السير على الحبل المشدود في «آسيان» .. تشجيع حقوق الإنسان وحمايتها
إن ركوب الحافلة والذهاب إلى المدرسة وزيارة الطبيب حقوق أساسية لنا كمواطنين في بلد ما، وهي من الأمور المسلم بها لأنها موجودة في هياكل قوانيننا، وفي العقد الاجتماعي والقانوني الذي يشكل نسيج مجتمعاتنا. والحقيقة أن قوانين بلادنا تؤمن الحصول على تلك الحقوق، غير أن الحال ليست كذلك حين يتعلق الأمر باللاجئين الذين لا تحميهم قوانين حكوماتهم، ولا قوانين البلدان التي تتولى استضافتهم.
لقد نالت تايلاند وماليزيا قبل عام مضى وصمة شمولهما بقائمة أسوأ الأمكنة من حيث قضية ملاءمة وجود اللاجئين. وتستضيف تايلاند أكبر عدد من اللاجئين في جنوب شرق آسيا، حيث تقدر أعدادهم بما تراوح بين 360 ألفا ومليوني لاجئ، وجاء أغلبهم هاربين من بورما، كما أنهم يعيشون في معسكرات لاجئين باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين في أنحاء مختلفة من البلاد. وأما ماليزيا فتستضيف عدداً أقل من اللاجئين القادمين من بورما، والفلبين، وإندونيسيا.
على الرغم من تقديم تايلاند وماليزيا تسهيلات للاجئين بمرور السنوات، وسعيهما إلى تقديم معونات إنسانية إليهم، إلا أنهما حرمت اللاجئين من الحقوق الإنسانية، حيث لا تعترفان بحق اللاجئ في عدم إرغامه على العودة إلى بلاده، إذ من المعروف أن تلك العودة يمكن أن تشكل خطراً على الحياة، وعلى الأمن، أو الحرية.
وقد تمت مخالفة هذا الحق بصورة سافرة حين أجبرت تايلاند أربعة آلاف من اللاجئين على العودة إلى لاوس، كما أجبرت أربعة آلاف لاجئ آخر على العودة إلى بورما في أوائل العام الحالي. ويضاف إلى ذلك أن حق محاولة الحصول على المساواة أمام القوانين، والوصول العادل إلى المحاكم، والحماية من التعسف المتمثل بطول فترات الاحتجاز لا ينطبق على اللاجئين البورميين والفلبينيين الذين تمت إدانتهم في قضايا جنائية، وما زالوا يقبعون في مراكز احتجاز في ماليزيا.
لقد عانى اللاجئون في تايلاند وماليزيا، كثيرا من عدم التمتع بحقوق الإنسان، حيث هنالك قيود على حركتهم، وعملهم، وحمايتهم الأساسية بصفتهم من العمال، كما حرموا من التمتع بمستويات معيشة لائقة، بما في ذلك الطعام، والمأوى، والملبس، وكذلك حق العيش في بيئة صحية، وآمنة، وحرموا من مزايا الرعاية الصحية، ومن الحصول على التعليم الابتدائي.
إلى من يستطيع اللاجئون أن يرفعوا شكواهم؟ إن لجنة الأمم المتحدة العليا للاجئين، ومنظمة الأنروا هما المنظمتان الدوليتان الرئيستان للعناية باللاجئين، وحماية حقوقهم. كما أن منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، تقدم بعض المساعدات الضرورية للغاية، كما أنها تحشد قوى الضغط من أجل تقديم الخدمات اللازمة، غير أنه ليس لدى مثل هذه المنظمات سلطات لضمان مراعاة حقوق الإنسان من جانب الدول المضيفة للاجئين، أو تلك التي تحتل أراضي الغير.
لقد جعلت لجنة ما بين الحكومات لحقوق الإنسان، التي تم إنشاؤها خلال الفترة الأخيرة في جنوب شرق آسيا، الدفاع عن حقوق الإنسان بمثابة دستور لها. ولعل من أسباب قوتها أنها لجنة إقليمية سوف تعتني بشؤون اللاجئين، وتدافع عن حقوقهم في مختلف بلدان هذه المنطقة من العالم. غير أن مراعاتها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء تضعف أي جهد لها في حماية حقوق الإنسان، الأمر الذي يضع هذا الأمر الملح جانباً في الوقت الراهن. وقد يكون أمام هذه اللجنة مستقبل جيد لحماية حقوق أولئك الذين تهتم بشؤونهم. وتتم مراجعة بنود اتفاقيتها مرة كل خمس سنوات. ولا بد من تناول جميع الأمور المتعلقة باستقلالها، وشرعيتها، وحدود سلطاتها. وتتولى الحكومات الأمور ذات العلاقات بتعيين المفوضين، وكذلك الأمر بإنهاء خدماتهم، أي أن ذلك الأمر ليس من سلطات اللجنة. وإن هذا الربط مقصود، حيث إنه يضعف سلطات اللجنة فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان. كما أنه ليس لدى هذه اللجنة نظام ''وجهات نظر الأقران''، إضافة إلى أنها تمتلك عدداً محدوداً من وسائل العمل مع المجتمع المدني.
إن ما يعوق شرعية عمل هذه اللجنة هو أن بنود إنشائها تنص على ضرورة الإجماع في اتخاذ القرارات. وبذلك تتمتع بورما وغيرها من الدول ذات الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، بقوة التصويت ذاتها اللازمة لمنع اتخاذ القرارات.
من الأمور المهمة والحيوية أن تتمتع مؤسسات حقوق الإنسان بما يكفي من السلطات لضمان صون تلك الحقوق. وليست لدى هذه اللجنة مثل هذه السلطات لكي تتولى التحقيق، أو تفرض العقوبات في حالات مخالفة حقوق الإنسان، إضافة إلى افتقارها إلى نظام فعال لاستقبال الشكاوى ومتابعتها. والواقع أن مبدأ عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول يقضي على احتمالات التزام تلك الدول بحقوق الإنسان المتعارف عليها.
إن الحديث عن حقوق الإنسان في دول الآسيان قطع شوطاً طويلاً، ولا بد من النظر إلى هذه اللجنة من خلال هذا المنظور. وإذا كان لدى اللجنة مسؤولية قضايا حقوق الإنسان، فإنها لا تزال تفتقر إلى آليات الحماية المطلوبة. وهي بذلك تعرض نفسها لأحاسيس قوية من عدم الثقة بها، على أساس أنها غير كفؤة، كما أن ضعفها يثير أسئلة كثيرة حول شرعيتها. ولدى اللاجئين البورميين المقيمين في تايلاند فهم عميق لحقوقهم نتيجة لكثير من البرامج الخاصة بالمنظمات غير الحكومية، واللجنة العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إضافة إلى عدد من منظمات حقوق المرأة والطفل. ولكن ما فائدة كثرة الكلام عن الحقوق إذا لم تتم حمايتها؟ وسوف تزداد التوقعات والمطالبات الموجهة إلى اللجنة العليا من جانب مواطني دول الآسيان، ومن جانب المجتمع الدولي ككل في سبيل مزيد من التحرك في ظل الانتخابات العامة البورمية المقرر إجراؤها في وقت متأخر من العام الحالي.
خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: Opinionasia