الجيش هو القائد الموجّه في باكستان

ألحقت تبعات تسريبات موقع ويكي الخاصة بالضرر الذي لحق بمصالح الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، والهند، بسبب التعاون السري بين وكالة الاستخبارات الخارجية في باكستان، والأجنحة المختلفة من حركة طالبان، الكثير من الأذى فيما يتعلق بالديمقراطية الباكستانية الناشئة، وكذلك بالسياسة الخارجية المتعثرة بالفعل لدى حكومة هذا البلد. ويضاف إلى ذلك أن رئيس وزراء باكستان، يوسف رضا جيلاني، منح الجنرال إشفاق برويز كاياني، رئيس هيئة أركان الجيش الباكتساني، والمدير السابق للاستخبارات الخارجية، تمديداً غير مسبوق لفترة ولايته يصل إلى ثلاث سنوات.
ولم يتم أمر شبيه بهذا التمديد إلا للجنرال أيوب خان، حيث يعلم العالم جيداً نتائج ذلك. وعلى الرغم من نفي الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي، لذلك، فإن الضغط الأمريكي أسهم بقوة في اتخاذ قرار التمديد. وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية، والقوات المتحالفة معها، تعتقد أن الجنرال كاياني ليس شريكاً كاملاً في الحرب على الإرهاب، إلا أن رجلاً غيره يمكن أن يكون أسوأ بكثير. ومن الواضح أن الحكم المدني الذي مضى عليه عامان في باكستان لم يستطع أن يكون مصدر دعم للديمقراطية، كما أن قائد الجيش الباكستاني يظل هو المتحكم الوحيد في مصير الأمة.
أثبت الجنرال برويز مشرف، طوال سنوات حكمه العديدة، أنه لم يكن قادراً على توليد أفكار أصيلة فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية، والاجتماعية، ومشكلات باكستان المرتبطة بإقليمها، ولكنه أفلح كثيراً في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية. وقد نجح مشرف بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، إثر هجمات أيلول (سبتمبر) من عام 2001، في جعل بلاده موقعاً متقدماً للمواجهة، واستفاد الجيش الباكتساني من كل المنح من جانب الولايات المتحدة مقابل أداء المهام المطلوبة منه. وقد تعهد الجيش الباكستاني بمحاربة طالبان، والقاعدة على الأراضي الباكستانية، وكذلك التوقف عن مساعدة طالبان على الأراضي الأفغانية.
لقد أدت ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، المستمرة على باكستان، إلى جعل الجيش الباكستاني يشن عدداً من الهجمات على طالبان، مع أنه كان متردداً في القيام بذلك. وبعد هزيمة لحقت بطالبان في وادي سوات، وجنوب وزيرستان، ومقتل كل من بيت الله مشهود، وحليفته، حكيم الله مشهود، في غارات جوية أمريكية، لم يعد الجيش الباكستاني يتعرض لضغوط شديدة باستثناء مطالباته بالقيام بعمليات عسكرية في شمال وزيرستان.
إن أوضح درس مستفاد من تبادل الحكم العسكري والمدني في باكستان أنه طالما ظل الجيش الباكستاني أقوى وأكبر من الحاجات الأمنية الفعلية لهذا البلد، فإن سيف القوات المسلحة سيظل مصلتاً على عنق الديمقراطية كسيف ديموقليس. والحقيقة هي أن على المراكز الفكرية العربية التي كانت تتمنى الخير لباكستان، وتدعو إلى دعم الجيش الباكستاني كوسيلة لتعزيز الديمقراطية، أن تعيد النظر في تفكيرها. وكان مركز العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة من بين أقوى تلك المراكز التي ظلت تتبنى دعم الجيش كداعم للديمقراطية في باكستان.
كان النظام العسكري للجنرال مشرف قد أعلن بصراحة ''أن باكستان ستواصل دعم المليشيات التي تسعى إلى استقلال كشمير عن الهند، وذلك أخلاقياً، وسياسياً، ودبلوماسياً''. وعلى الرغم من مخاطباته الودية للهند، فقد وعد نواز شريف ''بالمزيد من الدعم لتلك المليشيات''. ويفهم مخططو الشؤون السياسية في الهند أن قادة الجيش الباكستاني سيستمرون في دعم مقاتلي كشمير، والتسبب في ألف جرح نازف للهند.
وربما كانت الهجمات الدامية على مومباي التي نسبت إلى جماعة لاشقر طيبة الدموية المدعومة من قبل المخابرات الباكستانية، دليلاً على هذه الاستراتيجية الهجومية العدوانية. والحقيقة هي أن المشكلة بين الهند وباكستان، هي الجيش الباكستاني نفسه، ونفوذه القوى في البلاد، وليس كشمير، أو أي قضية أخرى. وستظل المشكلات بين البلدين دون حل، إلى أن يخف دور الجيش الباكستاني، وتتعزز الديمقراطية في باكستان.
تعد باكستان في أيامنا هذه أبرز دولة في نشر التشدد الراديكالي ضمن إطار إرهاب ترعاه الدولة. ولولا جيشها الكبير والقوي، لما أصبحت في هذا الوضع، كما أن لوكالة الاستخبارات الخارجية لهذا الجيش دوراً كبيراً في الوصول إلى هذا الوضع. ولا بد للمجتمع الدولي من مواصلة دعم بذور الديمقراطية في باكستان، وكذلك تحقيق الاستقرار، لأن في ذلك مصلحة واضحة لهذا المجتمع. ويجب ألا يظل الجيش الباكستاني قادراً على حكم البلاد من وراء الكواليس، كذلك يجب إيقاف اندفاعه لزيادة قوته ونفوذه على نحو ثابت. وبالتالي، فإن المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة، وغيرها لباكستان، أمر يجب البحث فيه. إن أمام باكستان في ظل وجود حكومة مدنية، فرصة لكي تعيد النظر في موقفها. وما زلنا ننتظر ما إذا كان التحالف الذي يقوده زارداري سيتخذ إجراءات فعالة لإطلاق سبيل الديمقراطية في باكستان، أم أنه سيبتعد على الالتزام بالتفويض الممنوح له، ويغوص في أوحال السياسة الحالية في باكستان. ولا يزال سجل هذه الحكومة بعيداً عن الإيحاء بالثقة، حيث إنه تبين أن هناك تنسيقاً فعلياً بين الرئيس آصف زارداري وكبار جنرالات الجيش، وقد لا يبقي الجيش هذا الرئيس في الحكم لفترة طويلة.
إن منطقة جنوب آسيا هي في المرتبة الثانية من عدم الاستقرار على صعيد العالم، وذلك بعد غرب آسيا. وإن مركز عدم الاستقرار الرئيس الآن هو منطقة أفغانستان، وباكستان. وعلى جيران باكستان الإقليميين أن يلعبوا دورهم في مساعدة باكستان على اتخاذ مسار الديمقراطية، والحد من نفوذ الجيش القوي في البلاد، وكذلك على صعيد التدخل في أفغانستان. وعلى الهند كذلك أن تصعّد من نفوذها مع القوى الغربية حتى لا تستمر في علاقاتها العملية مع الجيش الباكستاني. وعلى الهند أن تدرس كذلك مسألة المساهمة في هزيمة طالبان، والقاعدة في أفغانستان، وذلك من خلال تدريب وإعداد قوات الجيش الأفغاني الوطني، أو حتى بواسطة وجود عسكري مباشر على الأراضي الأفغانية.

خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: OpinionAsia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي