خدعة الصورة

يصنع المرء لنفسه بشكل عمدي أو غير مقصود صورة افتراضية، قد تختلف بدرجة كبيرة عن واقع الحال. هذا الأمر تطور كثيرا. وأضفى الإعلام الجديد فرصا أكثر لتكريس المبالغة في ترميز وتصنيم صور لا علاقة لها بالحقيقة. العامة يتعاملون مع الصورة التي يقدمها لهم الإعلام بقدر كبير من المصداقية. في غالب الأحوال تنكسر الصورة إذا أخفق الإعلام في المحافظة على هذه المصداقية. الأمر يعتمد على سلسلة من الأمور. في فترة من الفترات، كان المثقف ـ بكل أطيافه ـ يمثل مصدر الحقيقة، وكان المبدأ السائد أن يغفر له ما لا يغفر لسواه من خطايا وإخفاقات. كانت سلطة المثقف وسطوته في كل العالم غير عادية، ولهذا كانت الحكومات تتعامل معه بأشكال متعددة، فهي إما أن تجله وتقدره وإما أن تدفع به إلى السجن. وبين هذين الخيارين هناك سيناريوهات متعددة تتفاوت بين محاولة الشراء والتحييد والتهميش والتطفيش .. إلخ. كانت صورة المثقف والمبدع في ذاكرة الناس من الصور الملهمة لهم لفعل الأشياء التي يعتقدون أنها أفضل بالنسبة لهم. وجاء عصر الصورة و(الميديا) الجديدة ليكسر الحواجز بين طرفي اللعبة المتمثلة في المرسل للفكر والمتلقي لهذا الفكر. وأصبح من السهل التفريق بين فكر أبيض تسوده المثالية وبين واقع يعيشه المثقف يتناقض مع كل ذلك. هو في كتاباته يمقت العنصرية، ولكنه في الواقع يمارس العنصرية باعتباره أحد سدنتها. هو يتحدث عن الرأي الآخر، ولكنه في واقعه يمارس الدكتاتورية على من حوله في أبشع صورها. الزيف الذي تمنحنا إياه الصورة يحتاج إلى كثير من التأمل... كثيرون يتحدثون عن الإنسان وهم في واقعهم من البشاعة بحيث يصعب أن تصدق أن من يغرق الناس في مثل هذه الأحاديث هو أول من ينقضها. مستويات الصورة لدى المثقف في عالمنا العربي تلفت الانتباه وتكشف السبب الحقيقي لمشكلاتنا. نحن نقول كثيرا ولا نفعل شيئا أبدا. أبسط الأشياء لا نفعلها. لا بد أن تتغير الصورة. الأمر يحتاج إلى كثير من الصدق والمصالحة مع النفس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي