الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الأحد, 14 ديسمبر 2025 | 23 جُمَادَى الثَّانِيَة 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين8.5
(-0.58%) -0.05
مجموعة تداول السعودية القابضة153.7
(-3.88%) -6.20
الشركة التعاونية للتأمين121.9
(-0.89%) -1.10
شركة الخدمات التجارية العربية126.8
(-0.39%) -0.50
شركة دراية المالية5.35
(0.19%) 0.01
شركة اليمامة للحديد والصلب32.2
(-4.73%) -1.60
البنك العربي الوطني21.8
(-3.54%) -0.80
شركة موبي الصناعية11.3
(3.67%) 0.40
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة30.82
(-5.75%) -1.88
شركة إتحاد مصانع الأسلاك20.91
(-3.46%) -0.75
بنك البلاد25
(-3.47%) -0.90
شركة أملاك العالمية للتمويل11.29
(-0.27%) -0.03
شركة المنجم للأغذية53.15
(-1.21%) -0.65
صندوق البلاد للأسهم الصينية11.86
(1.37%) 0.16
الشركة السعودية للصناعات الأساسية54
(-1.19%) -0.65
شركة سابك للمغذيات الزراعية115
(-0.95%) -1.10
شركة الحمادي القابضة28.46
(-1.11%) -0.32
شركة الوطنية للتأمين13.3
(1.92%) 0.25
أرامكو السعودية23.89
(-0.04%) -0.01
شركة الأميانت العربية السعودية16.65
(-2.80%) -0.48
البنك الأهلي السعودي37.58
(-1.78%) -0.68
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات29.34
(-1.41%) -0.42

ليس هناك الكثير من الدول الأوروبية التي تلهب فيها التفسيراتُ المتنافسة للأحداث التاريخية العظيمة المشاعرَ الوطنية إلى حد هائل كما يحدث في فرنسا. ويتبادر إلى الأذهان ثورة 1789 وكميونة باريس (الحكومة التي حكمت باريس لفترة وجيزة) وقضية دريفوس- ويتبادر إلى الأذهان أيضا السنوات المظلمة الممتدة من 1940 حتى 1944 حين أنشأت فرنسا، التي غزتها جيوش هتلر، نظاماً استبدادياً تحت قيادة المارشال فيليب بيتان والذي كان متعاونا مع ألمانيا النازية.

ولمدة تقارب ثلاثة عقود بعد الحرب العالمية الثانية، روّج الزعماء الفرنسيين- بدءا من بطل الحرب شارل ديغول- الأسطورة القائلة إن أغلبية الشعب الفرنسي رفض نظام بيتان، الذي كان في أساسه غير شرعي ولا يمثل فرنسا الحقيقية. واختلق بيتان نفسه النسخة التاريخية ''السيف والدرع''، التي قاتل بموجبها ديغول الطغيان الألماني من لندن، في حين قام بيتان في فيشي بحماية مواطنيه بشجاعة مماثلة من المحتلين النازيين.

انكشفت هذه النظرية التي تخدم المصالح الذاتية في فرنسا فيشي: نجد هذا في كتاب ''الحرس القديم والنظام الجديد''، الذي نشر عام 1972 للمؤلف روبرت باكستون، المؤرخ الأمريكي الذي أظهر كيف تعاون بيتان ورفاقه بشكل وثيق مع المحتلين، واستغلوا كارثة الهزيمة لفرض رؤيتهم المحافظة المتشددة ''للثورة الوطنية'' على فرنسا.

وكان كتاب باكستون نقطة تحول في كتابة تاريخ فيشي، ولكن كما تشير الكتب الأربعة التي نستعرضها في هذا المقال، لا يزال الجدل قائما حول كيفية تقييم أفعال المتعاونين والمقاومين على سواء.

أكثر الكتب إثارة للتفكر هو دراسة ج كينيث برودي عن بيير لافال، الذي شغل منصب نائب رئيس وزراء بيتان وخليفته المعين لمدة ستة أشهر عام 1940 ثم كرئيس للوزراء من شهر نيسان (أبريل) 1942 حتى التحرير. وقد قتل لافال، الذي كان رئيس وزراء فرنسا ووزير خارجيتها في الثلاثينيات، رميا بالرصاص باعتباره خائناً بعد محاكمة قصيرة فاضحة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1945 والتي كانت معيبة جدا بحيث أنها لم تمنحه فرصة للدفاع عن نفسه على نحو كاف.

يدرك بعض الساسة المعاصرين هذا وينزعجون منه: ناشد ليون بلام، الاشتراكي الذي قاد حكومة الجبهة الشعبية 1936، ديغول- دون جدوى- للسماح بإعادة المحاكمة. ولكن بصفة عامة، لم يثر مصير لافال الكثير من الاحتجاج، ولا يوجد له الكثير من المدافعين اليوم.

ولعل السبب في ذلك هو أن شخصيته غير جذابة إطلاقا على الرغم أنه لم يكن بالتأكيد مؤيدا للنازية أيديولوجيا. وهو نجل صاحب فندق من منطقة أوفيرج Auvergne وذو عينين سوداوتين وبشرة داكنة، وقد كان، كما يقول برودي، ''مفاوضا في الأساس، ومناورا، وداهية''. وكان، ولا يزال، يُنظر إليه كمخادع ماكر، ورجل قادر على التلاعب بأي حجة أخلاقية أو قانونية أو سياسية لوضع نفسه في أفضل صورة. وجعله هذا هدفا سهلا لأولئك الذين كانوا يريدون كبش فداء للمعاناة والعار الذي عانت منه فرنسا بعد عام 1940.

الحجة التي طرحها برودي بأن محاكمة لافال كانت صورة زائفة للعدالة هي حجة لا يمكن الرد عليها. ذلك أن التحقيق قبل المحاكمة، وهو الميزة المهمة للقانون الفرنسي، أٌقفِل بصورة سريعة، ما أدى إلى حرمان لافال ومحاميه من فرصة إعداد الدفاع. ووجهت هيئة المحلفين الشتائم والإهانات إلى لافال، حيث قرر المحلفون أنه مذنب قبل المحاكمة. وسمح لهم القاضي بالنجاة بفعلتهم. وبموجب القانون الذي أنشأ المحكمة التي حاكمت لافال، لم يكن للمدعى عليه الحق في الاستئناف. الأمر المثير للسخف هو أنه تمت إدانة لافال بتهمة واحدة- هي المشاركة في ''المشاريع والمؤامرات والمناورات'' التي شكلت نظام فيشي في شهر تموز (يوليو) 1940- والتي كان المدعي العام قد سحبها.

ولكن ماذا كان سيحدث لو مُنِح لافال محاكمة عادلة؟ هل كان سيبني دفاعاً مقنعاً بأنه تعاون مع النازيين فقط لإنقاذ فرنسا من مصير أسوأ؟ يعتقد برودي أن الجواب هو نعم. فلافال لم يكن معاديا للسامية وبذل قصارى جهده لحماية اليهود الفرنسيين- ولكن ليس اليهود المولودين في الخارج- من الاضطهاد. وقلل عدد العاملين الفرنسيين الذين يتم إرسالهم إلى المصانع الألمانية. وتحت حكمه، لم تصبح فرنسا أبدا حليفاً عسكرياً رسمياً لألمانيا، حتى بعد عمليات الإنزال التي قام بها الحلفاء في شمال إفريقيا في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1942. وأخيرا، احتج لافال على قيام ألمانيا بضم مقاطعة الألزاس – لوران وعلى الطريقة التي عومل بها سكانها.

لكني أعتقد أن برودي يبالغ بعض الشيء في تقييمه لسياسة لافال الخارجية قبل الحرب. فقد اقتنع بسهولة بحجة لافال بأن فرنسا وغيرها قادرة على هزيمة هتلر، لو لم تخرب بريطانيا جهوده لضم إيطاليا الفاشية في جبهة أوروبية واسعة مناوئة للنازية. والحقيقة هي أن الحكم الديكتاتوري لبنيتو موسوليني وطموحاته الاستعمارية في إفريقيا جعلته في أفضل الأحوال شريكاً غير موثوق، وأنه بحلول أواخر الثلاثينيات كان نفوذ إيطاليا العسكري والسياسي في الشؤون الأوروبية ضعيفا جدا بحيث لم يكن له تأثير كبير.

مع ذلك، لا شك أن برودي محق في القول إنه ''لو كان بيير لافال، في مشاركته في تشكيل حكومة فيشي ولاحقا في الخدمة فيها، قد ارتكب جريمة كبرى، لكان عدد المتهمين المشاركين معه في فرنسا كبيرا للغاية'' وكان سيشمل الجزء الأكبر من الطبقات السياسية والإدارية للجمهورية الثالثة التي انهارت عام 1940. ففي النهاية، الجمعية الوطنية للجمهورية، التي تم انتخابها ديمقراطيا، هي التي أنشأت فيشي باستفتاء كانت فيه الأصوات المؤيدة 596 والمعارضة 80 فقط. لا عجب إذن أن لافال كان يتفكر وهو قابع في السجن: ''لقد فعلت كل ما باستطاعتي لكي أقلل معاناة فرنسا قدر المستطاع. وها أنا أقبع بين هذه الجدران الأربعة. تبا لذلك''.

يعتمد كتاب توماس لوب، ''بعد السقوط''، اعتمادا كبيرا على الأرشيفات الألمانية لتوضيح الكيفية التي تنافست بها العناصر المختلفة لآلة السلطة النازية- الجيش والمخابرات والسفارة الألمانية في باريس- على السلطة في فرنسا خلال الاحتلال. ويؤكد لوب أن السبب الرئيس في أنه تم قتل أعداد أقل نسبيا من اليهود في فرنسا عما حدث في غيرها من الدول المحتلة في أوروبا هو الصراع على السلطة بين هذه الأجهزة الألمانية، وأيضا بسبب نقص الموارد الألمانية. وهو أقسى من برودي في حكمه على لافال: ''حولت حكومة لافال الثانية الأمة الفرنسية المهزومة إلى دولة تابعة لألمانيا.'' ولكنه يشير إلى أن أوتو أبيتز، الذي كان سفير هتلر في باريس في وقت الحرب والذي كان يعتبر نفسه محباً للفرنسيين، لم يكن راضيا عن مدى التعاون الفرنسي. فقد كان يشتكي أن نظام فيشي يتكون من ''مجموعة صغيرة من المتعاونين المخلصين المحاطين بعدد كبير من المتآمرين المعادين لألمانيا''.

امتحنت سلطات فيشي مرارا صبر ألمانيا عن طريق إثارة مبدأ السيادة الفرنسية، على الرغم من أنه كان من الواضح أن السلطة الحقيقية هي بيد المحتلين. وعن طريق استخدام السلطات الفرنسية لتنفيذ السياسات الألمانية، أقنع بيتان ولافال وشركاؤهما أنفسهم أنهم ينقذون الأرواح الفرنسية ويدافعون عما تبقى من شرف فرنسا ويبعدون النازيين المتعصبين عن حكومتهم. إلا أن لوب يشير إلى أنه بغض النظر عما قدمه رجال فيشي، كان الألمان يطالبون دائما بالمزيد، مما دفع فرنسا أكثر فأكثر إلى منزلق التعاون.

كم عدد الفرنسيين الذين تعاونوا بنشاط؟ في كتابه التأريخي الزاخر بالمعلومات عن تاريخ المقاومة، يقدّر ماثيو كوب أنه تم محاكمة حوالي 120 ألف شخص بعد التحرير، وتم تبرئة حوالي الربع منهم. وتم تنفيذ حوالي 1,600 حكم بالإعدام. وفي وقت سابق، كانت المقاومة قد أعدمت حوالي تسعة آلاف شخص عن طريق المحاكمات القصيرة المستعجلة. وكان هذا عددا صغيرا نسبيا بالنسبة لدولة رحب معظم شعبها بحماس بهدنة 1940 وتثبيت نظام بيتان ولم يلجأوا بأعداد كبيرة إلى المقاومة حتى وقت متأخر من الحرب.

وينقلنا كوب إلى عالم تبث فيه خدمة بي بي سي الفرنسية رسائل خفية مثل ''اسكلبيوس لا يحب الخراف''- إشارة إلى أن الإمدادات الجوية للمقاومة وشيكة. ووفر الشيوعيون أكبر منظمة عسكرية للمقاومة، إلا أن جهودهم تعثرت بسبب الاقتتال الداخلي المميت بين الموالين لموسكو والتروتسكيين.

وأثبتت الاحتجاجات الشعبية في عيد العمال ويوم الباستيل عام 1942 أن أي احتفال تقليدي للعمال أو أي حفل وطني قد يؤدي إلى تعبئة الشعب الفرنسي ضد فيشي والاحتلال. وبهذه الطريقة، على الرغم من أن المقاومة لم تكن على الإطلاق صوت الأغلبية، إلا أنها كانت تملك القوة المعنوية التي لم يكن بوسع الألمان وفيشي والشعب الفرنسي تجاهلها. ومن المحزن أنه حين دخل ديغول إلى باريس بعد التحرير وألقى خطابه الشهير- ''باريس! باريس مذلولة! باريس مكسورة! باريس شهيدة! لكن الآن تحررت باريس! حررت نفسها!''- لم يتمكن من أن يحمل نفسه على الإشادة بمقاتلي المقاومة في الوطن الذين خاطروا بأرواحهم من أجل الأمة.

أحد هؤلاء الرجال هو بوريس فيلديه، الذي تعرضت جماعته للخيانة من الداخل حيث تم إفشاء أمرها للنازيين. ويستذكر كوب الكلمات الأخيرة لفيلدي قبل إعدامه: ''أنا أحب فرنسا. أحب هذه البلاد الجميلة. نعم، أعرف أنها قد تكون ضيقة الأفق وأنانية وفاسدة سياسيا وضحية مجدها القديم، ولكن على الرغم من كل تلك العيوب لا تزال إنسانية ولن تضحي بمكانتها...''.

وفي كتاب ''السلام المخزي''، يؤكد فريدريك سبوتس أن الاحتلال شكَّل لحظة حاسمة في تاريخ العالم الثقافي عن طريق إنهاء قرون من الهيمنة الفرنسية على الثقافة الغربية.

واقتبس عن كارل إيبتنغ، رئيس المعهد الألماني في باريس أثناء الحرب، قوله: ''يجب أن يتخلى المثقفون الفرنسيون عن فكرة كونهم زعماء العالم... عليهم ألا يتظاهروا أنهم يتحدثون باسم المبادئ الصالحة لكل دولة، وعليهم أن لا يحاولوا نشر هذه المبادئ خارج فرنسا''. وبما أن هذه الذرائع كانت ولا تزال فرنسية جوهريا، يبدو أن السياسة النازية كانت تهدف إلى إعادة تشكيل الثقافة الفرنسية بشكل جذري.

ويذكّرنا سبوتس أنه، حتى لو كان أبيتز وغيره من الألمان الذي كانوا يديرون فرنسا يعرفون ثقافتها جيدا، إلا أن هذا لم يجعلهم أصدقاء للشعب الفرنسي. بل على العكس من ذلك، كانوا يطيعون أوامر هتلر، وكانوا نازيين مكرسين غالبا وكانوا في الغالب معادين للسامية.

وفي ظل هذه الظروف، قد يتوقع المرء أن يفكر المثقفون والفنانون الفرنسيون مرتين قبل الاختلاط مع المحتلين. ولكن الحق يُقال، فبعضهم ابتعد عنهم قدر المستطاع- مثل الروائي أندريه جيد والرسام بابلو بيكاسو. ولم يفعل ذلك آخرون، مثل الكاتب المسرحي ساشا غيتري والكاتب ألفرد فابر- لوس. وأقام لوي فيردينان سيلين، أحد المواهب الأدبية الفرنسية البارزة في القرن الماضي، صداقات مع الألمان مقابل الحصول على إمدادات من الورق الذي كان نادراً في تلك الأيام والمزيد من الطعام والشراب والسماح له بالسفر. ولكنه لم يكن متعاونا حقيقيا؛ فقد كان يسخر من المعادين للسامية الذين كانوا يكتبون في صحيفة Je Suis Partout، الصحيفة الفرنسية اليمينية في سنوات الحرب، ويصفهم بأنهم ''نادٍ محموم من اللوطيين الطموحين''.

ولم يظهر التعاون من العدم عام 1940. ففي حالة لافال وغيره من السياسيين، كان متجذرا جزئيا في النهج السلمي والرغبة بالمصالحة مع ألمانيا بعد دمار الحرب العالمية الأولى. ولكن، كما يكتب سبوتس، اجتمعت هذه الرغبات الشريفة في الكثير من الأحيان مع العداء للسامية والعداء للشيوعية وكراهية انجلترا وازدراء الديمقراطية الليبرالية والإعجاب ''بالانضباط'' النازي.

أما بالنسبة للكتاب والفنانين والممثلين الفرنسيين الذين اختلطوا في الأوساط الألمانية، فإن ما يبرز بصورة لافتة للنظر هو – غرورهم واهتمامهم بأنفسهم وعدم وجود قناعات راسخة بشأن أي شيء. وبهذا المعنى، لا يبدو أنهم يختلفون كثيرا عن المرأة التي تدير بيتاً للدعارة في باريس، والتي قالت بعد انتهاء الحرب: ''أكاد أشعر بالخجل من قول ذلك، ولكني لم أحظ بالكثير من المتعة في حياتي. ولكنها الحقيقة، تلك الليالي أثناء الاحتلال كانت رائعة''.

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية