مدريد هل ستنافس العواصم الأوروبية في استقطاب المالية الإسلامية؟
انعقد خلال الفترة من 16 إلى 17 حزيران (يونيو) 2010 في مدريد مؤتمر بعنوان «ما وراء الأزمة .. التمويل الإسلامي في النظام المالي الجديد»، وهذا المؤتمر كان الإعداد له بجهود كبيرة بالتعاون بين مركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز، ومعهد إدارة الأعمال IE Business School في مدريد، إضافة إلى مشاركة في الإعداد من البيت العربي في إسبانيا.
وكانت طبيعة المؤتمر تعتمد على عقد تجمع للخبراء في التمويل الإسلامي من جامعة الملك عبد العزيز وإسبانيا، ودول مختلفة من العالم مثل: السعودية، الولايات المتحدة، بريطانيا, ألمانيا, وغيرها من دول العالم. وغلب الطابع الأكاديمي على اللقاء رغم مشاركة فاعلة من قطاع الأعمال.
وكان المؤتمر برعاية كريمة من الأمير سعود بن نايف سفير المملكة في إسبانيا ووزير الصناعة والتجارة والسياحة الإسباني، وكان افتتاح المؤتمر في بورصة مدريد.
ليس بجديد القول إن العالم اليوم في سعي حثيث للحصول على السيولة بسبب الأزمة المالية العالمية وتراكم الديون على دول كبيرة في العالم, التي كان من آثارها أزمة اليونان, التي شكلت صدمة كبرى للاتحاد الأوروبي بعد سنين من هذا التكتل الكبير وتوحيد العملة النقدية اليورو. وكثير من المراقبين يرى أن إسبانيا الآن في أزمة مالية نتيجة لتراكم الديون على الدولة, وبالتالي نتج عنها إجراءات تقشفية حكومية.
وكان المؤتمر يعد تجمعا كبيرا للباحثين في مجال التمويل الإسلامي، وتناول قضايا تبرز اهتمام مدريد بهذا القطاع على المستوى الحكومي. إذ إن المجاور لورش العمل تركزت على قضايا ثلاث، الأولى مقدمة في التمويل والاقتصاد الإسلامي، والثانية في المشاركة بين القطاع العام والخاص .. التمويل الإسلامي للمشاريع الدولية PPP Public-Private Partnerships: Islamic Finance in International Project Finance، والمحور الثالث يتعلق بموافقة الأدوات المالية الإسلامية الأنظمة التشريعية والضريبية في إسبانيا Legal and tax adaptation of Islamic finance instruments in Spain، ومن السهل ملاحظة أن هذه القضايا تهتم بجوانب رئيسة وجوهرية كخطوة لدخول التمويل الإسلامي إلى مدريد.
والحقيقة أن هناك قضية مهمة وهي هل الاهتمام بالمالية الإسلامية لهذه الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا، والآن إسبانيا على الطريق بسبب هل هو أن هناك قناعة بأن التمويل الإسلامي نظام ناجح يعالج المشكلات التي يواجهها العالم اليوم بعد الأزمة المالية العالمية, أم أنه واحدة من الوسائل التي تريد أن تدخل من خلالها أوروبا للحصول على السيولة من العالم العربي والإسلامي, خصوصا منطقة الخليج التي تزخر بسيولة عالية نتيجة لعوائد النفط, ولأنها من الممكن أن نقول إنها الدول الأقل تأثرا بالأزمة المالية العالمية, إضافة إلى تطلع هذه الدول ـ دول الخليج ـ إلى الانفتاح اقتصاديا على العالم؟
والحقيقة أنه أيا كانت الإجابتان فإن المسألة مسألة مصالح مشتركة لكلا الطرفين، ففي الوقت الذي تحتاج فيه كثير من دول أوروبا إلى السيولة نجد أن العالم الإسلامي, خصوصا دول الخليج, في حاجة إلى الاستفادة من هذا التاريخ العريق في الصناعة الذي تتمتع به أوروبا، فهي خلال قرون ماضية كان لها الريادة في جانب الاقتصاد والصناعة والتجارة، وهي تحظى اليوم ببنية تحتية وأسس صناعية وتجارية وتقنية وشركات كبرى عالمية هي من الأقوى والأكبر والأكثر تأثيرا في العالم، ولدى أوروبا خبرات كبيرة هي أساس لما يشهده العالم المعاصر من تقدم صناعي وتقني.
وهذه الدول بما لديها من شركات كبرى, هي شركات عالمية لديها أساسات النجاح, لكن العائق الأكبر لديها هو السيولة، وبطبيعة الأدوات التمويلية الإسلامية، فإن جزءا منها قائم على عقد المشاركة أو المضاربة، وهذا العقد من أكثر العقود توافقا مع أهداف الاقتصاد الإسلامي، ومن أقلها إشكالا من النواحي الشرعية، ومما يميزه أن يكون للممول قرار وتأثير وإمكانية للاستفادة من الجهة التي يمولها. فهو في واقعه ليس قرضا، بل دخول في شراكة مع الجهة التي تحتاج إلى التمويل.
ومع انتقال الاهتمام بالصناعة من الغرب إلى الشرق في دول مثل الصين والهند وغيرهما من الدول، إلا أن الجزء الأهم الذي تحتاج إليه المنطقة الخليجية هو نقل التقنية وليس تقديم الصناعات الأرخص، وهذا من الصعب وجوده في الشرق, إذ إن الدول في الشرق باستثناء اليابان وكوريا الجنوبية، تعتمد بشكل كبير على الشركات الأجنبية من أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان, فالوصول إلى أوروبا في هذه المرحلة مهم ومؤثر للاستفادة من منجزاته الصناعية والتقنية، وهذه الفرصة ربما لا تتكرر قريبا في المستقبل.
الخلاصة أنه وإن وجد كثير من الغرب الذين يرون في الاقتصاد الإسلامي اقتصادا مثاليا، فإننا لا نتوقع أن هذا هو التصور السائد لدى قياداته الاقتصادية، وبالتالي فالمصالح لا بد أن تكون جزءا رئيسا في استفادة التمويل الإسلامي من الأزمة الحالية.