مجتمعنا وثقافة التعامل مع المخاطر

حينما أحاول قراءة الذهنية الاجتماعية لدينا كسعوديين، أو ما يمكن أن أصفهُ بالعقل الاجتماعي السعودي العام لمعرفة ما نفكر فيه تجاه ظاهرة معينة وكيفية التصرف إزاءها كمجتمع، فإن المعايير أو المؤشرات التي يمكن استخلاصها تجاه هذه الظاهرة أو تلك تعتمد على كثير من المؤثرات التي ترتبط بتكوين المجتمع وثقافته ونمط تفكيره. ومع ذلك فإني أحاول في الغالب أن أجد مؤشراً عاماً لقياس مدى تعامل مجتمعنا وردة فعله تجاه مثل هذه الظواهر.
وإذا أخذنا ظاهرة الخطر على اختلاف أشكالها وأنواعها كمثال، ثم درسنا طريقة التعامل معها سواء كأفراد أو مجتمع أو مؤسسات، فإن إيجاد تفكير نمطي مثالي للتعامل مع الخطر من خلال نظرة شمولية هو مسألة بديهية ومهمة. ولعلي أضرب مثالاً بسيطاً على ذلك بارتباط المخاطر المتولدة عن البطالة سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي فالبطالة ليست خطراً فردياً فحسب، وإنما ستتولد عنها مخاطر تبعية، ولذلك فمن يدرس هذه الظاهرة بهدف وضع علاج لها ينبغي أن يكون مستحضراً المخاطر الأخرى سواء تلك التي تؤدي إلى البطالة أو تلك التي تتولد عنها.
وبالنسبة للخطر كمحفّز نفسي، فإن الفرد السعودي لا يختلف عن أي شخص في العالم من حيث شعوره بالخطر، ولكن الاختلاف يكمن في البناء المعرفي الثقافي للخطر، وطريقة التعامل معه سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع أو حتى الأجهزة المعنية في الدولة، باعتبارها مسئولة عن التعامل مع بعض المخاطر للحد منها، أو تقليل آثارها قدر الإمكان.
ولذلك فهناك من المخاطر ما يمكن تجنبها أو الحد من آثارها بجهد الفرد نفسه، كما لو احتاط من وقوعها مثل حوادث السير. وهناك ما لا يمكن تجنبه إلا من خلال المجتمع وتنظيماته الربحية وغير الربحية مثل الجمعيات الخيرية أو التأمين التعاوني أو حتى التجاري. وهناك ما لا يمكن تجنبه إلا من خلال الدولة باعتبارها كيانا سياسيا وتنظيميا يهدف إلى حماية الفرد والمجتمع وتحقيق مصالحه.
والحقيقة فإن الدافع الأساس للتحرك ضد الخطر أو عدم الوقوع فيه هو الخوف، وهو غريزة غرسها الله في كثير من خلقه للمحافظة على البقاء. وهو يُعد كذلك أسلوب حياة يعتمد على مفهوم التحوط والتطوير فالخوف من الفقر سيكون دافعاً للعمل وكسب الرزق، والخوف من المرض سيكون دافعاً للحفاظ على الصحة وممارسة الرياضة وتجنب مخاطر العدوى وتطوير الصناعات الدوائية وبناء المستشفيات وهلم جراً.
وفي التأمين فإن الخطر يُعد ركناً أساسياً في العقد ولا يقوم التأمين دونه. ومن شروط الخطر في التأمين أن يكون مستقبلياً أي لا يكون خطراً واقعاً. كما ينبغي أن يكون محتمل الوقوع أي أنه متوقع الحصول، فالخطر الذي لا يمكن أن يقع لا يعد من قبيل الأخطار التي يتم التأمين عليها. كما أن الخطر الذي تهتم شركات التأمين به هو ذلك الخطر الذي تترتب عليه أضرار اقتصادية أو جسدية، ولذلك فشركات التأمين تُعنى بدراسة الخطر وتقوم بتحديد خصائصه وآثاره، وكذلك تعيين الوسائل التي تحد من حصوله أو على الأقل تحد من آثاره.
والذي يُفترض هو أن تُدرك شركات التأمين لدينا في المملكة واستناداً إلى اعتبارات مهنيةٍ صرفة المخاطر القابلة للتأمين عليها وتعلم جيداً مؤشراتها وخصائصها وتأثيراتها. ولكن الواقع يقول إن هذه الشركات لا تعي بشكل مهني مفهوم الخطر الذي تقوم بالتأمين عليه، ولا تستجيب مع متغيرات هذا الخطر، فتظلم نفسها أو تظلم عملاءها أو تظلم حتى شركات إعادة التأمين البعيدة عن بيئتنا تماماً فالموضوع باختصار شديد له علاقة كبيرة بثقافتنا في التعامل مع المخاطر وهذا انعكس بدوره على شركاتنا رغم مهنيتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي