يبدو أن هيئة التخصصات الصحية صدمت لحجم وعمق معضلة التزوير والتزييف في الشهادات الصحية فقررت أن تعالج ذلك بالتشهير لكل من يثبت لديها تورطه في التكسب غير المشروع بشهادة مزورة أو مزيفة أو بمؤهل غير صحيح أيا كانت الطريقة التي يتم بها الاحتيال على المرضى, بل على المجتمع بصورة أشمل.
ولأن التشهير عقوبة جنائية ذات أثر معنوي بليغ في من يتم التشهير بحقه فقد تطلب هذا الإجراء أخذ موافقة مسبقة من الجهة المختصة لتفادي أي اعتراض على عدم مشروعية قرار التشهير, وبطبيعة الحال فإن هناك عقوبة أصلية يجب أن تتم بها معاقبة المدان بالاحتيال, فضلا عن ترحيله عن البلاد إذا كان غير سعودي, أما إذا كان سعوديا فإن حرمانه من العمل في المجال الصحي والتعميم عن اسمه لدى المستشفيات والعيادات في القطاعين العام والخاص, أول إجراء يجب اتخاذه تجاهه لإيقاف ضرره المحتمل على المجتمع.
إن اكتشاف 162 حالة تزوير في المؤهلات الصحية, الذي أعلنت عنه الهيئة يعد مؤشر خطر كبير, بل يحدث لدى كل مريض شكا مسبقا في كل مستشفى أو عيادة أو مقدم للخدمات الصحية, حيث سبق للهيئة أن أعلنت قبل أشهر اكتشاف أكثر من 1075 شهادة مزورة ورفض 1700 شهادة صحية لاحتمال تزويرها ووضع 15202 ممارس في قائمة الممنوعين من العمل في المجال الصحي على مستوى جميع مناطق المملكة.
وبعد ذلك فإن المجتمع في أمس الحاجة إلى توضيح من هيئة التخصصات الصحية عن حقيقة ما يجري وماذا يجب على المواطن فعله لحماية نفسه من الوقوع ضحية احتيال مهني قد يكلفه حياته أو صحته, وفي وقت لا ينفع فيه التدخل اللاحق إذا وقع الضرر على المريض, فمن غير المألوف أن يسأل المريض عن تأهيل الطبيب أو العاملين في المؤسسات الطبية سواء كانت حكومية أو خاصة, فالثقة تسبق المريض لأنها موجهة أساسا للمؤسسات الطبية عموما, ومع تزايد حالات الكشف عن تزوير شهادات ومؤهلات, فإن من حق المريض أن يسأل, فالثقة لم تعد أمرا مفروغا منه, وعلى المؤسسات الصحية حكومية أو خاصة أن تقوم بنفسها بإعلام المرضى بالمؤهلات الصحية للعاملين لديها وعلى مسؤوليتها, وباعتبار ذلك التزاما قانونيا عليها أن تؤديه تجاه المجتمع, لأن هذه الصدمة القاسية ستبقى تؤرق بال كل من يسوقه القدر لمراجعة أي مؤسسة صحية.
إن من يقوم بالتزوير يعني أنه ارتكب فعلا منافيا للأخلاق العامة والقانون, وقبل ذلك تعاليم الدين الحنيف, وذلك الفعل هو خليط من الغش والكذب والتكسب غير المشروع وتعريض صحة الناس للخطر وغير ذلك كثير مما يمكن أن يقال عن تزوير شهادة أكاديمية أو مهنية, لذا فإن دور الهيئة السعودية للتخصصات الصحية فيه حماية للمصداقية وللمرضى وللاستثمار في الخدمات الصحية, وهو دور وطني جاء في وقت تحتاج فيه المنشآت الصحية إلى الكوادر البشرية في جميع التخصصات.
إن ما أعلنته الهيئة السعودية للتخصصات الصحية من تزوير في شهادات بعض الممارسين في منشآتنا الصحية وإيقاف بعضهم بصفة دائمة أو مؤقتة, يفسر تلك الحالات المتزايدة للأخطاء الطبية التي تتزايد يوما بعد يوم, ولم يستطع أحد أن يوجد تفسيرا لهذه الظاهرة, أما اليوم فقد أصبحت الأسباب واضحة, فهناك من يمارس تقديم الخدمات الطبية دون شهادة صحيحة, وإن أول خطوة يجب بناؤها أن يتم وضع إجراءات سابقة وليست لاحقة, فدرهم وقاية خير من قنطار علاج تنطبق هنا حرفيا, فحماية المصداقية تفرض التحقق السابق عند التعاقد والاستقدام والتعيين.
