هناك معايير دولية للعمل ولحماية حقوق العمال, كما أنه ليس كل ما يضر بالعامل وضعه النظام في مواد صريحة, فالقواعد العامة التي تحمي العمال من الصناعات والأعمال الخطرة أو الضارة كفيلة باتخاذ أي قرار وزاري ملزم لأصحاب العمل من أجل حماية العمال من مصادر الخطر الصحي أو الضرر البدني, الذي يفوق حد التحمل المألوف بحسب الظروف المؤثرة في بيئة العمل.
وفي منطقة الخليج العربي ظهرت التغيرات المناخية الحادة المصاحبة لأزمة المناخ العالمي وأصبح العمل تحت أشعة الشمس مصدر خطر على حياة العمال وصحتهم, ولأن نظام العمل السعودي تضمن في مواده تفصيلا دقيقا لأحكام ساعات العمل وظروف العمل من أجل تفادي أي استغلال يقع على العامل, فإن حظر تشغيل العمال تحت أشعة الشمس خلال فترة ذروة ارتفاع الحرارة مطلب قانوني وإنساني أيضا ويتوافق مع التوجه العالمي والمعايير الدولية.
ومن الواضح أن وزارة العمل تعطي مهلة لأصحاب العمل من الشركات والمؤسسات للاستعداد لتنفيذ هذا التنظيم الجديد الذي يمنع تشغيل العمال في أوقات الذروة ما بين الساعة الثانية عشرة ظهرا والثالثة مساء في الأماكن المكشوفة, حيث تظهر الحاجة إلى حماية العمال, وعلى الأخص الذين يعملون في أعمال المقاولات والطرق وغيرها من الأعمال التي تتم في الأماكن المفتوحة.
وإذا كان هذا التنظيم الجديد يصب في مصلحة العامل, فإن المطلوب من الوزارة أن تبادر إلى تحري مواقع الظلم الذي يقع على العامل أو مصادر الخطر الضارة به أو بحقوقه, خصوصا تلك الظواهر غير المقبولة من الناحية القانونية, بل الدينية, فتأخير تسليم العمال مرتباتهم ليس حالات فردية, بل هو جزء من ممارسات السوق, خصوصا لدى الشركات التي عانت فرض السعودة وتحسين أوضاع العمال, فكان التنغيص هو أفضل الطرق, أما الطريق القضائي أمام العمال فإنه شاق وطويل ولن يؤتي نتيجته قبل مرور أشهر, وربما تتجاوز القضية عاما أو عامين في اللجان العمالية, في حين أن الخلاف على مرتبات متأخرة, ويفترض تدخل مكاتب وزارة العمل حتى لا تتحول الحقوق الأساسية الثابتة إلى مجال للمساومة والابتزاز في حق العمال.
كما أن تفاقم مشكلات العمالة المنزلية لم يعد تجدي معه الحلول الجزئية أو نقل الاختصاص بإصدار التأشيرات من جهة إلى أخرى أو وضع ضوابط جديدة, فكلها لم تؤت سوى مشكلات جديدة تختلف عن سابقاتها, وسوق العمل المنزلي اليوم تنتظر بدء عمل الشركات المتخصصة لتوفير العمالة المنزلية. ولا يخفى على وزارة العمل صعوبة الحصول على تأشيرات للعمالة المنزلية ومشكلات الاستعانة بالأيدي العاملة المقيمة بصفة غير نظامية وفتح باب رفع أسعار أجورهم, وهي إحدى مشكلات سوق العمالة المنزلية وتفرع عن ذلك مشكلات مقلقة لرب الأسرة.
إن وزارة العمل تستطيع أن تقدم من خلال صلاحياتها القانونية والإدارية اختصار كثير من الجهد والوقت, فمكاتب العمل مطلوب منها أن تبادر إلى إيجاد آلية فاعلة حاسمة تتولى حماية الحقوق الثابتة للعمال, الذين يتقدمون بشكاوى وفي مطالبات واضحة لا تحتاج إلى نظر قضائي, فهي من الوضوح لدرجة يصعب معها فرض إجراءات قضائية للمطالبة بمرتبات يعيش عليها العمال, وهي مصدر دخلهم الوحيد, فضلا عما تتطلبه القضية من مصروفات ووقت وجهد ووقوف تحت أشعة الشمس وتردد على مكاتب الوزارة, ومن المقترح أن تقوم الوزارة بتشكيل لجنة إدارية من كبار موظفيها في مناطق المملكة للنظر في التظلمات من تأخير دفع المرتبات وإصدار قرارات عاجلة فيها, خصوصا تلك الشركات التي يتقدم لمكتب العمل عدد كبير من منسوبيها بسبب وجود أزمة مالية أو حالة إفلاس أو خلاف بين الشركاء.
