هل الجامعات مسؤولة عن زيادة نسبة البطالة؟
> انتقدت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان استمرار الجامعات الحكومية في فتح باب القبول في تخصصات لا يحتاج إليها سوق العمل، ودعت إلى تقليص حجم القبول في تلك التخصصات لإتاحة الفرصة لخريجيها السابقين في الحصول على فرص عمل. وقال رئيس جمعية حقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني في تصريح له الأسبوع الماضي: ''إن الجامعات أسهمت في زيادة نسبة البطالة وأدت إلى تقليص حصول الخريجين على فرص عمل مضت سنوات على تخرجهم''، معللا ذلك باستمرار الجامعات في فتح باب القبول في تخصصات لا تتوافق مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل.
وأود أن أبين لسعادة رئيس جمعية حقوق الإنسان أن المهمة الأساسية للجامعات ليست في تخريج موظفين وليس لها علاقة مباشرة بالتوظيف والبطالة، فمهمة الجامعات أسمى من ذلك وأكبر. فوظيفتها الأساسية تقديم العلم والمعرفة وإجراء البحوث وخدمة المجتمع. وهنا لست مدافعا عن الجامعات فلها انتقادات كثيرة ولكن أريد أن أُذكر أن الجامعات منظمات انتقائية تقدم العلوم والمعارف وتحافظ على الموروث الثقافي ولم تنشأ أصلا لربط مخرجاتها بالوظائف وسوق العمل. فمسؤولية مؤسسات التعليم العالي في توفير فرص العمل والقضاء على البطالة مسؤولية جزئية. فمهمة أعضاء هيئة التدريس على سبيل المثال تتمثل في اقتراح الحلول لهذه المشكلة مبنية على الدراسات والأبحاث النظرية والميدانية، ومسؤولية مدير الجامعة وطاقمه الإداري والفني توفير البيئة البحثية المناسبة ومصادر البيانات والأجهزة والأدوات. ثم تقدم نتائج الدراسات من مقترحات وتوصيات وآليات للأجهزة المعنية بالتوظيف والبطالة لتنفيذ المناسب منها. فمساهمة الجامعات في التغلب على مشكلة البطالة مساهمة جزئية لا تتعدى ما ذكرت، أما أن تطوع برامج وخطط الجامعات لتلبية سوق العمل بصورة مباشرة فيمثل بعدا عن المفهوم المتعارف عليه للجامعات. وحتى تتضح الفكرة سوف أعرض تجربة إحدى جامعاتنا التي ربطت مخرجاتها بسوق العمل. فقبل عشر سنوات قامت إحدى جامعاتنا بإلغاء بعض التخصصات استجابة لمتطلبات سوق العمل، وقد أدى هذا التهور إلى انخفاض مستواها الأكاديمي ورداءة جودة برامجها وكادت تفقد هويتها وها هي الآن تسعى لترتيب أوضاعها من جديد ففتحت الأقسام التي قد أغلقتها من قبل لأنها تعلمت بعد سنوات من الضياع أن الجامعة أنشئت للعلم والمعرفة والبحث وليس لسوق العمل.
ولا ننسى كليات المعلمين التي ربطت برامجها بوظائف الخدمة المدنية وسوق العمل. أنشئت كليات المعلمين لسد النقص الذي كانت تحتاج إليه وزارة التربية والتعليم - المعارف سابقا - وبعد أن تشبعت بما تحتاج إليه أصبحت كليات المعلمين حملا ثقيلا عليها فتبرأت منها وقذفتها إلى وزارة التعليم العالي. لماذا هذه النهاية المؤسفة لكليات المعلمين حتى أصبحت تتقاذفها الأيدي؟ في تصوري أن السبب يرجع إلى ربط مخرجاتها بسوق العمل فعندما ارتبطت مخرجات كليات المعلمين بالحاجة لتخريج معلمين ثم لم تعد الحاجة إليها قائمة فكان مصيرها كليات من الدرجة الثانية تتبع وزارة التعليم العالي. ولو أغلقت الجامعات بعض التخصصات بحجة تشبع سوق العمل كما يقترح رئيس جمعية حقوق الإنسان فسيبعد الجامعات عن مهمتها القومية وسيجردها من الصبغة الأكاديمية ومن خدمة العلم والمعرفة وستصبح أشبه ما يكون بمعاهد تدريب.
والمشكلة ليست في برامج ومخرجات الجامعات بل في سوق العمل ذاته. فالجامعات تدرس النظريات والنماذج وما يجب أن يكون عليه الوضع، كما أن خططها الأكاديمية يعاد تقييمها من وقت لآخر وهي تفترض أن سوق العمل وقطاع الأعمال يتقيدان بالنواحي العلمية. إلا أن قطاع الأعمال لدينا يكون بطريقة عشوائية ويعمل بطريقة فوضوية مستخدما في ذلك التجربة وطريقة المحاولة والخطأ ولم يبن أبدا على أسس علمية لذا لا يستطيع استيعاب مخرجات الجامعات. فمن ينادي بأن على الجامعات أن تطوع برامجها حتى تتفق ومتطلبات سوق العمل والوضع المتردي للقطاع الخاص فقد أبعد مؤسسات التعليم العالي عن مهمتها الأساسية. الذي يجب أن يكون هو تهذيب وتعديل البيئة الإدارية والتنظيمية لقطاع الأعمال كي يناسب النظريات العلمية وعندها سيلتقي الطرفان ويستطيع قطاع الأعمال أن يستفيد من مخرجات الجامعات.
لقد لاحظنا انحراف قطاع الأعمال عن المنهجية العلمية من سلوكيات طلابنا الذين يقضون فترة التدريب في بعض الشركات فنجدهم يتعلمون ويتدربون على طرق وأساليب ليست مؤصلة علميا بمعنى أن الشركات تنهج أساليب تخالف كثيرا من النماذج الحديثة التي تعلموها في الجامعات. والعجيب أن طلابنا يعودون إلينا مستاءون من برامج وخطط الجامعة ويصمونها بالتخلف والقصور بسبب ما يرونه في الواقع لأنهم يرون في الشركات خلاف ما تعلموا فيظنون الصحيح ما تمارسه الشركات. وهنا نتدخل ونقول لهم إن المشكلة ليست في برامج الجامعات ولا في خططها فهي معدة بطريقة علمية ومعتمدة من المركز الوطني للتقويم والاعتماد الأكاديمي وبعض الجامعات حصلت على اعتمادات دولية ونذكرهم بأن المشكلة في سير قطاع الأعمال لدينا الذي يتمرد على النظريات ويتجاهل الكثير من النماذج العلمية.
وما الصراعات التي تحدث بين الواقع والنظرية أي بين الممارسين في قطاع الأعمال وبين الأكاديميين في الجامعات إلا إثبات لصحة ما أقول والمفترض ألا يكون هناك خلاف أو اختلاف فالأصل العلم والنظرية وليس التطبيق فإذا كان الواقع يختلف عن النظرية فيجب تعديله بما يتفق مع النماذج والنظريات العلمية.