صديق؟ هل يمكن أن تتحول إسرائيل يوما إلى صديق؟ أسئلة صار من الصعب على المواطن العربي والمسلم غربلتها والإجابة عليها. هذا الوضع يجعل إسرائيل قوية. وإن سألتني أقول: إنها أضعف دولة على وجه الأرض، وللحديث عن ضعفها صلة.

وإلى اللقاء

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي