Author

مفهوم العمل الخيري

|
يحثنا ديننا الحنيف على العمل الخيري بمختلف أشكاله في إشارة واضحة وصريحة للمبادرة بالعمل الخيري العام مهما كانت بساطته وحجمه وتكاليفه، حتى جعل إماطة الأذى عن الطريق عملاً خيرياً لأنه ينفع الناس، ولنا في نبينا محمد قدوة حسنة حيث كان همه مساعدة الناس وتربيتهم على ذلك وتعدى ذلك لمساعدة غير المسلم وحتى رعاية الحيوان. ويأتي بناء المساجد أولوية في بلادنا حيث ينفق بعض الخيرين الملايين لبناء مسجد واحد، أو ترميمها، أو دعمها، أو وضع برادات مياه للشرب بجوارها، وتركيب المكيفات وأجهزة التدفئة في المساجد. هذا ويقدم البعض الآخر خدمات إنسانية للمرافق العامة والتي يرتادها الناس بكثرة كالمستشفيات والمرضى مثل بناء ورعاية أماكن الانتظار، أو التبرع بأجهزة للمرضى للمقعدين، وبناء مأوى للمشردين أو اليتامى أو كبار السن ممن لا يجدون من يؤويهم أو يرعاهم؛ إضافة إلى دعم الجمعيات الخيرية وما إلى ذلك مما فيه خير للناس، وبذلك يتنوع العمل الخيري، ويدعم بنية المجتمع، ويؤكد على حيويته وقدرته في التفاعل مع مشاكله الطبيعية وحلها كل حسب اجتهاده وقدرته وقناعاته - خاصة - في الأعمال الخيرية الكبيرة التي ينجزها بعض الكبار من رجال الأعمال وتتناسب مع قدراتهم؛ لكن ينتقد بعض أبناء المجتمع دعم رجال الخير للقطاعات العامة، ويرون أنه دعم في غير محله لأن ذلك واجب الحكومة وليس من واجبات طالبي الأجر والثواب. لا يعلم من ينتقد ذلك أن هذا أحد أوجه الوفاء للوطن وواجب ديني إنساني نبيل، ينفع الناس ويفيدهم بشكل مباشر وغير مباشر، فالعمل الخيري رافد مهم لدعم المجتمع أينما توجه ما دام توجهه يسد فراغاً في احتياجات المجتمع، وكون العمل الخيري يدعم المشاريع الحكومية فذلك لا يعني أبداً تقصير المؤسسة الحكومية، ولكن يعني ظرفاً طارئاً أعاق المؤسسة الحكومية عن الوفاء بالتزام ما، أو أن إجراءات النظام لحفظ المال العام تقف أحياناً حائلاً لتحقيق وإنجاز بعض المشاريع بالسرعة التي يحتاج إليها الواقع الاجتماعي، فينجزها رجل أعمال خير، فيحل مسألة معقدة بقدرته الاقتصادية، ورغبته الذاتية في دعم المجتمع وفعل الخير. تبرز الأعمال الخيرية العامة وتظهر في المجتمعات المتقدمة المتحضرة أكثر منها في غيرها كإحدى ظواهر تميز حضارات هذه الأمم، وتأخذ أشكالاً متعددة من الإنفاق على التعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية لرعاية كبار السن، واليتامى، والمشردين، إضافة للإنفاق على المؤسسات الدينية، حيث تختلف ثقافة العمل الخيري في معظم الدول المتقدمة عنها في بلادنا إذ يتنافس أصحاب الأموال والمؤهلات العلمية على العمل الخيري الداعم للأفراد والجماعات ذوي الاحتياجات التي لا تفي بها المؤسسة الرسمية مثل تخصيص مبالغ أو مرافق معينة (تعادل نظام الوقف الإسلامي) لتعليم الطلبة المتفوقين، أو لدعم المؤسسات الطبية العامة، أو بناء مرافق إيواء، أو دعم البحث العلمي في مجال ما، أو دعم حملة لمكافحة مشكلة صحية أو اجتماعية، وغير ذلك من الأنشطة التي تدعم الإنسان مباشرة، وتؤمن له الاحتياجات الأساسية البسيطة من خلال دعم مؤسسات المجتمع العامة، فهمّ الطبيب بعد تقاعده (أو حتى قبل أن يتقاعد) أن يخصص من وقت عيادته للفقراء وللعامة بخدمتهم مجاناً إسهاماً في مساعدة الناس، ومثله بعض المحامين، وأساتذة الجامعات وغيرهم. ويضرب بعض رجال الأعمال في بلادنا أروع الأمثلة في تقديرهم للعمل الخيري العام؛ رغم نمط التفكير السائد لمفهوم العمل الخيري، وذلك بمبادرتهم بتبني بعض المشاريع الخيرية، فمن موقعي كمدير لأحد المرافق الصحية في منطقة حائل يمكنني ذكر بعض هؤلاء، حيث يأتي الدكتور ناصر الرشيد قامة لا تقارن في أعماله الخيرية ذات المفهوم غير المسبوق، كذلك نموذج الشيخ بدر حمود المعجل من حائل الذي تبرع بترميم صالات انتظار المرضى في عيادات مستشفى حائل العام باسم والده الشيخ حمود المعجل - رحمه الله، وتبرع الشيخة هالة الفوزان بترميم قسم الولادة في المستشفى. ومن ثم تبرع الشيخ ممدوح بن غازي المهوس بإعادة تأهيل الساحات الداخلية ومواقف السيارات لنفس المستشفى، ثم تبرع الشيخ فايز بن حمود المعجل بترميم قسم جراحة النساء... وغيرهم مما لا يتسع المكان لحصرهم، وهؤلاء بلا شك هم القدوة الحسنة في دعم المشاريع الخيرية التي تفيد المريض بشكل مباشر. إن قرار مجلس الوزراء الذي وضع نظاماً لحفظ حقوق المتبرعين بوضع أسمائهم على إنجازاتهم ودعمهم هو مفصلٌ مهمٌ يكرس مفهوم وثقافة العمل الخيري ويشجع على المشاركة ودعم المشاريع الخيرية تحت مظلة النظام وبما ينفع الناس... جعل الله ذلك في موازين حسناتهم وجزاهم الله كل خير. فاصلة قال تعالى: ''فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات''. يقول أولو العلم ''إنما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم لمبادرتهم أبواب الخير، ومسارعتهم إلى تحصيلها''.
إنشرها