Author

السخرة والفراغ التشريعي

|
بلادنا ولله الحمد توظف ما يتجاوز 8 ملايين من غير المواطنين معظمهم يعمل في الأعمال اليدوية أو البسيطة إن صح التعبير، ويعملون في ظروف قاسية من درجة حرارة وسكن ومواصلات وساعات طويلة للعمل في مقابل ماذا؟ بضع مئات من الريالات وقد يكون دفع آلاف من الريالات قبل أن يأتي لكي يحصل على تأشيرة العمل فيعمل عددا من السنين في ظل هذه الظروف ونقول في النهاية العقد شريعة المتعاقدين!! هؤلاء معظمهم يخضعون لنظام العمل، الذي نص في أحدى فقرات المادة 61 منه على “أن يمتنع صاحب العمل عن تشغيل العامل سخرة” ولم يعرّف النظام ما السخرة؟ ولم يتم تعريف ذلك في اللائحة التنفيذية للنظام! وهنالك خدم المنازل ومن في حكمهم فقد استثنتهم المادة السابعة من نظام العمل من تطبيق نظام العمل عليهم، أسند النظام لوزارة العمل التنسيق لوضع لائحة خاصة لخدم المنازل وترفعها لمجلس الوزراء، التي ستصدر قريباً منذ عام 1427هـ فالعلاقة مع الخدم يحكمها بشكل كبير الأخلاق والضمير! وقد شهدنا جرائم للخدم سواء ضد الأطفال أو ضد كفلائهم لأسباب عدة، وإن كنت أتصور أن أعظم سبب هو ظلمهم. وتدني أجور الخدم سبب انتشارهم بشكل كبير في المجتمع بحيث إنه في أحيان كثيرة لا توجد حاجة ملحة، وإنما التقليد ومجاراة المجتمع. فالبعض يمارس نوعا من أنواع السخرة مع عدد كبير من هؤلاء تحت نظرية العقد شريعة المتعاقدين، ولا شك أن هذا الأصل في العقود لهو معتبر شرعاً ولكن هل نستغل حاجات الناس بإعطائهم بضع مئات لا تسمن ولا تغني من جوع، ألا يعتبر هذا من الظلم والشريعة أتت برفع الظلم؟ هل نحن فعلاً عاجزون عن إيجاد حد أدنى للأجور؟ إذا كان دستورنا الكتاب والسنة فنحن أحق من الدول الأخرى ذات الدساتير الوضعية في إحقاق الحق. في المقابل نقوم بإعطاء رواتب ضخمة لبعض الجنسيات لأنه يحمل الجنسية الفلانية ويأتي مواطن أو شخص من جنسية أخرى بالمؤهلات نفسها والخبرة نفسها ويتم إعطاؤه 10 في المائة لاختلاف الجنسية. عدم المساواة في الرواتب سبب من أسباب البطالة، فلو وضعناً حدا أدنى للأجور يطبق على الجميع المواطن وغير المواطن، إضافة إلى المساواة في حالة مماثلة العمل والمؤهلات العلمية والعملية لتوجه أصحاب العمل للمواطنين، خاصة أن نظام العمل ينص على أن العمل حق للمواطن في المادة الثالثة، وفي الوقت نفسه سيظل يعمل الملايين من غير المواطنين في ظروف أكثر عدالة. لا شك أن هنالك آثارا اقتصادية ولكن الحقوق لا بد أن تأتي أولاً حتى لو انخفضت أرباح بعض الشركات وبدلات أموال من الخزانة العامة لمعالجة البطالة والسخرة. وحري ببعض زملائنا أن يبذلوا أوقاتهم بدلاً من الدعوة للمناظرات في المواضيع الخاصة بحقوق العمال مع المنظمات الدولية، أن ينظروا ما يحصل في أرض الواقع بعين المنصف، وأن نعترف بالخلل في حالة وجوده ونسعى لإصلاحه، فلم نصل بعد إلى مستوى متقدم في الحقوق على أرض الواقع حتى يحق لنا أن نناظر.
إنشرها