الكلام الفصل .. الذي يجمعنا

نحن المسلمين مهما اختلفنا في تخصصاتنا أو في أفكارنا ومذاهبنا يجمعنا القرآن الكريم ونجتمع عليه، قرآن واحد لا ثاني له نعتقد جازمين أنه كلام رب العالمين ''لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ''، وإن اختلف هؤلاء المسلمون وفقاً لمذاهبهم في تفسيره وفي تحليل أحكامه يوماً وافترقوا، فلا بد أن يأتي يومٌ يدرك بعضهم خطأه ويتدارك فهمه الصحيح لمعاني القرآن الكريم فهو يبقى معجزة خالدة والناس تفنى وتتبدل ''إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ'' (9) سورة الحجر، من الجميل أن نرى هذه الأيام الكل يتسابق إلى قراءة القرآن الكريم .. الأطفال والكبار.. النساء والرجال، يقرأونه في الليل والنهار وفي الصلوات.
بينما أنا أقلب أرشيفي للأوراق والرسائل التي أحتفظ بها من باب الذكريات، إذا بنظري يقع على صفحة من ''المجلة العربية'' عدد رمضان لعام 1413هـ وفيها أول مقال نشر لي حينما كنت في عامي الجامعي الأول بعنوان ''البرهان الساطع''، وقد كان يتكلم عن القرآن الكريم في شهر القرآن .. شهر رمضان، أحب أن أعيد طرحه في هذا الشهر داخل هذا المقال فهو لا يزال يُعّبر عما أريد أن أقول حول معجزة القرآن الخالدة في معانيه وفي ألفاظه وكلماته التي لم يستطع معها إنسان مهما امتلك من أسلوب خطابي أو قدرة شعرية رائعة أن يأتي بمثل آية من آياته، وكلنا يعلم أن الله ـــ عز وجل ـــ قد تحدى من تمادى من العرب عند إنزاله آيات القرآن في عصر اللغة العربية الذهبي حين كانت الفصاحة في الخطابة والجزالة في الشعر هما منبع التفاخر والتنافس بينهم، فبهت القوم ولم يستطع أحد أن يأتي بمثله، وظل القرآن معجزة فريدة تبرهن على أن الله حق وتهدي من ضل الطريق أو تشكك في حقيقة دين الإسلام، وهو يربط الأحكام بالتأمل في الأكوان في صور مُبهرة تعمق الإيمان في قلب من يبحثون عنه؛ قال تعالى: ''أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فإلّم يَستَجيبُوا لَكُم فَاعلَموا أنَّما أُنزِل بِعِلمِ اللّه وأن لّآ إلهِ إلاَّ هُو فَهَل أنتُم مُّسلِمُونَ'' (14) سورة هود، بل يزداد التحدي للإنس والجن جميعاً حتى لو تعاونوا على أن يأتون بمثله ـــ قال تعالى: ''قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا'' (88) سورة الإسراء، أترك بقية ما أريد قوله في نص مقالي القديم في ''المجلة العربية'':
''كم يتعجب الإنسان العاقل حينما ينظر إلى الكون الواسع وإلى ما فيه من عجائب وغرائب يعجز عقل الإنسان عن إحصائها والتعرف عليها حق المعرفة! وكم يجد في ذلك من الآيات والدلائل ما يهز مشاعره ويوقظ وجدانه للبحث والترقب عن هاتف من بعيد أو دليل يقوده ويدله على حقيقة هذه الحياة .. هذه الحقيقة التي يجهلها كثير من الناس أو يغفلون عنها وهم يعيشون على هذه الأرض يأكلون ويشربون ويتمتعون بشهواتهم القليلة الزائلة دون تفكير في هذه الحياة القصيرة وما ينتظرهم بعدها من أمور توجل لها القلوب! ويشيب لها الولدان، يسيرون بعيداً عنها في ظلام الشك والريبة .. والجهل والشهوات إلى عالم التِيه والضلال .. إلى عالم الشقاء والتعاسة والخوف والاضطراب. عجباً لذلك الإنسان الذي ينظر بفكره الحائر إلى تلك المخلوقات العظيمة عبر هذا الكون الواسع ويظل شاخص البصر مرتجف القلب، حائر الذهن أمام عظمتها .. ثم بعد هذا التأمل والتفكير الطويل يذهب بتشوق ولهفة للبحث عن تفسير لها في بعض النظريات المنحرفة والآراء التائهة التي كتبها إنسان ضعيف وفيلسوف أكثر حيرة منه، ليعرف من خلالها حقيقة هذا الوجود: كيف وجد؟ ومن أوجده؟ وهل سينتهي؟ وإذا انتهى هل سيعود؟ عجباً له كيف لا يقرأ هذا القرآن العظيم ويتدبر آياته .. هذا القرآن الذي حوى بين طياته حقيقة هذا الوجود بصورة معجزة وعبارات واضحة ومعان جلية شافية تهدي الإنسان إلى خيري الدنيا والآخرة، قال تعالى: ''إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا'' (9) سورة الإسراء .. انتهى المقال بقليل من التصريف وأختم بقول الله تعالى: ''الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ'' (23) سورة الزمر.
ودمتم بخير وسعادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي