غازي والكهرباء
من الأقوال المأثورة أن من عاش لنفسه عاش صغيراً ومات صغيرا نسيه الناس، ومن عاش لغيره عاش كبيرا ومات كبيراً وذكره الناس.
فلقد عاش غازي القصيبي للناس، عاش للناس في عمله الرسمي وفي عطائه الأدبي قضى جل وقته همه الناس فيما يقدمه لأمور حياتهم من خلال عمله في مواقع عمل تتعلق بجميع الناس، وكان الناس أيضا همه في نتاجه الفكري وعصارة تجاربه في هذه الحياة.
لقد عرفت المرحوم منذ أول يوم عملت فيه في أحد أجهزة الدولة بعد الجامعة عندما كان رئيسا لمجلس إدارة مركز الأبحاث والتنمية الصناعية، وكان المشجع والداعم لي لمواصلة التحصيل، ثم عرفته أكثر عندما بدأت عملي في الشركة الموحدة للكهرباء بالمنطقة الوسطى وكان وقتها وزيرا للصناعة والكهرباء، كانت الشركة في بدايتها، وكان يأتي إلينا في الشركة كل يوم خميس وهي إجازته الأسبوعية ليسمع ويقول، وكانت نصائحه خير معين لنا، عندها كنا على وشك البدء بتنفيذ دمج أكثر من 40 شركة مساهمة خاصة في وسط المملكة في شركة واحدة وإلغاء 40 مجلس إدارة والتعامل مع 40 مديراً عاما في هذه الشركات كانوا يديرون تلك الشركات بأهداف متعددة، كانت توصيته أن من يريد أن يسير إلى الأمام بقوة فعلية ألا يلتفت خلفه، وكان يقصد ألا نضيع وقتنا في مراجعة دفاتر من سبقونا والبحث عن هفواتهم وأخطائهم.
#2#
لن أزيد على ما قيل في الراحل الكبير غازي القصيبي في مناقبه العملية والأدبية ولكني وجدت من واجبي أن أذكر بعضا من أمور ربما لا يعرفها الكثيرون، لقد كان المبادر لإنشاء الشركات الموحدة للكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء وهي كانت البداية الحقيقية لصناعة الكهرباء في المملكة ونقلها من شركات صغيرة أشبه ما تكون بالمؤسسات الفردية إلى شركات عملاقة تدار بأحدث الطرق وتطبق أفضل النظم، كان وراء إقامة المشاريع المركزية في مناطق القصيم وحائل والخرج وغيرها من مناطق المملكة، وكان رأيه أن يتم تطوير هذه المشاريع من خلال شركات تختارها الحكومات وتكون مسؤولة عن أدائها، وقد تم ذلك من خلال حكومات مثل كندا وكوريا والهند والصين وغيرها، وكانت تلك المشاريع البنية الأساسية لإيصال الخدمة لمعظم مناطق المملكة الشاسعة وكانت نقلة كمية ونوعية لهذه الخدمة المهمة.
لقد واجه ومن كانوا يعملون معه تحديات ومقاومة شرسة لتنفيذ برنامجه الإصلاحي لقطاع الكهرباء ولكنه أخذ الأمور بحكمة مع حزم وبحصافة مع قوة، عانى ضغوط المجتمع الذي لا يرحم ولكنه صمد أمام كل ذلك. ابتعد عن القطاع أكثر من 20 سنة عاد وزيرا للمياه والكهرباء وأصبح رئيسا لمجلس إدارة الشركة السعودية للكهرباء بعد دمج جميع شركات المملكة في الشركة، كان نعم المعين والمساند لإدارتها التنفيذية، كانت دهشته أكبر عندما اكتشف بعد عودته أن قطاع الكهرباء لا يزال يلهث لمجاراة النمو الكبير والمستمر في الطلب على الكهرباء حتى بعد مرور 20 سنة.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته..
الرئيس التنفيـــذي
الشركة السعودية للكهرباء