بين استثمارات الأجانب وتحويلاتهم النقدية

تمثل قيمة التحويلات النقدية للعاملين الأجانب أحد أهم مدفوعات الحساب الجاري في مدفوعات المملكة، حيث بلغت في الربع الأول لهذه السنة 7.11 مليار دولار، أو ما يعادل 26.7 مليار ريال، مرتفعة عن الفترة نفسها لعام 2009 بما يعادل 13 في المائة، مما يشير إلى أن المتوقع أن يكون مجمل تحويلات الأجانب العاملين في المملكة ما يقارب 35 مليار دولار، أو ما يعادل 131 مليار ريال في نهاية عام 2010، وهذا يمثل 24 في المائة من ميزانية الدولة لعام 2010 البالغة 540 مليار ريال. وبالطبع يُعزى ذلك إلى الارتفاع المضطرد في أعداد الأجانب العاملين في المملكة وارتفاع أجورهم، كذلك انتعاش معظم القطاعات والمشاريع التنموية في المملكة. ولكي أقرّب الصورة أكثر بالنسبة لحجم تحويلات الأجانب المقيمين في المملكة، أزمة دبي المالية التي تتغنى بها جميع وسائل الإعلام، تبلغ في مجملها نحو 105 مليارارت درهم (حسب بيانات بورصة لندن). وهذا قد يُعطي القارئ صورة مبسطة عن الحجم الهائل لاقتصاد المملكة.
في الجهة المقابلة، أوضح ممثل منظمة ''الأونكتاد'' بتاريخ 21/7/2010، أن مجموع إجمالي أرصدة الاستثمارات الأجنبية في المملكة بلغ 552 مليار ريال، وأشار إلى أن دخل المملكة من الاستثمارات الأجنبية في عام 2009 قد بلغ 131 مليار ريال، لكن ما لا يعلمه ممثل منظمة ''الأونكتاد''، أن مجموع التحويلات النقدية للأجانب المقيمين في المملكة قد بلغ 94.4 مليار ريال في نهاية عام 2009، أي أن صافي الدخل الفعلي بين استثمارات الأجانب وتحويلاتهم بلغ 36.6 مليار ريال. لو افترضنا جِزافا أن الهيئة العامة للاستثمار لم تكن محظوظة خلال عام 2010 في اجتذاب مبلغ 2009 نفسه، وحسب التوقعات سترتفع تحويلات الأجانب إلى 131 مليار ريال، ستفقد المملكة جهد سنتين من العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وربما العودة إلى المركز الـ 14 في الترتيب الدولي. قد يتساءل البعض استخدام الكاتب للتحويلات النقدية للأجانب المقيمين في المملكة كمعيار مقارنة Benchmark لعمل الهيئة العامة للاستثمار، أقول إن بلدا مثل السعودية يقيم فيها أكثر من سبعة ملايين أجنبي يؤثرون تأثيرا مباشرا على مدفوعات الحساب الجاري لمدفوعات المملكة يجب أن يكون هو معيار المقارنة وليس مقارنة المملكة في جذب الاستثمارات الأجنبية في الدول الأخرى البعيدة أو المجاورة. فلو أخذنا الصين أو الهند أو حتى الإمارات والكويت كمثال، هل يبلغ حجم التحويلات النقدية للأجانب المقيمين في تلك الدول ما يعادل 24 في المائة من ميزانياتهم؟ أشك في ذلك. في اعتقادي الشخصي، أن عدم الوضوح والشفافية في تفنيد وجدولة الأرقام حسب الشرائح، سواء لتحويلات الأجانب العاملين في المملكة أو في مصادر الاستثمارات الأجنبية المعلنة يلعب دور رئيسا في عدم إيجاد الحلول الاقتصادية للإبقاء على بعض الأموال المكتسبة من الأجانب العاملين في المملكة أو إعادة جدولة الاستثمارات الأجنبية لبقائها أطول فترة ممكنة داخل دائرة الاقتصاد. إعلان مبلغ التحويلات النقدية للسنة المنصرمة بما يعادل 94.4 مليار ريال ليس له أي معنى سوى أنه رقم تم تحويله إلى خارج المملكة. وإعلان مدخول المملكة من الاستثمارات الأجنبية بما يعادل 131 مليار ريال في 2009 ليس له معنى سوى أنه رقم دخل في اقتصاد المملكة. الأرقام ليست خفية أو يصعُب جمعها وجدولتها في شرائح حسب حجم التحويل، فالبنوك العاملة في المملكة وأقسامها للتحويلات السريعة لديها تفاصيل جميع التحويلات (لا أعلم إذا ما كان ويسترن يونيون Western Union يقوم بالرفع لمؤسسة النقد العربي السعودي بتفاصيل التحويلات السريعة المنفَّذة عن طريقهم)، بالتالي إذا وضحت الصورة للتحويلات حسب حجم الشرائح للمحولين، يمكننا غض النظر على الشرائح الدنيا من الجدول (الطبقة العاملة)؛ فهؤلاء عادة ما يقومون بتحويل جزء كبير من رواتبهم لمساعدة عائلاتهم في بلدانهم، ونقوم بالتركيز على الشرائح الكبرى (ذوي الرواتب العالية والمتوسطة)؛ لإتاحة الفرصة لهم لاستثمار بعض مدخراتهم داخليا. من الظاهر عزوف الأجانب عن الاستثمار في سوق الأسهم السعودية وحتى في المنتجات الاستثمارية لدى البنوك العاملة في المملكة. ربما لو فتحنا سوق الاستثمار العقارية، التي تشوبها الضبابية في الوقت الحالي، للأجانب بالادخار والاستثمار في العقارات سينعش ذلك السوق العقارية، وبالتالي سيُبقي ذلك على بعض الأموال ضمن الدورة الاقتصادية. هناك معادلة غير مفهومة فيما يخص التحولات النقدية والهيئة العامة للاستثمار، فكثير هم من انتقدوا الهيئة العامة للاستثمار بالنسبة لاجتذاب الاستثمارات وتسهيل إجراءاتها للأجنبي المقيم، بالفرض أن هذا الطرح صحيح، هل معنى ذلك، إن لم تقم الهيئة باجتذاب الاستثمارات من الأجنبي المقيم لأصبح رقم تحويلات الأجانب النقدية أضعاف ما هو عليه الآن؟ سؤال لا أعرف الإجابة عنه، لكنني بدأت أعي ما كانت دائما تقوله لي الوالدة ـــ رحمة الله عليها ـــ (تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتي)، لكم دعائي بدوام الصحة والعافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي