كنت في زيارة علمية إلى بعض الجامعات في تركيا، ولفت نظري اهتمام الحكومة التركية بتجهيز المراكز البحثية في الجامعات بأحدث أجهزة القياس والبحث. فهناك سعي جاد نحو العالمية والتقدم في الأبحاث التطبيقية لمعالجة مشكلات تركيا خصوصا في مجالي الطاقة والصناعة. هناك معامل بحثية في تركيا تعمل على مدار الساعة لتطوير الخلايا الشمسية لزيادة كفاءتها وكذلك الاستفادة من طاقة الرياح لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي الذي يكلف تركيا الكثير، والذي تستورده من إيران. والمعلوم أن تركيا تأخرت في مجال تطوير الطاقة النووية، وقررت أخيرا الاستعانة بالروس لعمل محطة كهرباء نووية لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي. كذلك فإن تركيا لديها مخزون من المعادن والخامات في باطن الأرض ومنها خام «البوراكس» الذي يحتوي على عنصر البورون وتمتلك تركيا ما يقارب 72 في المائة من الحجم العالمي. وعلى الرغم من محدودية مصادر الطاقة في تركيا إلا أن الاقتصاد التركي ينمو بشكل سريع مقارنة بدول المنطقة وخصوصا بعض الدول الأوروبية المتعثرة مثل اليونان. ومما لفت نظري أن جميع المواطنين الأتراك يحظون بتأمين صحي شامل من حكومتهم للعلاج في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة. وللمواطن التركي حق الاختيار بين جميع المستشفيات الحكومية والخاصة في البلاد. هذا يكلف الحكومة التركية ميزانية سنوية تقدر بنحو 27 مليار دولار لعدد من السكان يتجاوز 70 مليون نسمة. ويعزو المواطن التركي الفضل في ذلك إلى حكومة رجب طيب أردوغان حيث لم يكن هناك تأمين صحي شامل لجميع الأتراك قبل ذلك. ومما يلفت الانتباه كذلك زيادة اهتمام جيل الشباب بأمور الدين وتعاليم الإسلام والسماح للطالبات بارتداء الحجاب في الجامعات الخاصة، وهذا يحسب للحكومة الحالية التي تسعى إلى الإصلاح وإعطاء الحريات للناس بطريقة لا تغضب الحرس القديم لتركيا العلمانية. وقد لاحظت كذلك زيادة الاهتمام في تركيا باللغة العربية وتعلمها، فقد سعدت بزيارة مركز البحوث الإسلامية في إسطنبول الذي يحتوي على أكثر من 30 ألف كتاب عربي ومخطوطة في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية والإسلامية. وجميع هذه الكتب والمخطوطات هيئت لطلاب الدراسات العليا للاطلاع عليها. وقد أوضح لي مدير المركز أن هناك ثماني كليات في إسطنبول قررت تعليم اللغة العربية لطلابها خلال السنة التحضيرية.
كذلك مما يلفت النظر أن الشعب التركي مضياف وكريم بطبيعته، ويسمون الضيف بـ «مسافر» ويأبى المضيف التركي إلا أن يقدم ما يستطيع لضيفه. ومن الملاحظ أن المجتمع التركي يتكون من شرائح متعددة مثله مثل أي شعب آخر. لكن سمة التغيير والإصلاح تبدو أكثر وضوحا في المجتمع التركي عنها في السنوات الماضية. وهناك سعي واضح من تركيا للتقارب مع العالم العربي والإسلامي بعد أن تعثرت مع الاتحاد الأوروبي وعلمت أن منطقة الشرق الأوسط هي الأولى بالتقارب. ولعل الدول العربية تسعى بشكل جاد للتعاون الاقتصادي والسياسي مع تركيا وتكوين ما يسمى بالاتحاد الشرق أوسطي على غرار الاتحاد الأوروبي. والأمر الذي لا يفوت على عاقل أن تركيا مدت يدها للدول العربية وتنتظر منها التضامن والمؤازرة في عالم لا يحترم إلا التكتلات السياسية والاقتصادية.
