الاستفادة من درس «الثمانينيات»
نعم، لقد تعلمت المملكة من أزمة انخفاض أسعار البترول في عقد الثمانينيات, واكتسبت خبرة في تدارك أو كيفية التعامل مع الأزمات الدولية والعالمية المفروضة على الدول المصدرة للبترول, لكن الكثير يجهل عن التاريخ السياسي لتلك الأزمة. وباختصار بلغ متوسط سعر برميل النفط عام 1971، 1.7 دولار وفي عام 1974 وصل سعر البرميل 11.2 دولار لأسباب حرب أكتوبر من عام 1973 وما نتج عن ذلك حدوث الصدمة الأولى في ارتفاع أسعار البترول, وبسبب الثورة الإيرانية عام 1979 م تقلص إنتاج النفط الإيراني وما نتج عنه توجه الصناعيين في أمريكا إلى ابتكار وسائل أكثر كفاءة في استخدام البترول مع التوجه بتنفيذ إجراءات عدة لتقليل حجم الاستهلاك النفطي.
وعند نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية في الفترة من 1979 إلى 1988 تمكنت الدول غير الأعضاء في «أوبك» من زيادة إنتاجها من النفط واتباع سياسة إغراق السوق, تعمدت الدول الكبرى (الولايات المتحدة) التوجه إلى سياسة الاستثمارات في مجال الحفاظ على الطاقة والطاقة البديلة ومع الأسباب الموضحة أعلاه ساعدت على انهيار في أسعار النفط حتى وصل سعر النفط الحقيقي للعربي الخفيف وبحر الشمال إلى 3.91 دولار و4.37 دولار على التوالي, ما كان له الأثر السلبي في ميزان المدفوعات السعودي.
لقد كان اتفاق الدول الأعضاء في «أوبك» على تحديد حصص إنتاجها سعياً إلى استقرار الأسعار وتحديد الاستقرار للكميات المنتجة لسوق الدول المصنعة, فهذه التجربة الأولى التي واجهتها المملكة, والتي استفادت منها في مواجهة أي أزمة عالمية قد تهز اقتصادها الداخلي.
ويعتبر اقتصاد المملكة من اقتصادات أحادي الدخل ومن مصدر طبيعي واحد قابل للتأثر والسريع لتلبية احتياجات الدول الصناعية المتقدمة, أي أنها تعيش باستهلاك ثروتها أو رأسمالها وليس لها دخل متجدد من صناعات تحويلية غير قابلة للنضوب.
ومن تجربة انهيار أسعار النفط في عقد الثمانينيات والانتقال في دوامة أزمة انهيار الاقتصاد العالمي, وهذه الأزمة لم نتسبب فيها وإنهما صدرت لنا, ونتائجها عصفت بأسواق المال العالمية واقتصادات دول العالم, كما أدت إلى إفلاس الكثير من البنوك والشركات.
وبعد مضي أكثر من عام على اندلاع الأزمة المالية العالمية وتحولها لتصبح أزمة اقتصادية على مستوى العالم ودول الخليج العربي والمملكة خاصة, فإن الجهود الكبيرة التي بذلت والسياسات التي اتخذت للحد من تداعيات تلك الأزمة, التي لولاها لكانت التداعيات أكثر شراسة مما شاهدناها, فإذا كانت هناك جهود اتخذت على مستوى العالم, وإن واحدا من هذه الجهود تكوين مجموعة الـ 20 دولة التي تنضم إليها دولة ناشئة ذات اقتصاد فاعل مثل المملكة, فإن للحكومة السعودية دوراً فاعلا وواضحا من خلال الإجراءات التي اتبعتها للحد من أثر الأزمة المالية العالمية في اقتصادها الداخلي.
إن مما لا شك فيه أن اقتصاد المملكة الفتي وكل قطاعاته سواء النفطي وغير النفطي وكذلك المصرفي تأثر بشكل كبير ومباشر وغير مباشر ويمكن تحديدها على النحو التالي:
- تأثر سوق المال بشكل واضح, ما يؤكد وجود ارتباط وثيق بين سوق المال السعودية والاقتصاد العالمي والأسواق العالمية.
- شهد الإنتاج الرئيس للمملكة من النفط انخفاضا حاداً, الذي على أثره انخفض سعر البترول من 147 دولارا إلى دون 50 دولارا, وهذا طبيعي, لأن اقتصادات الدول العربية وبما فيها المملكة من الاقتصادات التابعة اقتصاديا, أو ما يسمى اقتصادات المورد الأحادي, وهذا إذا حدث أي خلل اقتصادي عالمي فلا بد أن يؤثر في الاقتصاد السعودي.
- تأثر المصارف السعودية بالأزمة المالية، وأن الأزمة المالية كشفت عن بعض النقاط والمآخذ على المصارف السعودية وأن هذه المآخذ ليست وليدة الصدفة, وعلى سبيل المثال وليس الحصر:
- استثمار بعض المصارف مبالغ تعتبر مرتفعة نسبياً خارج المملكة بحثاً عن المزيد من الأرباح, ما عظم حجم التبعية الاقتصادية والخوض في استثمارات غير معروفة وغير موجهة أو ذات أهداف استثمارية أو تنموية.
- التركيز على الإقراض لأسماء وشركات محدودة وأن هذه الظاهرة لما لها من آثار سلبية بعيدة المدى, وخصوصاً عند حدوث هزات أو أزمات مالية عالمية في المستقبل.
- وجود استثمارات لبعض عملاء البنوك وتعرضهم للخسائر نتيجة لاستثماراتهم الخارجية أو نتيجة المتاجرة بالديون وعقود التحوط أو المشتقات المالية المسمومة.
لكن هناك إيجابيات مهمة تمتع بها القطاع المصرفي السعودي، منها:
- أنه استطاع أن يحافظ على مستويات الربحية القياسية على الرغم من انخفاض في صافي الأرباح في حدود 2.50 في المائة.
- على الرغم من عدم الإعلان عن بعض القوائم المالية إلا أن هناك مؤشرات تشير إلى الزيادة الجيدة على حقوق المساهمين.
- عدم تعرض موجودات المصارف السعودية لتأثيرات سلبية عالية كالتي شاهدناها في كثير من بنوك العالم.
- أن الاحتياطيات الضخمة الموجودة في البنوك السعودية كانت حصناً كبيراً أمام الأزمة المالية, وأن وكالات التصنيف الائتماني تصف الوضع المصرفي السعودي بالاستقرار والمرونة.
وتزامن مع نشوء الأزمة المالية تأكيدات مستمرة من جانب الحكومة السعودية بأن تمويل المصارف السعودية واستثماراتها في المملكة معظمه محلي، وأنه لن يكون هناك تأثير كبير في المصارف السعودية جراء تلك الأزمة الراهنة، وذلك نظرا لأن معظم استثمارات المصارف المحلية موجهة إلى الداخل.
رئيس مكتب آدم للدراسات والاستشارات الاقتصادية