Author

المليارات وأطفال الرمضاء!!

|
أهنئكم جميعاً بشهر رمضان الكريم، جعله الله علينا وعلى الأمة الإسلامية شهر خير وبركة وأمن ورخاء وكرامة، ثم أستسمحكم بتأجيل الجزء الثاني من المقال السابق بعد هذا المقال ــ إن شاء الله. قبل أيام شدني خبر في إحدى القنوات العربية نقلاً عن صحيفة «تلي جراف» Telegraph، مفاده أن مجموعة من 40 ملياردير أمريكي وعدوا بالتبرع بما يقارب نصف ثرواتهم للجمعيات الخيرية كجزء من الحملة التي يقودها كل من الممول وارين بوفيت Warren Buffett وبيل جيتس Bill Gates مؤسس شركة مايكروسوفت، وتقدر مبالغ التبرع المتوقعة لهذه الحملة التي تستهدف ما يقارب 403 مليارديرات أمريكيين ما يفوق الــ 600 مليار دولار أمريكي بحسب مجلة «فوربس» Forbes، تمنيت لو رأيت مثل هذا الكرم من مليارديرات العرب ولو بــ 10 في المائة فقط من ثرواتهم لينتشلوا ولو قليلاً من أبناء مجتمعاتهم من تحت خط الفقر، ولو الأيتام منهم والعجزة فقط، أليسوا من يتباهون بالكرم وبالعروبة الحاتمية وبالإسلام دين التكافل والسلام، أين ذلك؟ .. هل نرى أي مبادرة مع إطلالة هذا الشهر الكريم؟ ما هو إلا يوم واحد بعد هذا الخبر وتُوقفني إحدى الإشارات بعد عودتي من العمل، وللأسف اعتدنا ما بين فترة وأخرى رؤية من يتسولون عند الإشارات، لكن شدني المنظر هذه المرة.. طفل ربما في العاشرة من عمره في عز الظهيرة، حيث السماء صافية والشمس ساطعة ودرجة الحرارة تفوق الــ 45 درجة مئوية، يهيم بوجهه بين السيارات يطرق زجاج نوافذها حاسر الرأس تلفحه السموم في وجهه وتصليه الشمس من فوق رأسه وبرمضاء لا ترحم من تحته، لقد كان المشهد محزنا .. تبدو عليه آثار التعب والإعياء والبؤس والحزن، بدا لي أنه يتيم وهناك من يستغله في جمع المال كحال كثير من الأيتام حول العالم في عصر الرأسمالية الذي لا يرحم، تذكرت قول الله تعإلى في اليتيم: «فأما اليتيم فلا تقهر»، وتساءلت هل هناك ما يمكن أن يقهره أكثر من استغلاله في مثل هذه الظروف القاسية لجمع المال بهذه الطريقة المهينة، ثم حرمانه منه؟ .. ثم بدا لي أنه غير مبالٍ بحرارة الشمس، فحرارة العواطف في قلبه أشد وأقسى وكأني به يقول: طفولتي ذبلـــت برمضاء الأسى ** وزهورها شــوكٌ من الحرمانِ بسواد حزني أرى الحيـــاة كئيبةًً ** ما ذقت طعم سعـادةٍ وحنــــانِ اليتـــــم أبدلني الحنــــــان قساوةً ** والحـب مذبوحٌ على وجــداني والدمع ينحت لــــوحةً للحزن في ** خدي ملخصةً بها أشجاني (1) وددت لو أنك رأيته وهو يرمق بعينيه بعض الأطفال مع والديهم في تلك السيارة الفارهة المكيفة وهم يتناولون «الآيسكريم» ثم يشيح بوجهه ويزداد حزناً .. ألا إنه اشتهاه أم اشتهى حنان أُمه وعطفها؟ أنا من فقـــدت حنان أمٍ وارفٍ ** مثل الربيع بروضه الريـــــــانِ صدري يحن للمسةٍ بأكـــــفها ** ليذوق دفء الحب في الأحضانِ(2) وما إن يترنح قليلاً بين السيارات حتى يبصر أؤلئك الأطفال يستمتعون وهم جلوس خلف والدهم بمشاهدة الرسوم المتحركة من شاشة LCD وهي تتدلى من سقف السيارة وفي أيديهم ما لذ وطاب من الحلويات، منظر جميل لأطفال سعداء، لكنه ثقيل على طفل حرمته الظروف وظلم مجتمعه والقريبين منه له: يا نجمُ أين أبي الحنـون بقلبـــه ** من لوْ رآنـي معـذبـاً لفـــــــداني لما أرى الأطفال بين رياضهـم ** كالزهر مبتسماً من الولهانِ (3) مضيت بعدها في طريقي وقد خنقتني العبرة من المشهد وظلت الصورة في خيالي لساعات، لا يمكن لعباراتي أن تصف المشهد أكثر من بعض أبيات من قصيدة شعبية لشاعر مبدع – لم أجد اسمه (4) – أعرضها لكم: تدري وش اللي يجرح القلب جرحين ويمـد حبـل الحـــــــزن فيك ويشــده أنك تناظر طــفــــــل من غير إبويـن يمشي ودمعـــــه سايل فوق خــــــده يمشـي ولا يدري دربــه علـى ويــــن لين التعـــب من كثر ماتـــــاه هــــدّه أثقـــل حروف يشيلها فيـه حرفـــــين لا «أب» يـدريبـــه ولا «أمٍ» تــــرده جيت أســأله بالله قلي ولــــد مــــيـن؟ وبغى يجـاوب واختنق صــوت رده أنـا يتـيـــم ومالـــدربـــــي عنــــاوين وجزر الحـــزن فيني يسـاوي لمــده وطعم الطـفـــــوله ماعرفته لهالحـين وثوب السعـــاده صرت مــاني بقـده أبكي إلى من شفـــت غيري سعيـدين لين البكــا فيني يوصــــــــل لحــــده وأقفى ورحت أمسح دمعي من العين وعيني تنـاظر دمعتـــه فــوق خـــده ختاماً, ما بين عطف المقتدرين وتزكيتهم لأموالهم واستثمارهم في رفع معاناة الضعفاء والمحتاجين، حيث الربح مضمون عند رب العالمين والمخاطرة صفر، وبين الجمعيات الخيرية ومكافحة التسول التي لا بد من تنسيقها مع بعضها للقبض على هؤلاء المتسولين ومتابعة قضاياهم، فإما محتاج حقيقي تتبنى الجمعيات رعايته، وإما عصابة من رواد المخدرات أو متعاطيها أو الطامعين في الثروة السريعة عبر استغلال الأيتام والضعفاء للقيام بالعمل بدلاً عنهم، وهنا تأخذ السلطات المعنية دورها، ولا بد من مع هذا من التذكير دوماً بوجوب تأدية زكاة المال لمستحقيها ففيها الخير للمستفيد والتزكية لصاحب المال قال الله تعالى: «وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)» سورة التوبة، كلمات حمّلني أمانتها مشهد هذا الطفل الضعيف عنه وعن أمثاله، أبثها من قلبي لكل قلب حي وأختمها بقول .. ألا هل بلغت اللهم فاشهد. ،، ودمتم بخير وسعادة. (1-3) - أبيات مختارة من قصيدة لفؤاد قاسم الزهيري بحسب منتديات العنابي. (4) – أتمنى من يعرف اسم الشاعر إرسال اسمه بالبريد أو عبر تعليق إلكتروني.
إنشرها