Author

استقالة وزيرين بسبب سيجار وطائرة

|
انتقدت الصحافة الفرنسية مرتين خلال الأشهر الأخيرة أحد الوزراء، المرة الأولى لأنه استأجر طائرة خاصة مقابل نحو117 ألف يورو للتوجه إلى منتجع سياحي في إحدى الجزر، والأخرى عندما اشتبه في أنه استخدم نفوذه للحصول على أرض مجاورة لتوسيع قصره. وتعرض وزير آخر للانتقاد لأنه اشترى بالمال العام كمية من السيجار الكوبي مقابل 12 ألف يورو. وقدم الوزيران استقالتيهما بناء على هذه الانتقادات, وتندرج الاستقالتان في سلسلة من الجدل الذي يتضمن اتهام وزراء لما ينفقونه من أموال أو لشبهات حول تورطهم في قضايا. قد لا يعلم غير المختصين في المجال الحقوقي بوجود قانون مختص لهذه الأمور, وهو نظام محاكمة الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 88 وتاريخ 22/9/1380هـ, الذي تسري أحكامه, بناء على نص المادة الأولى منه, على أعضاء مجلس الوزراء والموظفين بمرتبة وزير إذا ارتكبوا أثناء تأدية وظيفتهم أيا من الجرائم المنصوص عليها في النظام. وذكر النظام عديدا من الجرائم منها الجرائم المرتبطة بسيادة الدولة وما يعد من جرائم الخيانة العظمى. ثم ذكر النظام في المادة الخامسة عددا من الجرائم المرتبطة بالفساد وذكر منها: أ - التصرفات أو الأفعال التي من شأنها التأثير بالزيادة أو النقص في أثمان البضائع والعقارات أو العملة أو الأوراق المالية للحصول على فائدة شخصية له أو لغيره. ب - قبول فائدة أيا كان نوعها لنفسه أو لغيره لقضاء عمل رسمي أو الامتناع عن عمل رسمي. ج - استغلال النفوذ ولو بطريق الإيهام للحصول على فائدة أو ميزة لنفسه أو لغيره من أي هيئة أو شركة أو مؤسسة أو مصلحة من مصالح الدولة. د - تعمد مخالفة النظم واللوائح والأوامر التي يترتب عليها ضياع حقوق الدولة المالية أو حقوق الأفراد الثابتة شرعاً أو نظاما. هـ - إفشاء قرارات ومداولات مجلس الوزراء التي تتعلق بأمن الدولة الداخلي وسلامتها الخارجية والشؤون المالية والاقتصادية ومحاكمة الوزراء. و- التدخل الشخصي في شؤون القضاء والهيئات والدوائر الحكومية. ورتب عقوبة بالسجن تراوح بين ثلاث وعشر سنوات على من يرتكب أيا من الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة مع عدم الإخلال بما ينص عليه أي نظَام آخر. الوقائع التي تم ذكرها في بداية المقال منقولة بتصرف من "الاقتصادية" عدد 6112 ليوم الثلاثاء 24 رجب 1431هـ عن استقالة وزيرين فرنسيين بسبب سيجار كوبي واستئجار طائرة, هذه الوقائع نأمل ألا تحصل لدينا, لكن في نهاية المطاف نحن بشر ولا بد من وجود عاملين أساسيين لتدعيم الاستقرار, هما الشفافية, بحيث إن المواطنين تتوافر لديهم المعلومات بشكل عام من مصادر موثوقة وبشكل رسمي, خاصة حول الفساد, وذلك منصوص عليه في استراتيجية محاربة الفساد, التي سبق أن تحدثت عنها في مقال سابق, والأمر الآخر والأهم هو المحاسبة. ونص النظام على هيئة للمحاكمة تكون من وزيرين وعضو شرعي برتبة رئيس محكمة كبرى (محكمة عامة) في ظل نظام القضاء الجديد ووجود هيئة. قد يكون السبب الرئيس لعدم وجود الشفافية في هذا المجال هو وجود هيئة المحاكمة بناء على التشكيل الذي ذكر سابقا وليس للقضاء سلطة للنظر في هذه القضايا. من وجهة نظري, أن هذا النظام في حاجة إلى إعادة نظر, خاصة أنه صادر قبل أكثر من 50 سنة, خاصة فيما يتعلق بهيئة المحاكمة, وذلك كي تتوافق مع المادة 46 من النظام الأساسي للحكم, التي تنص على أن "القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية". وبناء على ذلك فمن الأنجع إسناد مهمة محاكمة الوزراء للقضاء كي لا توجد إشكالية دستورية في هذا الجانب ولتدعيم الجانب الاستقلالي للقضاء.
إنشرها