يحظى تسويق الخدمات المصرفية باهتمام كبير من جانب القائمين على إدارة المصارف والمؤسسات المالية, حيث تتنافس فيما بينها سعياً وراء زيادة حجم عملياتها, وذلك عن طريق جذب عملاء جدد، ومن هذا المنطلق قام كثير من المؤسسات المالية بإنشاء إدارات مستقلة للتسويق عهد إليها بمسؤولية وضع البرامج التي تمكن البنك من تحقيق هذا الهدف.
ولما كان التسويق علماً قائماً بذاته, وضرورة لترويج الأفكار والسلع على حد سواء, أصبح لزاماً على المصارف الإسلامية تبني نهج تسويقي شامل لطرح نفسها بديلا للمؤسسات التقليدية في كل التطبيقات المصرفية الحديثة وبما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
قبل فترة يسيرة اتفق أغلبية المشاركين في المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية في سنغافورة, على أن تباين التشريع معضلة تواجه تسويق منتجات المصارف الإسلامية العالمية، وكان هذا مؤشرا على وجود خلل في تسويق المنتجات المالية الإسلامية وإشارة إلى حاجتها إلى مزيد من الضبط.
الدكتور حسين شحاتة الأستاذ في جامعة الأزهر كان قد ناقش في دراسة له موضوع تسويق المصرفية الإسلامية, وتوصل إلى أن هناك عديدا من الخصائص التي يجب على المصارف الإسلامية الالتزام بها, من أهمها الالتزام بالقيم الأخلاقية مثل الأمانة الصدق العدل والحق والموضوعية والكفاءة, كذلك الالتزام بالأصالة الإسلامية في تقديم الخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها, كما أن من المهم استخدام التقنية في وسائل التسويق المعاصرة متى كانت تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها, ويجب أن يحقق التسويق مقاصد الشريعة الإسلامية ومنها حفظ الدين وحفظ المال والمحافظة على الهوية الإسلامية للخدمات والمنتجات المصرفية الإسلامية, ومن المهم الأسوة الحَسنة في التسويق, بمعنى أن يكون من يقومون بالتسويق قدوة حسنة من حيث الالتزام برسالة المصارف الإسلامية, وأخيرا الوسطية في التسويق والإعلام عن خدمات المصرف الإسلامي ومنتجاته من دون مبالغة أو تهويل.
#2#
من جانبه, قال الدكتور سامر مظهر قنطكجي رئيس الجامعة الاسكندنافية, إن الإمام الغزالي أشار إلى أنه من أدب التسويق أن تكون الإعانة للمشتري أكثر, فإن البائع راغب عن السلعة يبغي ترويجها والمشتري محتاج إليها، والصدق مطلوب في التسويق وفي الترويج للسلع والخدمات، وحال المسلم هو إظهار العيوب والنصح لقوله ـ صلى الله عليه وسلم: ''من باع بيعاً ولم يبيّنه لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه''.
وأضاف قنطكجي: لذلك يعد حسن التعامل مع الزبائن مما يُناسب أصول المعاملات الشرعية والعلمية على حد سواء.
فزبائن المؤسسات المالية الإسلامية يقسمون إلى شرائح عديدة، فمنهم من يهتم بالتهرب من الربا خشية حرمته، ومنهم من يبحث عن الربحية، ومنهم من يجمع بين السببين معاً.
وعدد قنطكجي بعض المشكلات والأخطاء التي قد تقع من قبل مسوقي المنتجات المالية الإسلامية فقال: لوحظ تعامل بعض المؤسسات المالية مع زبائنها بخشونة وفظاظة رغم ما ترفعه من شعارات (كالعميل أولاً) وما شابه من عبارات خاوية من أي معنى, ثم إن ضعف اختبار المنتج المالي وعدم دراسته تسويقياً يعد إجراء معرقلاً لأساليب التسويق, حيث لا بد من تعريف الجمهور والموظفين (على حد سواء) بالجوانب الشرعية والفنية للمنتج، ثم إجراء قياسات سوقية عليه قبل تسويقه، ثم إسناد التسويق إلى فريق تسويق مدرب وكفؤ.
وبحسب قنطكجي فإن القصور يطول كلاً من الفنيين والشرعيين بوصفهم شركاء في تقديم الصورة الكافية للجمهور.
فمثلاً: التسويق لا ينتهي ببيع الزبون، بل هو متتابع، فقصور قسم الائتمان ومماطلته في الدراسة يسيء إلى التسويق، ويترتب عليه الابتعاد عن سياسة خنق الزبون ومحاصرته بنقل جميع المخاطر بالكلية على عاتقه, كما أن تسهيل إجراءات العمل ضرورة ملحة، فالعمل المالي الإسلامي يزداد تعقيداً في معاملاته بشكل قاتل ويصل إلى حد لا يُطاق مقارنة بما هو قائم في المؤسسات المالية الربوية، فرغم تحول معظم الأعمال في الدنيا إلى الشكل الإلكتروني بهدف تقديم السرعة القصوى في خدمة الزبائن, نجد أن بعض المؤسسات المالية الإسلامية لا تزال تراوح في الورقيات حتى يُصبح الملف أثخن وأسمك من بعض المعاملات الحكومية.
ويزداد الطين بلّة بتعامل تلك المؤسسات بأسلوب الإدارة المركزي, ما يعكس سمعة سيئة تتمثل في شعور الزبائن بالملل أو بضرورة اللجوء إلى أساليب ملتوية.
وحول أهم الحلول قال قنطكجي: يعد الترخيص لمزيد من المؤسسات المالية الإسلامية حلاً ضاغطاً يجعلها تتجه نحو التسويق الأفضل لجذب زبائنها, وأشار سامر إلى أن شيوع أسلوب الثواب والعقاب بين العملاء من خلال معاقبة المؤسسات التي تسيء إليها يعد عاملاً مهما من عوامل انضباط السوق ثم إنه يترتب على المؤسسات المالية الإسلامية الالتزام بمعايير التخطيط المسبق لأي منتج من منتجاتها، وهذا يتطلب قسماً خاصاً يهتم بالبحث والتطوير R&D يضم أفضل الخبراء المحترفين.
#3#
من ناحية أخرى, أشار الأستاذ لاحم الناصر المستشار في المصرفية الإسلامية إلى أن المصارف التي تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية أو تقدم خدمات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية يجب عليها أن تتجنب كل الممارسات التي نهت عنها الشريعة الإسلامية.
وتابع لاحم: إلا أن المتتبع لكثير من ممارسات المصارف الإسلامية أو المصارف التي تقدم خدمات متوافقة مع الشريعة الإسلامية يجد فيها كثيرا من الممارسات القائمة على عدم مصارحة العميل، بل هي في الحقيقة تتعمد تضليله عن طريق إخفاء بعض المعلومات المهمة عنه, التي لو علم بها العميل لما أقدم على شراء هذا المنتج أو ذلك.
ووفقا للاحم فإن تضليل العميل يبدأ من الدعاية الكاذبة التي تظهر بعضا وتعرض عن بعض، فتظهر الوجه الجميل للمنتج وتخفي القبيح مثل الدعاية التي تحث العميل على الحصول على بطاقات الائتمان واستخدامها ووضع الجوائز على استخدامها، مستغلة في ذلك جهل العملاء الائتماني المطبق بهذه الأداة وطريقة احتساب الأرباح عليها، فلا يدرك العميل ما جناه على نفسه باستخدام هذه البطاقة إلا بعد أن يقع المحظور، فيجد نفسه يكافح زمانا طويلا لتسديد الأرباح فقط دون أن يطمع في تسديد أصل الدين.
وقال لاحم لا شك عندي أن هذا من الخلابة التي نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنها، فيجب على المؤسسات المالية التي تقدم هذه الخدمة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية أن تنصح لعملائها ببيان مخاطر هذه الأداة لهم وكيفية الاستخدام السليم لها وطريقة احتساب الأرباح عليها قبل منحها لهم هنا فإنني أطالب البنوك المركزية بالتشدد في معايير الإفصاح والشفافية المطبقة في البنوك في عمليات التمويل بحيث يدرك العميل جميع المخاطر التي يتعرض لها والبدائل المتاحة له, وأن تقوم هذه المؤسسات الرقابية بمراجعة جميع الوثائق والاتفاقيات للتأكد من عدم وجود أي لبس فيها مع وضع معايير للإعلانات التسويقية للمنتجات البنكية بحيث تبتعد عن تبسيط الأمور وتسهيلها ومداعبة غرائز العملاء، مع التشديد على أنها يجب أن تكون صادقة وصريحة، كما يجب على الهيئات الشرعية التي تجيز هذه المنتجات أن تضع معايير شرعية كذلك لتسويقها, بحيث تتجنب جميع المحاذير الشرعية التي قد تؤثر في الرضا الكامل, الذي هو مناط تحليل أموال العباد.



