هل حقاً توجد لدينا مواصلات برية آمنة؟

بدأت السنة الدراسية ومعها بدأ مسلسل حوادث نقل المُعلّمات، وها نحن في أسبوعنا الثاني من السنة الدراسية وقد حصل حادثان مروعان ضحاياهما مُعلّمات كل همهن هو الوصول إلى أداء الواجب تجاه الوطن وأبنائه. أصبحنا نقرأ عن الحوادث المروّعة لنقل المُعلّمات في الصُحف وكأنها شيء عادي، ومن المتوقع أن يحصل طالما أن هناك معلمات عليهن قطع مئات الكيلومترات يوميا بين الشاحنات وعبر أخطر التقاطعات والمنحدرات والمرتفعات فقط للوصول إلى المدارس البعيدة التي تم تعيينهن للعمل فيها، أضف إلى ذلك عدم وجود أبسط مقومات السلامة في المركبات التي تقوم بنقلهن لأداء واجباتهن الوطنية. من المسؤول عن هذه الحوادث؟ أهي وزارة النقل أم وزارة الخدمة المدنية أم وزارة التربية والتعليم؟ الأقرب هو أن جميع هذه الجهات الحكومية تلعب دوراً فيما يحصل من حوادث المُعلّمات.
عرجت على الموقع الإلكتروني لوزارة النقل، فهو موقع جيد وفيه الكثير من المعلومات المفيدة، لكن معظم المعلومات الموجودة بما فيها أمن وسلامة الطرق تتحدث عن إنشاء الطرق آخذين في الاعتبار شروط السلامة التي يجب أن تتوافر في الطرق ولا شيء عن سلامة المركبات، وسلامة نقل المسافرين سواء موطنين أو مقيمين والتي وجدت من أجلها هذه الطرق، حتى الاستراتيجيات المستقبلية واللجان القائمة للعمل عليها لم تذكر سلامة نقل مستخدمي هذه الطرق. أستطيع أن أخمّن أن من وجهة نظر "وزارة النقل" أن مسؤولية سلامة المركبات ومستخدمي الطرقات تقع على عاتق جهات أخرى مثل الإدارة العامة للمرور، مع أن الإدارة العامة للمرور جهة تنظيمية. لفت نظري وجود رابط الشركة السعودية للنقل الجماعي على الصفحة الرئيسة للوزارة كواحدة ممن لهم علاقة ذات صلة بالوزارة، في رابط الشركة هناك بعض المعلومات المثيرة كوجود ثلاثة آلاف حافلة ذات سعات مختلفة وتغطية 359 مدينة وقرية وهجرة في مختلف أنحاء المملكة، وهذا رقم يعتبر صغيرة بالنسبة لحجم بلد مثل السعودية وبالمقارنة مع دول فقيرة مثل بنجلاديش وسريلانكا وتايلاند والفلبين، حيث تستطيع الوصول إلى جميع أنحاء هذه البلدان مستخدماً شبكة الحافلات البرية (ليس للمقارنة: تقوم شركة جري هاوند في الولايات المتحدة بـ 16 ألف إقلاع يومي يصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف وجهة). فيما يخص الشركة السعودية للنقل الجماعي من الظاهر اقتصاديا عدم جدوى وجود الشركة كشركة مساهمة تابعة للقطاع الخاص، ربما يكون من الأفضل إعادة حوكمة الشركة وتدخّل وزارة النقل للأخذ بزمام الأمور ليصبح قطاع النقل البري قطاعا حكوميا قابلا للتوسّع الأفقي، حيث يمكن إنشاء شبكة نقل ومواصلات حقيقية تصل إلى جميع مدن وقرى وهِجر المملكة، وإلغاء المواقف الحالية وغير المدارة أو المحكومة من أي جهة ويعبث بها سائقو المركبات الخاصة والحافلات التي انتهى عمرها الافتراضي. قد لا يتفق معي إخواني الاقتصاديون في هذا الطرح الداعي لحوكمة شركة مساهمة في الوقت الذي يُنظر فيه إلى خصخصة قطاعات أخرى كثيرة، بالنظر إلى اقتصاديات وحيثيات الشركة، كذلك الحاجة الماسة إلى وجود شبكة نقل برية منظمة وآمنة للسفر من خلالها، يجب هنا التدخل الحكومي لإرساء قواعد مشروع شبكة النقل البرية المتكاملة ومن ثم يمكن خصخصة المشروع بعد اكتماله، أو كما عملت الدولة مع شركة سابك كمثال. لو فكرنا في قيام الدولة بإنشاء شركة مواصلات ونقل برية مستقلّة، أو دخل اللاعبون الكبار مثل معاشات التقاعد أو التأمينات الاجتماعية للاستثمار في قطاع النقل البري، سيضر ذلك بالشركة القائمة حالياً، لذا من الأفضل احتواء الشركة وجعلها من ضمن المنظومة المقترحة.
وزارة التربية والتعليم ووزارة الخدمة المدنية تقومان بتعيين المُعلمات في مدارس قد تبعد مئات الكيلومترات عن مدنهن وقراهن التي يعشن فيها، دون توفير وسيلة مواصلات آمنة لنقلهن إلى أماكن عملهن، وهذا من أبسط الحقوق التي يجب أن توفرها وزارة التربية والتعليم للمُعلمات لدرء الأخطار التي تواجههن في سبيل الوصول إلى أداء الواجب، ناهيك عن أحقية هؤلاء المُعلمات لبدل إضافي (بدل طبيعة عمل). فبمجرد خروج المعلّمة من منزلها متوجهة إلى مكان عملها، تتعرض للأخطار المهلكة على الطرقات السريعة إلى أن تعود إلى منزلها نهاية الدوام. وبمناسبة الحديث عن الدوام، لماذا الإصرار على أن تُعامل المدارس في المدن الصغيرة والقرى والهِجر بساعة الحضور الصباحي نفسها التي تُفرض على المدن الكبرى؟ ألا ترون أن ذلك يضطر المُعلمات المتنقلات إلى بدء رحلة الذهاب إلى المدارس البعيدة في الظلام الدامس ونور النهار لم يشقشق بعد، ما الضرر الناتج عن تأخير ساعة الحضور الصباحي لغير المدن الرئيسة إلى الساعة الثامنة والنصف مثلاً، مع إضافة وقت التأخير إلى آخر الفترة؟ لن أطالب بالكثير من وزارة التربية والتعليم سوى قيام إخواني المستشارين بدراسة إيجابيات وسلبيات الطرح، آخذين في الاعتبار سلامة المُعلمات والطلاب على حدّ سواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي