هل يصبح التأمين أحد مفاهيم حقوق الإنسان في المملكة؟
كثير من الحقوق التي ترعاها الدولة وتحرص على توفيرها لمواطنيها والمقيمين على أرضها، تدخل على اختلافها ضمن مفاهيم حقوق الإنسان. ومن أهم هذه الحقوق، ما يتعلق بحق الإنسان في المحافظة على بدنه وسلامته من أي فعل أو أمر قد يؤذي هذا الجسد مادياً أو معنوياً. وتُعد الشريعة الإسلامية سبّاقة في الحفاظ على كرامة الإنسان وبدنه وماله، وقد اعتبرت الشريعة الإسلامية أن الحفاظ على البدن سليماً ومعافى ضرورة ينبغي على الإنسان الحرص عليها.
وبالنسبة للمملكة فقد نص النظام الأساسي للحكم في مادته 26على أن تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، كما نصت المادة 31 على أن تُعنى الدولة بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن. وقد أصبح التأمين الصحي في السنوات الأخيرة البوابة السريعة والفعالة للحصول على الرعاية الصحية، بعيداً عن بيروقراطية القطاع الصحي العام، وأخذ يُنظر إليه على أنه وسيلة لابد منها للحصول على رعاية صحية لائقة بالمواطن طالما عجز القطاع الصحي العام عن توفيرها.
ولذلك فإنه إذا كان الحفاظ على البدن من الأمراض والحرص على سلامته لا يتحقق إلا من خلال برنامج تأميني صحي سواء برعاية وإشراف من الدولة، أو وفق نظام خاص، فإن التأمين في هذه الحالة يصبح جزءا من حقوق الإنسان.
كما أن ما قرره نظام الضمان الصحي التعاوني، الذي صدر قبل أكثر من عشر سنوات، من ضرورة وجود تغطية تأمينية صحية لائقة للعاملين في القطاع الخاص من السعوديين والمقيمين، يؤكد في حقيقة الأمر مسألة مهمة ألا وهي أن الرعاية الصحية التي يتوجب على رب العمل توفيرها للعامل هي جزء من حقوقه الأساسية، وأن هذه الرعاية لا يكون توفيرها إلا عن طريق التأمين. وتبعاً لذلك، فقد أصبح التأمين الصحي حقاً أساسياً للعامل، وهو حق يوازي حقه في الأجر. وهذا هو أول أساس نظامي صريح يقرر حق العامل في مواجهة رب العمل في الحصول على تغطية صحية تأمينية إلزامية. وقد اتسع هذا المفهوم وفقاً لفلسفة نظام الضمان الصحي التعاوني، مما حدا ببعض الجهات الحكومية أن تُدخل في قاموس رعايتها الإنسانية التأمين الصحي، باعتباره يمثل أحد الحقوق التي توفرها هذه الجهة لفئات معينة من المواطنين، ولعل خير مثال على ذلك ما تم إقراره من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية بتغطية المستفيدين من الضمان الاجتماعي بالتأمين الصحي، على اعتبار أن التأمين الصحي هو شكل من أشكال الضمان المتعلق بأغلى شيء يملكه الإنسان ألا وهو صحته.
هذه الخطوة أيضاً رسخت لمفهوم إنسانية التأمين، وهو ما دعا بعض الجهات إلى المطالبة بأن يكون هناك تعميم لهذا المفهوم الإنساني ليشمل شرائح أكثر من المواطنين، وأخص بالذكر منهم فئة المتقاعدين، ومنهم على وجه الخصوص أولئك الذين لا يتمتعون بخدمات صحية حكومية، أو أولئك الذين لا تنطبق عليهم شروط الضمان الاجتماعي، وكذلك فئات العاطلين عن العمل.
وإذا خرجنا عن دائرة التأمين الصحي، فإننا نجد أن التأمين ضد المسؤولية كالتأمين ضد مخاطر مهنة معينة، مثل المخاطر المتولدة عن أعمال الإنشاءات، أو الممارسة الطبية، أو استعمال المركبات، أصبح وسيلة لضمان حق المتضرر في الحصول على تعويض عادل، وذلك على اعتبار أن حجم المخاطر المتولدة عن مثل هذه النشاطات يُعد كبيراً ولا يمكن أن يغطيها الفرد العادي بقدراته المالية المحدودة في حال ثبوت مسؤوليته، وعلى اعتبار كذلك أن حق المتضرر في الحصول على تعويض عادل ومجزٍ هو أمر يدخل بشكل مباشر في مفهوم حقوق الإنسان، وأن التأمين يمثل في هذه الحالة الوسيلة الفعالة لحصول المتضرر على حقه كاملاً. ولذلك فالتأمين يتجه لأن يكون أحد الحقوق التي ينبغي تنظيمها والعناية بها.