مُعلّمات القطاع الخاص وظلم الرواتب المتدنية

سنناقش اليوم موضوعا مهما وشائكا ومتشعّبا قد نستطيع من خلاله تسليط الضوء على معضلة يعيشها كل من ديوان الخدمة المدنية ووزارة التعليم في إيجاد وظائف لمئات الألوف من المُعلمات اللاتي ينتظرن دورهن في الالتحاق بركب التعليم في المملكة. تابعت بعض البرامج والطروحات التي تُشير إلى توظيف معلمتين براتب معلّمة وتفعيل جداول بين المعلمات ليقمن بالتناوب لشغل وظيفة واحدة، وعلى ما يبدو كان الراتب المقترح للمعلمة هو أربعة آلاف ريال شهرياً. حسناً لنبدأ نقاشنا في هذا الموضوع؛ لنضع هذا الراتب كحجر الزاوية، وسنرى كيف يمكن أن يفعّل كحد أدنى لرواتب المعلّمات في المدارس الخاصة.
اقتصاديات الاستثمار في المدارس الخاصة تُشير جلياً إلى الربحية المضمونة التي يجنيها المستثمرون في هذا القطاع خصوصاً أن هذا القطاع مُعان من الدولة. لكيلا نُعقّد الأمور، دعونا نأخذ مثالا بسيطا عن اقتصاديات المدارس الخاصة وسيكون تركيزنا على المدارس الكبرى. معدّل رسوم المرحلة الدنيا (من الصف الأول للصف الثالث) للسنة الدراسية يبلغ 15 ألف ريال، فإذا كان في الصف الواحد 20 طالباً فقط وهناك ثلاثة فصول لكل سنة، سيكون هناك 60 طالبا في الصف الأول، و60 في الصف الثاني، وكذلك في الصف الثالث، أي 90 طالباً، وهذا دخل سنوي يبلغ 1.350.000 ريال. معدّل رسوم المرحلة من الصف الرابع إلى الصف السادس 20 ألف ريال، لو أخذنا العدد نفسه سيكون الدخل السنوي لهذه المرحلة 1.800.000 ريال. معدّل رسوم المرحلة المتوسطة 23 ألف ريال بنفس عدد الطلبة سيصبح الدخل السنوي 2.070.000 ريال. معدّل رسوم المرحلة الثانوية 25 ألف ريال بدخل يبلغ 2.250.000 ريال. الدخل الكلي على هذا المثال المتحفّظ هو 7.470.000 ريال. لنلق الآن نظرة على مستويات الرواتب ومعدّلاتها كمصاريف من هذا الدخل، لو افترضنا أن هناك 50 مُعلّمة في المدرسة بمعدل رواتب ثلاثة آلاف ريال شهريا أي 150 ألف ريال بإجمالي سنوي 1.800.000 ريال. إذا رفعنا معدل الرواتب إلى أربعة آلاف ريال سيكون الإجمالي 2.400.000 ريال، وهذا لا يزال مناسباً بالنسبة للدخل الكلي للمدرسة. في المدارس الخاصة يستعينون كثيرا بزوجات الأجانب العاملين في المملكة، وعلى الأرجح لا يدفعون لهم إلا على الأشهر التي عملوا فيها، أي السنة الدراسية الفعلية، كذلك يساعدهم ذلك على تفادي دفع اشتراكات التأمينات الاجتماعية، هذا في حال أن المدارس الخاصة يشملها نظام التأمينات الاجتماعية. لا ألوم المدرسات الأجنبيات حينما يكون عطاؤهن في الصف يوازي الراتب الضعيف ويعتمدن أكثر على الدروس الخصوصية للتعويض.
في وزارة التعليم والخدمة المدنية يبحثون عن الحلول لتوظيف هذا الكم الهائل من المعلمات المتخرجات داخل حدود ضيقة لا تتعدى أسوار المدارس الحكومية على الرغم من أن بعض الحلول تكمن صوب أعينهم فقط إذا بدأوا في التفكير خارج الصندوق. وضع حد أدنى لرواتب المعلمات في المدارس الخاصة يوازي رواتب التدريس في المدارس الحكومية هو أقل وأقرب الحلول، بالطبع الخدمة المدنية لا تلعب الدور المطلوب نفسه هنا، ولكن تخفيف الضغط المتراكم في إيجاد فرص وظيفية سيؤتي ثماره على المدى الطويل. أرجع مرة أخرى للمطالبة بالربط بين الجهات التي تمّكننا من تحقيق هذه الأهداف، فوزارة التعليم لا يمكنها تطبيق وضع حد أدنى للرواتب وفي الوقت نفسه التأكيد على سعودة القسم الأكبر من الوظائف التعليمية في المدارس الخاصة. يجب أن يكون هناك تحالف بين وزارة التعليم، مكاتب العمل، الجوازات، والتأمينات الاجتماعية. التركيز هنا على التأمينات الاجتماعية مهم جدا، فهي تلعب دورين مهمين للغاية، أولهما تطمين المعلمات على وجود رواتب التقاعد التي هي بالفعل أفضل من رواتب التقاعد في القطاع الحكومي، وهي تلعب الدور المهم الآخر وهو الوقوف على استمرارية ثبات الرواتب فوق السقف التي حددته وزارة التعليم، فمن خلال تقارير المستقطعات الشهرية للتأمينات، تُظهر هذه المستقطعات حدود رواتب المعلمّات السعوديات، وبالتالي تقوم التأمينات الاجتماعية بإخبار وزارة التعليم إذا كان هناك مخالفة من إحدى المدارس.
الحل الأمثل هنا هو أن تقوم وزارة التعليم بفرض عدد معيّن من المعلّمات السعوديات على المدارس الخاصة بحسب نظام رواتب محدد مسبقا والتأكد من أن جميع المدارس الخاصة لديها تسجيل في التأمينات الاجتماعية. هناك دور مهم تقوم به الموجهات التربويات في زيارتهن المفاجئة للمدارس الخاصة بإحصاء عدد المعلّمات السعوديات والرفع بذلك في تقاريرهن إلى الوزارة.
المدارس الخاصة يمكنها استيعاب عدد جيد من المعلّمات السعوديات وبرواتب مساوية لمعلّمات القطاع الحكومي، فهن أولى بالعمل من غيرهن، خصوصاً أن الدولة لم تقصر في إعدادهن لهذه المهمة، فقط نريد من الإخوة في وزارة التعليم مد يد العون لهن ومساعدتهن، والوزارة قادرة على ذلك بما لديها من سُلطات وتشريعات.
لكم دعائي بدوام الصحة والعافية،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي