الاستثمار في حقوق الملكية وتقاسم المخاطر يدعمان استقرار التمويل الإسلامي
اهتم المحللون بمسألة تقاسم المخاطر في التمويل الإسلامي Risk sharing، خاصة أن تحريم سعر الفائدة هو المبدأ الأساس في صناعة التمويل الإسلامي، وهو ما جاءت به آيات عديدة في القرآن الكريم فضلاً عن الأحاديث النبوية.
ويوضح التفسير الاقتصادي الحكمة من تحريم التعاملات الربوية؛ وذلك بتحليل سمات عقود الدين المبنية على سعر الفائدة.
أول ما تتسم به تلك العقود أنها أداة لتحويل ونقل المخاطر. وثاني صفات العقود المؤسسة على سعر الفائدة أن الدائن ــ بإمضائه هذا العقد ــ تصبح له حقوق ملكية على المدين تساوي المبلغ الأساسي، إضافة إلى الفوائد المستحقة وأية ضمانات تدرج في العقد. وتمثل تلك الصورة انتهاكاً لحقوق الملكية كما أقرتها الشريعة الإسلامية ومن أهمها: أن للخالق تعالى الملكية المطلقة لكل شيء، فقد خلق مصادر الرزق ولا يجوز منع أحد منها. كما أن العمل هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن للشخص أن يتملك بها شيئاً عندما يستغل قدراته البدنية والعقلية للاستفادة من المصادر الطبيعية في تكوين منتج ما.
وطالما أن المصادر الطبيعية ملك للجميع فإن الأقل مقدرة يكونون بمثابة شركاء صامتين في المنتج والدخل والثروة. وقد حرمت حقوق ملكية آنية مثل السرقة والربا والقمار وغيرها. ويمكن للشخص أن ينقل حقوق الملكية لآخر من خلال التبادل أو الميراث أو التنازل عن الحقوق للأقل قدرة. أما بالنسبة لعقود الدين القائم على الربا فإنها تعطي المدين مزاعم حقوق ملكية ضد المدين بغض النظر عن النتائج. ويحصل المدين على حق الملكية دون أن يقوم بعمل مكافئ له.
#2##3#
وبالنسبة لعقود التبادل التي تحل محل عقد الدين القائم على سعر الفائدة فإن لها سمات عديدة أولها أن الطرفين يكون لهما حق ملكية على المواد موضوع التبادل قبل إبرام العقد من الأساس. ثانياً وجود مكان لإجراء عملية التبادل مثل الأسواق. ثالثاً يحتاج السوق إلى وجود قواعد منظمة تضمن إجراء عمليات التبادل بفاعلية، مع وجود آلية تنفيذ لتلك القواعد.
وتسهم عملية التبادل في تسهيل التخصص، كما تسمح للأطراف بتقاسم مخاطر الإنتاج والنقل والتسويق والمبيعات والأسعار. ومن ثم فإن عملية التبادل تعتبر وسيلة لتقاسم المخاطر. ومن وجهة نظر اقتصادية فإن تحريم العقود المبنية على سعر الفائدة وتبني عقود التبادل، يوضح أن الإسلام يشجع على تقاسم المخاطر لكنه يحرم نقل المخاطر أو تحويلها.
وفي تعاملات تمويل حقوق الملكية equity finance –التي تعد من أمثلة إدارة مقاسمة المخاطر ــ يتقاسم الأطراف المخاطر تماماً كما يتقاسمون العائد من العقود. أما في حالة العقود المبنية على سعر الفائدة فإن المخاطر يتم تحويلها من الممول إلى المقترض. ولا يحتفظ الممول بحقوق ملكية الأصل والفائدة وإنما بأي ضمانات تدخل في عملية إدارة التمويل. وفي تعاملات مشاركة حقوق الملكية equity participation يتم استثمار الأصول في تجارة مدفوعة الأجر وفي أنشطة إنتاجية، ولا يكون العائد معروفاً حال استثمار الأصول وبالتالي يكون قيماً عشوائية. وبهذا تصبح حقوق الملكية بمثابة أصول خطرة.
وفي استثمار حقوق الملكية يتشارك ملاك الأموال والأصول المادية ورجال الأعمال في المخاطر. ويكون دخلهم عشوائياً يعتمد على أداء الاستثمار. ولأن تلك العقود ليست مدفوعة الأجر فإنها لا تلعب دوراً اقتصادياً مهماً في تمويل التجارة والاستثمار في صناعة التمويل الإسلامي.
وماذا عن اقتراض المحتاجين والفقراء من أجل البقاء؟
قبل الإسلام ــ كما في العصور الوسطى في أوروبا ــ كان المحتاجون يرهنون ممتلكاتهم كضمان، ومن ثم فقد كان المحتاج يخاطر بخسارة كل ما يمتلك بل قد يصل الأمر إلى أن يخاطر بحريته بأن يصبح من الرقيق. أما في الإسلام فإن الفقراء والأيتام والمحتاجين لهم نصيب مفروض محدد من أرباح الأصول. ولعل الفقر المدقع الذي تعيش فيه مجتمعات كاملة يرجع في الأساس إلى امتناع أو تقاعس الأغنياء عن دفع الزكاة المفروضة عليهم لمصلحة الفئات المحتاجة.
التمويل الإسلامي مستقر بطبيعته
للتمويل الإسلامي سمات تجعل منه اقتصاداً مستقراً نظراً لتشديده على الاستثمار في حقوق الملكية وتقاسم المخاطر. بينما التمويل التقليدي الذي يعتمد على الإقراض وسعر الفائدة فهو غير مستقر. وقد عبر عن هذا الاقتصادي الأمريكي البارز هيمان فيليب مينسكي حين وصف التمويل التقليدي بأنه منبع اللااستقرار لأنه يتكون من دائرة لها ثلاثة أحوال: الهدوء النسبي، والانتشار الخيالي المبني على تخمينات، ثم الأزمات والكوارث الاقتصادية والإفلاس. ولا يقتصر الإفلاس على القطاع الخاص فحسب كما اتضح من الأزمة الحالية التي تعيشها اليونان؛ فالحكومات أيضاً قد تواجه شبح الإفلاس.
وقد كشف التحليل التاريخي أن كل الأزمات المالية والمصرفية وأزمات العملات هي أزمات ديون في النهاية. وكشف إفلاس عدد من الدول النامية في السنوات الأخيرة أن أغلبية الحكومات التي تقترض ما يعد مستوى دين معقول بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي؛ تجد نفسها غير قادرة على الوفاء بالديون وذلك لارتفاع التزامات تلك القروض. وقد وجد عديد من تلك الحكومات أنها طوقت بمستوى دين يعادل أضعاف المبلغ الأصلي الذي استدانته.
وفي أعقاب الأزمة العالمية التي بدأت في أغسطس 2007، دعا صندوق النقد الدولي وعديد من الجهات التنظيمية في الدول الصناعية إلى تشديد الرقابة على البنوك التقليدية لجعل صناعة التمويل التقليدي أقل تسبباً وتعرضاً للأزمات.
الحاجة لاستثمارات طويلة المدى
كي يحقق التمويل الإسلامي المكانة المتوقعة له يجب أن يركز على الاستثمار طويل المدى والنمو الاقتصادي؛ لا أن يظل مقتصراً على الاستثمارات قصيرة المدى والسيولة المرتفعة وتجارة السلع الآمنة. وتعتبر الاستثمارات طويلة المدى أكثر خطورة؛ حيث إن المخاطر تتزايد بمرور الوقت. ويمتاز الاستثمار طويل المدى بأنه يحقق أرباحاً أكثر، إلا أن هناك عقبات تواجهه أبرزها السيولة، والمشكلات المعلوماتية، وضعف الإجراءات التنظيمية والالتزامات، فضلاً عن عدم توافر الحماية لصغار المساهمين. وبالنسبة لمشكلة السيولة فإنه يمكن التغلب عليها بأحد طريقين: الأول هو التعامل خارج البورصات وفيه يتم تحويل إيداعات حساب الاستثمار الموضوعة في بنوك إسلامية إلى مالك جديد. والطريق الآخر هو عمليات التبادل في أسواق الأسهم؛ حيث يمكن تداول الأسهم المدرجة بتكلفة منخفضة في الأسواق السائلة.
وقد خرجت الورقة البحثية التي قدمها الباحثان إلى عديد من الجهات بنتيجة مفادها أن وجود سوق أوراق مالية نشطة أفضل أداة لتقاسم المخاطر. ويمكن لتطوير سوق أوراق مالية كفؤة أن يقوم بإتمام منظومة أدوات التمويل الإسلامي الحالية والمستقبلية بصورة أكثر كفاءة. كما يمكن أن يوفر لقطاعي الأعمال والصناعة وسيلة زيادة رأس المال. ومن شأن هذه السوق النشطة أن تقلل من هيمنة البنوك؛ حيث تتركز المخاطر وتتسبب في إضعاف النظام بشكل كبير.
كما أن تنوع محفظة الأسهم المالية يقلل من المخاطر التمييزية سواء المتعلقة بالمستثمرين الأفراد أو الشركات، كما يقلل هذا التنوع من المخاطر العامة للمحفظة.
ومن ثم فإن هناك توصيات بتقوية إطار العمل التنظيمي، وخفض تكاليف أسواق حقوق الملكية، وحماية الأقليات من المساهمين، والتشديد على التزامات العقود.
وهناك حاجة ملحة لتطوير أسواق ثانوية لتجارة أسهم حقوق الملكية، على أن تكون أسواقاً فاعلة قليلة التكاليف. وستعمل هذه الأسواق على توزيع أفضل للمخاطر، كما أنها ستقلل من المخاطر بالنسبة للدفعات المتوقعة.
وفي غياب تقاسم حقيقي للمخاطر فإن التمويل الإسلامي سيعطي انطباعاً خاطئاً بأنه مجرد تطوير لتمويل قصير المدى، وقليل المخاطر، وضخم السيولة دون النظر للبعد الأكثر أهمية في تلك الصناعة. ويتمثل هذا البعد في القدرة على تسهيل النمو الضخم في التوظيف والدخل مع المخاطر المنحفضة نسبياً بالنسبة للمستثمرين الأفراد والمشاركين في السوق.
ولا يفوت التذكير أن ممولي رأس المال المخاطر يستخدمون آليات تشبه إلى حد كبير عقود مقاسمة المخاطر الإسلامية مثل المضاربة.