الكهرباء .. «مين يضحك على مين؟»
بخلاف بعض الأطروحات غير الواقعية التي تناولت زيادة تعريفة الكهرباء، كتب الدكتور مقبل الذكير مقالة «آثار زيادة تعريفة الكهرباء» («الاقتصادية» 2010/6/12) احتوت على أفكار واقعية يتفق عليها الجميع ويبقى التنفيذ.
وأتساءل: ما رأي وزارة التجارة والصناعة في تسعيرة الكهرباء الجديدة؟ فلم نقرأ أو نسمع شيئا يُذكر، وأما ممثلو رجال الأعمال الأعضاء في مجلس إدارة هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، فقد مثلوا آراءهم الشخصية ولم يمثلوا رأي القطاع، مع أنهم مؤتمنون على ذلك، ولا يهمنا رأيهم الشخصي، المهم أن وزير المياه والكهرباء استصدر قرارا من مجلس الوزراء 1430/10/16 القاضي بأن يكون للهيئة الحق في إجراء تعديلات على قيمة الكهرباء وإقرارها بما لا يتجاوز 26 هللة لكل (كيلواط/ساعة) دون المساس بالاستهلاك السكني, الذي يمثل 53 في المائة من استهلاك الكهرباء ويباع بأقل من التكلفة، ولقد ناقشت الهيئة وشركة الكهرباء الصناعيين واستمعت إلى اعتراضاتهم, ولم أرغب في أن أشارك في ذلك, لأن النقاش كان يجب أن يكون مع وزير التجارة والصناعة, الذي أرجو أن يكون قد عبر عن وجهة نظر الصناعيين في المجلس الذي أعطى الهيئة ذلك الحق.
ليست القضية اعتراضهم أو تذمرهم على رفع التكلفة, لكن كيف ترفع؟ ومتى ترفع؟ وما السقف الأعلى للتكلفة الإجمالية على المصانع؟ وإلا أصبحت العملية ضحكا على بعض, وتخليا من كل جهة عن الضرر الذي سيحصل على الجهات الأخرى. وأتساءل: هل يمكن أن تزيد أي جهة أو منتج محتكر لأي منتج سعره 117 في المائة ثم نطلب من المستهلك ألا يعترض؟ لماذا لم يطلب وزير الصناعة أن تكون الزيادة 5 أو 10 في المائة سنويا للسنوات الخمس المقبلة مثلا؟ عندئذ ستكون الزيادة تدريجية ويستطيع المستثمر والصناعي أن يكيف خططه واستثماراته، فعندما زادت الدولة رواتب موظفيها قسمتها على ثلاث سنوات ولم تزدها 15 في المائة مرة واحدة. لا يوجد صناعي وطني يعارض قرارا حكيما متدرجا واضحا وشفافا، وسيأتي التفصيل, لكني أهنئ وزير المياه والكهرباء على ما بذله ويبذله من جهد في شرح خطته في المؤتمرات وفي الصحافة واللقاءات المختلفة، ولا يوجد رجل رشيد إلا سيؤيده في خطط الهيئة المعلنة. وشرح محافظ الهيئة أن تعديل التعريفة في حد ذاته ليس هدفا, لأن الهدف هو الوصول إلى مستوى مميز من تقديم الخدمة الكهربائية، وأن القطاع الصناعي سيتحمل 1.04 مليار ريـال، فهل ستكتفي الهيئة بهذه الزيادة أم ما خفي كان أعظم؟ ونؤيد المحافظ في رغبته في حث القطاعات المستهدفة على استخدام حوافز الأسعار في أوقات غير الذروة لمصلحتها, لذلك وضعت التعريفة الجديدة أوقاتا مناسبة بسعر مخفض كي تتم إزاحة الأحمال من فترة الذروة لضمان عدم وجود ضغط كبير على المنظومة الكهربائية، لكن ماذا عن الصناعات التي لا تستطيع فعلا تطبيق ذلك, خصوصا التي تصل قيمة فاتورة الكهرباء لديها إلى 17 وبعضها إلى أكثر من 20 في المائة من تكلفتها؟ هل فكرتم في معاملتها حسبما يكلفكم وليس حسب تسعيرتكم العامة؟ إن تكلفة الكهرباء المعلنة تبلغ 14.2 هللة للكيلو فولت/ساعة («الاقتصادية» 2010/06/06), فنسأل وزير المياه والكهرباء، هل ستزداد هذه التكلفة بعد حصول الشركة على أرباح إضافية ثلاثة مليارات ريـال, أم ستزداد التكلفة مستقبلا ومن ثم ستزداد الأسعار مرة أخرى؟ هل تكلفة الكهرباء وتوصيلها إلى المصانع, خصوصا من يستخدمون الفولت العالي، أعلى من هذه التكلفة المعلنة؟ (لذلك رفعتم أسعاركم عليهم), هل من يشتري أي سلعة بالجملة يشتريها بسعر التجزئة نفسها؟
إن هذه التسعيرة ـ كما ذُكر ـ هي لتخفيف الأحمال وقت الذروة، فإلى متى ستستمر الهيئة في تطبيق ذلك، أم سيكون إلى ما لا نهاية؟ ونحن جميعا، مرة أخرى، نؤيد ما يقوم به وزير المياه والكهرباء والزيادات المعلنة محددة، فهي بحد أقصى للصناعة في أوقات الذروة 26 هللة بدلا من 12 هللة. وصرح معاليه بـ «أن أغلبية الصناعات لن تزيد نسبة الزيادة في فاتورة الكهرباء الخاصة بها على 3 في المائة فقط», ويقول الصناعيون نقبل حتى بـ 10 في المائة زيادة على فاتورة السعر الحالي ونقبل نصيبنا من تكلفة الكهرباء الصناعية كاملة, إضافة إلى تحملنا نسبتنا من الأرباح الموزعة لديكم .. فهل هذا يكفيكم أم ماذا تريدون؟ وهل يتوقع معاليه أن تستمر الهيئة والشركة المحتكرة للطاقة اليوم في زيادة الأسعار على القطاع الصناعي حتى يصبح سعر 26 هللة هو السعر الأساسي، أي زيادة 117 في المائة حتى لو بعد سنتين؟ وهل يعقل أن هذه النسبة لن تؤثر في الصناعة الوطنية والصادرات السعودية والاستثمار الأجنبي والمستهلك السعودي؟ هل هذه الزيادة مرحلية حتى لا تنكشف الخطة العامة التي سبقت أن عُرضت على رجال الأعمال باستخدام 26 هللة كسعر أساسي وليس كحد أقصى في أوقات الذروة؟ هل سعر 26 هللة ستضاف إليه تكلفة ربط الاستهلاك بمعامل القدرة الذي سيرفع التكلفة إلى نسبة 40 في المائة تقريبا، إضافة إلى زيادة تكلفة التوصيل للمصانع؟ وماذا بعد تكلفة تحسين معامل القدرة؟ فكم سيكون السعر النهائي للصناعة؟ هل يمكن أن توضحوه للجميع دون لعبة جلا جلا؟
هل يا معالي الوزير هذا ما بحثه مجلس الوزراء والمجلس الاقتصادي الأعلى؟ حددوا لنا كم ستكون تكلفة الكهرباء النهائية للصناعة بعد سنة واثنتين وخمس، ما دام المنتج والموزع والموصل شركة تملكها الدولة وتمولها بسخاء, وما رأي وزارة الصناعة وأثر قراركم في الاستراتيجية الصناعية والصناعة والمجمعات الصناعية الجديدة والقائمة اليوم؟ هل ستكون الـ 26 هللة سيفا مسلطا على رقاب الصناعيين تستخدمه الهيئة حسب مزاجها؟ وفي أي عام ستكون عندنا شركات منافسة للتوليد والنقل والتوزيع، أم ستفرض الشركة رأيها على الهيئة وتماطل في تطبيق خططكم؟ هل ستتحكم الشركة في تكلفتها ومن سيراقبها؟ لماذا لا تُشرّع أنظمة لاستخدام أجهزة موفرة للطاقة ونجعلها إلزامية بعد سنتين أو ثلاث من صدورها؟
إن النمو السنوي للاستهلاك نحو 8 في المائة, كما أعلنه الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء وقال «إن إجمالي الاستثمارات الرأسمالية اللازمة للأنظمة الرئيسة خلال 2009 - 2018 التي تشمل مجالات التوليد والنقل والتوزيع سيبلغ 330 مليار ريـال» («الاقتصادية» في عدد سابق). فهل هذا الاستثمار للقطاع أم للشركة أم ما زالت الشركة تعتقد أنها ستكون الوحيدة إلى عام 2018؟ وما رأي معالي الوزير رئيس الهيئة؟ وهل فكرت الهيئة في الطاقة المتجددة؟ ومتى ستستفيد الشركات منها؟ وما خططكم مع مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة؟ هل سنضاعف إنتاجنا إلى ثلاثة أضعاف, كما نشر وسنزيد استهلاكنا للوقود والغاز الوطني للطاقة بكميات تعادل ذلك؟ وهل يُعقل أن تستمر الدولة في تحمل كل هذه الأعباء؟ وهل تستطيع الدولة تحمل ذلك في المستقبل؟ هل سننشئ محطات ذرية بعد أن بدأ الغرب في التخلص منها؟ ألا ينبغي لنا أن نحث كل مستهلك حتى المنزلي على الترشيد بتحمل التكلفة الحقيقية مع إعفاء الحد الأدنى لذوي الدخل المحدود، وليكن 200 ريـال لكل فاتورة؟ أتمنى لمعاليه التوفيق, فمسؤوليته كبيرة, أعانه الله عليها، وبالتأكيد لا ينبغي للصناعيين تحت ظروف هذه الزيادة الأخيرة زيادة أسعارهم للمستهلك ولا هللة واحدة، أما إذا زيدت تكلفة الكهرباء إلى 50 أو 100 في المائة وأكثر فعندئذ من العدل ألا يلام إلا من أصدر القرار وجير الملامة للصناعة. مرة أخرى أتمنى لمعاليه التوفيق وكلنا معه وفي انتظار رده على الـ 21 سؤالا حتى تتضح الصورة.