معوقات قضاء التأمين بالمملكة (4 من 4)

السؤال الذي يطرح نفسه في ختام سلسلة مقالات معوقات قضاء التأمين بالمملكة هو عن ماهية الحلول التي يلزم تبينها لتلافي هذه المعوقات. وكما أسلفت، فإن هذه المعوقات تتمحور حول ثلاثة أشياء أساسية متعلقة بالجوانب النظامية للتأمين، وكذا بالاختصاص القضائي للجان الفصل في منازعات التأمين وأيضاً ديوان المظالم، وأخيراً ما يتعلق بالكوادر البشرية التي تدير عمل هذه اللجان.
وعند البحث في إيجاد حل لهذه المعوقات، فإنه ومن وجهة نظري، فإن الحل يكمن في اتخاذ مجموعة من الخطوات في هذا الصدد، ومنها إصدار نظام شامل للتأمين تحت مسمى نظام التأمين بحيث يتصدى لجميع الجوانب الموضوعية للتأمين، ومنها تعريف عقد التأمين وأركانه وشروطه، وكذا وثيقة التأمين، وتحديد أنواع التأمين، وتعريف كل نوع منه، وبيان ماهية تقسيمات التأمين، كالتأمين التعاوني والتأمين التكافلي والتأمين التجاري، ثم تحديد التزامات كل طرف من أطراف عقد التأمين، وبيان الآثار المترتبة على عقد التأمين، وتعريف إعادة التأمين وأنواعه، وتعيين الجهة القضائية المختصة، وبيان صلاحياتها ونطاق اختصاصاتها. ثم يكون هناك قسم آخر في النظام للحديث عن الرقابة والإشراف على قطاع التأمين، سواء فيما يتعلق بالرقابة على شركات التأمين وعلى شركات إعادة التأمين أو فيما يتعلق بالمهن المرتبطة بنشاط التأمين، مثل وسطاء التأمين أو وكلاء التأمين واستشاريي التأمين ومقدري الخسائر وما إلى ذلك، وبعد ذلك يتم تحديد الجهة المختصة بالرقابة والإشراف على قطاع التأمين، وكنت أتمنى لو كانت هذه الجهة الرقابية غير (ساما) أي أن تكون هناك جهة مستقلة ومفرّغة للإشراف على قطاع التأمين، وأن يتم في هذا النظام المُقترح تحديد صلاحيات هذه الجهة وأنواع الرقابة التي تمارسها.
وعندها يمكن القول بأن لدينا تنظيما شاملا للتأمين، ذلك أن الإحاطة تنظيمياً بجوانب التأمين ومنظومته هي مسألة ضرورية، نظراً لاعتماد التأمين في نشاطه على كثير من المكونات والآليات التي ينبغي التصدي لها تنظيمياً وعدم تركها أو إهمالها، لأنها بمجملها تُعد المحرك الرئيس لنشاط التأمين في المملكة. وبالطبع، فإن هذه هي الخطوة الأولى وأرى أن أهميتها تكمن في أنها تمثل صمام أمان ضد الاجتهادات الخاطئة المتعلقة بالتأمين كونها ستمثل مرجعية نظامية يتم الاعتماد عليها في حال الاختلاف.
كما أن الوضوح مطلوب، وليس هناك ما هو أفضل من النصوص النظامية المعتمدة، خاصة في المسائل الفنية والشرعية الدقيقة. وفيما يتعلق باللجان العاملة في مجال قضاء التأمين فهذه بحاجة لأن تكون لديها كوادر فنية قادرة على التعامل مع قضايا التأمين وقادرة على أن تُرسي المبادئ القانونية المهمة التي تستمدها من معالجتها للقضايا المعروضة أمامها بشكل مهني وصحيح.
ولكن قبل ذلك وبمناسبة الحديث عن الجهة القضائية الرقابية على قرارات لجان الفصل في منازعات التأمين وهي ديوان المظالم، فأرى أنه من المناسب أن تتم إعادة هيكلة قضاء التأمين بحيث تكون هناك لجان تأمينية ابتدائية ولجان تأمينية استئنافية، ويكون الاختصاص للجان الابتدائية في جميع النزاعات ذات الطابع التأميني البحت، ومنها على وجه الخصوص جميع النزاعات التي تحصل بين شركات التأمين وعملائها، ثم يأتي بعد ذلك دور لجان التأمين الاستئنافية التي تستقبل التظلمات ضد القرارات التي تصدرها اللجان الابتدائية، بحيث تكون قرارات اللجان الاستئنافية ملزمة ونهائية. ولكن بشرط أن يكون أعضاء هذه اللجان الاستئنافية على درجة عالية من التأهيل القانوني التأميني، وأن يكون لديها كادر من المستشارين القادرين على دراسة ملفات الاعتراضات المرفوعة وإبداء الرأي القانوني بشأنها. وختاماً، فإنه من الواجب أن نُولي قضاء التأمين الأهمية التي يستحقها لأننا مقبلون ـ بحول الله ـ على نهضة كبيرة في نشاط التأمين، ومن المؤمل أن تكون المملكة في القريب دولة رائدة ـ بحول الله ـ في مجال صناعة التأمين التعاوني والتكافلي، وكذلك رائدة في قضاء التأمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي