توقعات بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الخليجي إلى 4.2 % في 2010
أبدى الاقتصاد العالمي دلائل انتعاش في عام 2010 بعدما تعرض له من تراجع حاد في عام 2009، بيد أن هذا التعافي يأتي مدفوعاً بصفة أساسية من قبل الأسواق الناشئة. ومن المؤكد أن معظم الاقتصادات المتقدمة تجاوزت فنياً الانكماش الاقتصادي خلال النصف الثاني من عام 2009، إلا أنها لا تزال تعتمد في انتعاشها على السياسات النقدية الميسرة والحوافز المالية. وتتمثل التحديات الأساسية التي تجابه هذه الدول في: أولاً، الجدل المستمر حول التوقيت الملائم والوتيرة المناسبة لتقليص السياسات المالية والنقدية، ثانياً، تعاظم عبء الدين العام، ثالثاً، المستويات المتدنية للإنفاق الاستهلاكي. وعلى النقيض من ذلك، كان عام 2009 مميزاً لعديد من الاقتصادات الناشئة والنامية، وأبرزها الآسيوية والبرازيل. وفي إصدارة صندوق النقد الدولي في تموز (يوليو) لأحدث المستجدات على صعيد آفاق الاقتصاد العالمي، رفع الصندوق تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي للعالم من 4.2 في المائة إلى 4.6 في المائة في عام 2010. أما توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2011، فلم يطرأ عليها تغيير وظلت عند مستوى 4.3 في المائة، وتعكس هذه الاستقراءات استمرارية حالة عدم التيقن، مع احتمال تلاشي تأثير العوامل المحركة للانتعاش الراهن والمستحث في السياسات النقدية والمالية بعد سحبها خلال العامين الحالي والمقبل.
لا شك أنه قد تضاءلت بقدر ملحوظ المخاوف إزاء انهيار النظام المالي، وبنهاية عام 2009، استردت معظم أسواق النقد ورأس المال عافيتها، مستعيدة جزءا كبيرا مما تكبدته من خسائر في عام 2008. وعلى صعيد الأسهم، كان عام 2009 عاماً جيداً، حيث حققت بعض المؤشرات الوطنية الرئيسية ارتفاعاً تجاوز في بعض الحالات ما تكبدته من خسائر في عام 2008، بيد أن الأداء الاستثنائي كان من نصيب الأسواق الناشئة، التي لا تزال الأفضل من حيث الأصول في عام 2010. إضافة إلى ذلك، واصلت هوامش أسعار الفائدة فيما بين البنوك هبوطها متماشية مع تراجع المخاطر، ومعوضة الارتفاع الذي حدث في عام 2008 بالكامل، مما يشير إلى الاستقرار النسبي للأسواق المالية.
كما ظلت السياسات النقدية الميسرة بقدر كبير خلال عام 2009 بأكمله مخـففة الضغوط على الأسواق المالية؛ إلا أن التدخل الحكومي المكثف أثار جدلاً مثيراً للاهتمام يتعلق بتوقيت سحب العمل بالترتيبات الاضطرارية. وتركزت المخاوف على احتمال لجوء السلطات المالية في الأسواق المتقدمة إلى خروج سابق للأوان، مما قد ينتج عنه انكماش اقتصادي مزدوج، وأيضا إذا ما تأخر صناع السياسات في الأسواق الناشئة في سحب برامج التحفيز، إذ إنه من الممكن أن تثـير فقاعات الأصول أزمة مستقبلية.
غير أنه منذ بداية عام 2010، بدأت تظهر على السطح دلائل انفراج، وتمثلت أساساً في: أولاً، قرارات السياسات النقدية التي صدرت عن أستراليا والبرازيل والهند وماليزيا، عاكسة أسعار الفائدة الأساسية فيها إلى الأعلى بمعدلات في مدى 25 ـــ 200 نقطة أساسية، ثانياً، الصين ترفع متطلبات الاحتياطيات النقدية لدى البنوك إلى 17 في المائة، مسجلة الزيادة الثالثة خلال هذا العام. وفيما يبدو فإن الاقتصادات الآسيوية ستواصل تولي دور الريادة في تشديد السياسات النقدية، مرتكزة إلى دلائل تشير إلى استمرار الانتعاش الاقتصادي.
أما فيما يخص أسواق النفط، فقد واصلت أسعار النفط الخام التذبذب وإن كان في نطاق أضيق، حيث أنهت الأسعار الفورية العام الماضي عند مستوى 80 دولارا للبرميل بعد أن لامست مستوىً متدنيا بلغ 32.70 دولار للبرميل في نهاية كانون الثاني (يناير) من عام 2009. ولقد واصل الطلب العالمي على النفط نموه على أساس سنوي منذ الربع الرابع من 2009. وتبدو أساسيات سوق النفط منتعشة بفضل ارتفاع الطلب للأسواق الناشئة. وبناء على ذلك، رفعت وكالة الطاقة الدولية تنبؤاتها للطلب على النفط بمقدار 2.1 في المائة عن مستويات عام 2009، مما سيرفع متوسط الطلب إلى 86.5 مليون برميل يومياً، مشيرة إلى أن هذا النمو سيأتي بأكمله من الأسواق الناشئة.
وعلى صعيد العرض، أخذت وطأة مقيدات جانب العرض تنخفض نتيجة لمجموعة من العوامل، أهمها تراجع التزام الدول الأعضاء في ''أوبك'' والمقيدين بحصص إنتاج محددة، حيث قارب عدم الالتزام مستوى 50 في المائة في تموز (يوليو) من هذا العام عندما تم ضخ 2.11 مليون برميل يومياً، إضافة إلى الحصص المقررة. وستبقى هذه العوامل في جانبي الطلب والعرض محافظة على مستويات الأسعار الحالية التي ينظر إليها باعتبارها منصفة من قبل أعضاء أوبك. ولذا نتوقع أن تبقى أسعار النفط عند متوسط 70 إلى 80 دولارا للبرميل في النصف الثاني من عام 2010، وأن ترتفع لتراوح بين 75 و85 دولارا للبرميل في عام 2011.
وانعكاساً لتطورات أسواق النفط، سجل اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2009 أدنى معدل نمو منذ عام 2002، إذ لم يكن بمنأى عن الأزمة المالية الدولية، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 1.05 تريليون دولار في عام 2008 إلى 849 مليار دولار في عام 2009، وذلك بسبب: أولاً، التراجع الكبير في مساهمة قطاع النفط نتيجة انخفاض مستوى الإنتاج وكذلك الأسعار، ثانياً، تقلص التمويل الأجنبي، وثالثاً، تدني الاستهلاك والاستثمار الخاص. ولقد انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 7 في المائة في عام 2008 إلى 0.3 في المائة في عام 2009. غير أن معدلات النمو تباينت بين دول المجلس، ففي الوقت الذي نما فيه الاقتصاد القطري بنحو 8.6 في المائة وكذلك عمان والبحرين بنحو 3 في المائة لكل منهما، فإن الاقتصاد السعودي حقق نمواً ضعيفاً بنحو 0.6 في المائة، بينما انكمش في كل من الإمارات والكويت بنحو 1.6 في المائة و2.4 في المائة على التوالي. بيد أن آفاق النمو الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2010 تحسنت بقدر كبير مع التوجه نحو استقرار الاقتصاد العالمي ومعاودته النمو. وقد اكتسب الاقتصاد الخليجي انتعاشه من خلال ثلاث قنوات: أولاً، ارتفاع أسعار النفط الذي أدى إلى زيادة الإيرادات الحكومية، ثانياً، تحسن الطلب العالمي على النفط الذي دفع بعض المنتجين بما فيهم دول المجلس بعدم الالتزام بالحسومات التي حددتها ''أوبك'' في حصص الإنتاج، ثالثاً، عودة تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى دول المجلس واستئناف الائتمان للقطاع الخاص، مما سوف يعزز نشاط القطاعات غير النفطية. لذا من المتوقع أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى نحو 4.2 في المائة في عام 2010، ثم إلى 4.6 في المائة في عام 2011، إذ سوف يرفد النمو في قطاع النفط المساهمة الإيجابية للقطاعات غير النفطية في النمو الكلي للاقتصاد الخليجي.
ومن المتوقع أن يكون إنتاج النفط الخام لدول المجلس قد ارتفع بمتوسط 350 ألف برميل يومياً، ليصل إلى 14.65 مليون برميل يومياً لعام 2010، مما سيزيد الناتج المحلي الحقيقي لقطاع النفط بمعدل 2.3 في المائة في عام 2010. وإلى جانب الزيادة في الإنتاج، فإن المتوسط المرجح لأسعار النفط العربي الخفيف قد ارتفع من 59.2 دولار للبرميل في عام 2009 إلى نحو 75 دولارا للبرميل في عام 2010، ولذا فمن المتوقع أن ترتفع الإيرادات النفطية بمعدل 38 في المائة. كما أنه من المتوقع أن يبقى إسهام قطاع النفط في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي موجباً وإن كان متواضعاً في عام 2011، خاصة بالنظر إلى أنه من غير المتوقع أن يتجاوز إنتاج النفط الخام لدول المجلس مستوى 15 مليون برميل يومياً.
إلا أنه مع عودة النشاط الاقتصادي، عاود التضخم صعوده بعد أن انخفض خلال العام الماضي، ليبلغ 2.8 في المائة في أبو ظبي و0.4 في المائة في دبي في تموز (يوليو) 2010؛ أما في المملكة العربية السعودية فقد بلغ 5.5 في المائة على أساس سنوي بنهاية الربع الثاني من العام الحالي. وعلى كلٍّ، تبقى هذه المستويات أدنى من أعلى ذروة لها حينما راوحت معدلات التضخم بين 10 و12 في المائة على أساس سنوي في تموز (يوليو) من عام 2008. وتشير التقديرات إلى أن أسعار السلع عالمياً ستواصل ارتفاعها في عام 2010، وأن الدولار الأمريكي قد يحافظ على قوته مقابل العملات الرئيسية، ولذا من المتوقع أن تستمر الضغوط التضخمية وبتفاوت بين دول المجلس، إلا أنها ستكون في نطاق محدود، ليبلغ متوسط معدل التضخم نحو 3 في المائة في هذا العام، وليرتفع إلى 3.5 في المائة عام 2011.
وفيما يخص ميزاني الحساب الجاري والمالي فقد انخفضا خلال العام الماضي نتيجة لتراجع إيرادات النفط. وأدى الهبوط الحاد في أسعار النفط والتخفيض الكبير في إنتاج النفط الخام إلى تراجع فائض الميزان الجاري من 258 مليار دولار في عام 2008 إلى 47 مليار دولار في عام 2009. غير أنه في ظل ارتفاع أسعار النفط وكذلك مستويات الإنتاج، فإنه من المتوقع أن يرتفع فائض ميزان الحساب الجاري إلى نحو 125 مليار دولار في عام 2010، وإلى 160 مليار دولار في عام 2011.
كما أنه من المتوقع أن يساير الميزان المالي الارتفاع في الميزان التجاري، مستفيداً كثيراً من زيادة الإيرادات النفطية, والارتفاع الطفيف في الدخل على الأصول الخارجية الرسمية، وكذلك زيادة الرسوم الحكومية بما يتماشى مع تحسن الأداء الاقتصادي للعام الحالي وللعام المقبل. ولذا فإنه من المرجح أن تتجاوز النفقات الحكومية الفعلية تلك المرصودة في الميزانيات، الأمر الذي سيعكس استمرار الحكومات الخليجية في انتهاج سياسات مالية توسعية في سبيل دعم الانتعاش الاقتصادي، خصوصاً في ظل حالة عدم التيقن التي لا تزال تكتنف وتيرة الانتعاش الاقتصادي العالمي. إلا أن تركيز موازنات دول المجلس سيبقى خلال السنوات المقبلة منصباً على الإنفاق الرأسمالي، الذي سيكون له الأثر الإيجابي في أداء الاقتصادات الخليجية ليس على المدى القصير فحسب، بل أيضاً على المدى المتوسط والبعيد.
وفي ظل هذه التطورات، أصبحت السياسة النقدية لدول المجلس أكثر يسراً في إدارتها مقارنة بأيام ذروة الأزمة المالية العالمية. إن وفرة السيولة، وتدنى أسعار الفائدة فيما بين البنوك، مكنّا البنوك المركزية من وقف العمل بالأدوات النقدية غير التقليدية التي بدأ استخدامها منذ عام 2008. ومن الواضح أن السيولة وأسعار الفائدة فيما بين البنوك أثرا على قرارات البنوك المركزية، مع انخفاض تكاليف الإقراض بالعملة المحلية، حيث راوح متوسط سعر الفائدة فيما بين البنوك لمدة ثلاثة أشهر في مدى 40 ـــ 60 نقطة أساسية. ولذا فإن آفاق السياسة النقدية على المدى المتوسط ستماثل الدينامكيات الراهنة، بيد أن البنوك المركزية الخليجية أصبحت أكثر وعياً بأن مثل هذا التحسن في السيولة يمكن أن يكون سلاحاً ذا حدين بوسعه أن يذكي نار الضغوط التضخمية.
وبالنظر إلى طبيعة الارتباط الوثيق للسياسة النقدية لدول الخليج بتلك الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، فلا يوجد سوى احتمال ضعيف بأن نشهد تحركا أحاديا من جانب البنوك المركزية الخليجية، خصوصاً أن توقع صعود أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يبقى ضئيلاً. غير أن مصدر الخطر الأساسي في حاجة البنوك المركزية الخليجية إلى تشديد سياستها النقدية قد يأتي إذا حدث ارتفاع مفاجئ في نشاطات الإقراض. ورغم أن هذا السيناريو معقول في ظاهره، إلا أن تغيير أسعار الفائدة لن يكون خياراً متاحاً، طالما أنه بإمكان البنوك المركزية الخليجية أن تلجأ إلى أدوات أخرى متوافرة بين أيديها، وتحديداً: أولاً، زيادة متطلبات الاحتياطي النظامي على الودائع، ثانياً، رفع سقف إصدار أذونات الخزانة كأداة فعالة لسحب السيولة على المدى القصير. وخلاصة الأمر، فإنه من غير المتوقع أن يتم تغيير أسعار الفائدة لهذا العام والعام المقبل.
إنه رغم الدعم من قبل البنوك المركزية، إلا أن القطاع المصرفي الخليجي شهد تراجعاً في الأرباح لسنة ثانية، متأثراً بمخصصات مرتفعة لمستويات غير مسبوقة ونمو ضعيف في الدخل الأساسي. وسجل العائد على حقوق الملكية أدنى مستوى له منذ سنوات، إذ وصل إلى 8 في المائة بالنسبة للكويت والبحرين، و12 في المائة في الإمارات، و14 في المائة في عمان، في حين وصل إلى 18 في المائة في المملكة العربية السعودية، بالمقارنة بمتوسط مستوياته التي بلغت 26 في المائة في عام 2007 و23 في المائة في عام 2008. وفي حين شكلت مخصصات الاستثمار أمراً مهماً في عام 2008، فقد تحول هذا الأمر في نهاية عام 2009 إلى مخصصات الائتمان، التي يبررها الارتفاع الكبير في نسبة القروض المتعثرة التي راوحت بين 4 في المائة و6 في المائة للقطاعات المصرفية الخليجية. إضافة إلى ذلك، فقد تباطأ الدخل الأساسي للبنوك، الذي يعتمد على صافي دخل العمولات الخاصة، نتيجة لتراجع الائتمان المصرفي.
وفي ظل أجواء الحذر، واصلت القطاعات المصرفية بناء رساميل احترازية كبيرة لمواجهة أي انخفاض غير متوقع في قيمة أصولها، حيث سجلت نسب كفاية رأس المال 19 في المائة في الإمارات و16.4 في المائة في المملكة العربية السعودية. إن البنوك الخليجية قاربت نهاية دورة إعادة التقييم وتوفير الاحتياطيات، خصوصاً أن معظم البنوك تمكنت نسبياً من تنظيف محافظها وحسنت من منهجياتها لتقييم مخاطر الائتمان. ولذا فإن وضع البنوك الوافرة بالسيولة سوف يتيح لها فرصا تمويليةً، خاصةً أن تعاملات تمويل المشاريع بدأت تعاود الاتجاه إلى الائتمان التقليدي، الذي بوسعه أن يوفر دفعة قوية لرفع مستويات الربحية في عام 2011 وما بعده.
أما أسواق الأسهم لدول مجلس التعاون الخليجي فإنها لم تتمكن من مواصلة رحلة التعافي من آثار الأزمة المالية؛ فبعد أدائها المتميز خلال الربع الأول للعام الحالي، عانت من خسائر قاسية في الربع الثاني أفقدتها جميع المكاسب التي حققتها منذ بداية العام. ومن أهم العوامل التي أثرت سلباً على أسواق الأسهم الخليجية: أولاً، أزمة الديون السيادية بمنطقة جنوب اليورو وتبعاتها. ولكن الذي يسترعي الاهتمام أن رد فعل الأسواق الخليجية كان أعنف بشكل واضح من الأسواق الأوروبية. ويشير هذا إلى القلق النفسي للمتداولين بعد الفترة الصعبة التي عانتها أسواق الأسهم الخليجية أثناء الأزمة المالية العالمية قبل أن تبدأ تحسنها مع قرب نهاية عام 2009. ثانياً، التذبذب في أسعار النفط، إذ هبطت خلال تلك الفترة دون مستوى 70 دولارا للبرميل، وأثار ذلك حالة من التشاؤم بين المتداولين. ثالثاً، كان لأزمة ديون مجموعة دبي العالمية دور في تحديد مسار مؤشري سوقي الإمارات وإن كان سوق دبي المالي هو الأكثر تأثراً. ورغم التحسن الطفيف في تموز (يوليو) لهذه الأسواق، إلا أنها عاودت تذبذبها مع حركة أسعار النفط. وباستثناء سوق الأسهم القطرية، فإن بقية الأسواق الخليجية ما زالت مؤشراتها دون مستوى بداية العام.
من ناحية نشاط التداول، فقد تراجع بشكل واضح مقارنة بالنصف الأول من عام 2009 لجميع الأسواق سواء على صعيد كمية أو قيمة التداول. ويعزى هذا التراجع أولاً، إلى الخسائر التي مني بها كثير من المستثمرين خلال العام الماضي، التي تسببت في الحد من السيولة المتاحة لهم للتعامل في الأسواق. ثانياً، تقلبات الأسواق أدت إلى زيادة حذر المتداولين الذين أصبحت ردود فعلهم أكثر تأنياً في حالة توافر فرص شرائية واتسمت طبيعة التداولات بعملية الشراء الانتقائية والمضاربات السريعة من جهة، وعمليات جني الأرباح من جهة أخرى.
أما من ناحية الربحية، فقد حققت جميع الشركات المدرجة في سوق الأسهم الخليجية تراجعاً بنسبة 7 في المائة للربع الثاني على أساس سنوي، ليصل إلى 10.7 مليار دولار؛ وفي حين ارتفعت ربحية سوقي الأسهم البحرينية والسعودية بنسبة 30 في المائة و25 في المائة على التوالي، تراجعت ربحية السوق الكويتية بنسبة 44 في المائة، والسوق الإماراتية أيضاً تراجعت ربحيتها بنسبة 36 في المائة للربع الثاني على أساس سنوي. ومن المتوقع أن تبقى الأسواق الخليجية متذبذبة نسبياً في المدى القصير وبأحجام سيولة محدودة نوعاً ما، في انتظار أية مؤشرات إيجابية بالنسبة للاقتصاد العالمي.
وبالنسبة لسوق الصكوك، فقد استعادت سوق الصكوك العالمية موقعها خلال العام الماضي بعد أن تضررت من جراء الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مسجلة زيادة بمعدل 36 في المائة على أساس سنوي بعد أن حصلت على 19.1 مليار دولار. وجاءت الإمارات في المركز الثاني بعد ماليزيا من حيث قيمة الإصدارات، في حين حافظت المملكة العربية السعودية على مكانتها محتلة الدرجة الثالثة. وما يؤكد نشاط سوق السندات في الخليج هو انخفاض الهامش على لايبور لمؤشر إتش إس بي سي إلى 259 نقطة في بداية آب (أغسطس) من 286 نقطة. ويعزى نشاط سوق الصكوك والسندات إلى التوقع ببقاء أسعار الفائدة متدنية لعام 2011، مع استمرار العائد الجيد على هذه الإصدارات إلى جانب القوة المالية السيادية للاقتصادات الخليجية.
وفي الأخير، فإن مخاطر الاقتصادات الكلية لدول المجلس ومخاطر القطاع المصرف الخليجي والمالي تبقى مطمئنة وعند مستوىً مرضٍ، إذ إنها خارجية في مجملها. وبفضل فائض الميزانين الجاري والمالي منذ عام 2003 وحتى عام 2008، وبناء صافي أصول خارجية كبيرة الحجم، تضاءلت سرعة تأثر الاقتصاد الخليجي بالمضاعفات السلبية للأزمات المالية المفاجئة. وأيضاً تحسنت بقدر كبير مرونة النظام المصرفي الخليجي للصدمات الاقتصادية الكلية. ورغم كل ما تقدم، إلا أن ما يقلقنا هو حالة عدم التيقن للآفاق الاقتصادية العالمية، حيث إن عدم وجود حل طويل الأجل فيما يخص الوضع المالي الضعيف للدول الطرفية في أوروبا، وعلى نحو خاص اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، يفرض مخاطر ائتمان سيادية هائلة، من شأنها أن تثير أزمة عالمية جديدة في حالة التخلف عن السداد.