مستقبل المصرفية الإسلامية..صراع البقـاء وآليات التغيير
نجحت صناعة التمويل الإسلامي في توطيد قدميها بقوة سواء على المستوى المحلي في الدول الإسلامية، أو على المستوى الدولي في عالم المال.
وتطرح دراسة للباحث سيد طاهر ـــ أستاذ الاقتصاد بالجامعة الإسلامية الدولية في إسلام آباد - تساؤلات بشأن مستقبل تلك الصناعة الواعدة. ويشير إلى أنها تواجه تحديات في كيفية تعزيز المكاسب التي حققتها في المرحلة الراهنة، ومن ثم نموها بشكل أكبر. وكذلك ما يتعلق بالسبل التي تكفل لها الثبات بذات القوة أمام أية أزمات مالية عالمية.
وتعمد الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات التالية: هل ستبقى المصرفية الإسلامية أم أنها لن تستطيع الصمود؟ ما الشكل الذي ستتخذه تلك الصناعة في المستقبل؟ وما التحديات التي تواجهها في السنوات المقبلة؟ وما التغيرات التي ستحدث نتيجة انتشار تلك الصناعة؟ وكيف يمكن لها أن تؤثر في مجالات الفقه والمحاسبة وإدارة الأعمال؟.
يعتمد بقاء صناعة المصرفية الإسلامية على أربعة عوامل رئيسة: مدى قابليتها للتطبيق من الناحية الاقتصادية، درجة استقرارها، مدى استجابتها للتحديات التي تواجه هويتها، ثقة المودعين والمتعاملين مع المؤسسات المالية الإسلامية بشكل عام.
أولاً: القابلية الاقتصادية للتطبيق
لا يشغل هذا العامل البال كثيراً فيما يتعلق بمستقبل المصرفية الإسلامية؛ ذلك أن تلك الصناعة ما هي إلا طريقة أخرى للتعامل المصرفي. كما أنها تقدم هيكلاً مالياً أفضل من الناحية الاقتصادية.
ونتيجة للهيكلة المتفردة لتلك الصناعة فإن البنوك الإسلامية ستكون دائماً قادرة على تلبية اهتمامات العملاء فيما يتعلق بالتمويل. كما أنها تطرح عديدا من البدائل أمام العميل، مما يفسح المجال لأكثر من صيغة تمويلية. يضاف إلى هذا أن تدفق الأموال في البنوك الإسلامية يتم توجيهه فقط في أنشطة الاقتصاد الحقيقي فحسب. ومن ثم فإن تلك البنوك تعمل على إنهاء حالة الفصل بين مصادر التمويل من ناحية وطريقة توظيفها من ناحية أخرى. وهو ما يؤدي بدوره إلى إحداث نوع من التكامل بين القطاعات الحقيقية والمالية في الاقتصاد. ومن هذا المنطلق فإن هيكل التمويل الإسلامي سيكون هو الأبرز في الفترة المقبلة على حساب هيكلة التمويل التقليدي الذي يعتمد في الأساس على سعر الفائدة.
ثانياً: الاستقرار
يؤكد الدكتور طريق الله خان أن النظام المصرفي يكون غير مستقر إذا استمر في التركيز على مخاطر الأصول في رأس مال البنوك. ويعتبر نظام المصرفية الإسلامية أكثر استقراراً نظراً لأنه يقوم في الأساس على مشاركة المخاطر؛ حيث تقسم المخاطر بين المودعين ورأس مال البنك. ويتوقع أن تصبح المصرفية الإسلامية البديل الأنجع لنظام المصرفية التقليدي من ناحية تحقيق الاستقرار فضلاً عن الكفاءة. ولتحقيق هذا يجب توافر عملية تنظيمية وإشرافية دقيقة، مع وجود مستويات إدارة مخاطر مقبولة دولياً، إضافة إلى معايير الشفافية والحوكمة.
ومن المعروف في أدبيات التمويل التقليدي أن التمويل المعتمد على سعر الفائدة هو السبب الرئيس في حدوث حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي.
كما أن الربط المباشر بين التمويل والتطبيق في ظل المصرفية الإسلامية يعني نهاية عديد من الممارسات التي تتسبب في حدوث عدم الاستقرار كما هو الحال في الاقتصادات الحالية التي تعتمد على سعر الفائدة. وبهذا يتم القضاء على أحد أهم أسباب عدم التناسق بين إجمالي الطلب وإجمالي العرض في الاقتصاد. وهذا يعني خفض معدلات التضخم التي عانت منها اقتصادات عديدة. ومن ناحية أخرى فإن الربط بين التمويل والنشاط الاقتصادي يساعد على تسهيل الصعوبات التي تواجه العرض في الاقتصاد. وبالمجمل فإن تلك الاعتبارات تخلص إلى أن قوة وتردد ومدة دورات الأعمال ستكون أقل مع المصرفية الإسلامية.
ثالثاً: تحديات الهوية
يشير الباحث إلى أن هناك عديدا من صيغ التمويل الإسلامي تديرها بعض البنوك بطريقة لا تختلف بها كثيراً عن نظيرتها في التمويل التقليدي. وإذا استمرت إدارتها بهذه الطريقة فإنها ستثير أسئلة حول هويتها المتفردة المفترضة كصيغة بديلة للتمويل التقليدي. ويوضح الباحث أن مجرد تغيير التسميات لا يعد مسوغاً كافياً للدفاع عن تلك الممارسات التي ترتكبها بعض البنوك الإسلامية. ويشير إلى أن دراسات عديدة رصدت اختلافات طفيفة بين أدوات مالية تمارسها بعض البنوك الإسلامية وبين نظيرتها التقليدية التي تعتمد في الأساس على سعر الفائدة الذي يحرمه الشرع. وتوصي تلك الدراسات المشار إليها بأن يبقى الخط الفاصل بين التمويل الإسلامي والتقليدي حتى يتسنى الحفاظ على الطبيعة الخاصة للمصرفية الإسلامية ويجنب تلك الصناعة الوقوع في أزمة هوية.
رابعاً: ثقة المودعين والعملاء
إذا أدرك المودع أن البنك الحاصل على ترخيص كبنك إسلامي قد انتهك قواعد الشريعة فإنه يفقد الثقة بمثل هذا البنك. ونتيجة لانعدام الثقة فإن المودعين يلجأون إلى سحب إيداعاتهم مما قد يؤدي إلى انهيار البنك. ولا يقف الأمر عند هذا الحد إذ ربما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار المالي بالشكل الذي قد يهدد التنمية الاقتصادية. ولهذا يجب على البنوك التي تعمل وفقاً لمبادئ الشريعة أن تتوخى الحذر فيما يخص مدى الاتفاق مع الشريعة حتى لا تنهار ثقة المودعين بتلك البنوك.